وافق الاتحاد الأوروبي على إصلاح، طال انتظاره، لقواعده المالية، في خطوة يعتقد خبراء اقتصاد بأنها ستُفضي إلى حقبة من الموازنات الأكثر صرامة، وحتى في وقت يُتوقع فيه أن تزداد آفاق النمو الأوروبية ضعفاً.

وبعد أسابيع من المفاوضات، اتفق المفاوضون الأوروبيون، بالنيابة عن الحكومات والبرلمان الأوروبي، على تحديد مُستهدفات سنوية لخفض الدين العام وحدود للإنفاق العام، وهو أحد أبرز المطالب الألمانية.

وبموجب هذه التسوية، تتمتع الخزانات بمجال أرحب للاستثمارات العامة، يسمح للبلدان بخفض مديونياتها الزائدة بوتيرة أبطأ، على مدى فترة تتراوح بين أربعة وسبعة أعوام. وفي إيماءة إلى فرنسا وإيطاليا، هناك مجموعة من الإعفاءات التي تسمح بتشديد أكثر تدريجاً للمحفظة العامة.

ويأتي هذا الاتفاق بعد تعليق العمل بما يُطلق عليه «ميثاق الاستقرار والنمو»، الذي يحدّ من العجز العام عند 3 % من الناتج المحلي الإجمالي والدين المحلي عند 60 % من الناتج المحلي الإجمالي على مدى أربعة الأعوام الماضية، للسماح للبلدان بالاستفاقة من الجائحة، ولحمايتها من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بعدما تضخمت الديون وقيم العجز في أنحاء التكتل.

ويتفق خبراء اقتصاد على أن القواعد المالية الخاضعة للإصلاح ستؤدي بالحكومات إلى كبح إنفاقها تدريجاً، ما سيؤثّر في الاقتصاد المتعثر للمنطقة.

وبعد توسعها بمعدل منخفض قدره 0.5 % في سنة 2023، يتوقع المركزي الأوروبي نمو اقتصاد منطقة اليورو بمقدار 0.8 % هذا العام، ومن المُرجح إجراء المفوضية الأوروبية مراجعة بالخفض لتقديراتها للنمو لسنة 2024 هذا الأسبوع.

وأشارت تقديرات داني ستويلوفا، الخبيرة الاقتصادية لدى مصرف «بي إن بي باريبا» الفرنسي، إلى أن المتطلبات المالية الجديدة من شأنها خفض ما يتراوح بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين.

وتذهب تقديرات «بي إن بي باريبا» إلى أن إسبانيا، وهي رابع أكبر اقتصادات منطقة اليورو، ستكون الأكثر تنفيذاً للتشديد المالي الإضافي من بين أكبر أعضاء منطقة اليورو بموجب القواعد الجديدة، ما سيقلل العجز الأولي الهيكلي بنقطة مئوية إضافية من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتخطى ما كان مُخططاً له لسنة 2025.

ولن تكون هذه القواعد الجديدة ذات تأثير بالغ في ألمانيا، أكبر اقتصادات منطقة اليورو، إذ أجبر القرار الأخير للمحكمة الدستورية في شأن قواعد الموازنة الوطنية، الحكومة، على تقليل الإنفاق المزمع على نحو أكبر.

ولم تتمكن فرنسا من تحقيق فائض في موازنتها الأولية، التي تستثني تكاليف الفائدة منذ سنة 2008، ورجّحت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع أن يظل عجزها واحداً من بين الأكبر في منطقة اليورو على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، وفقاً لهذا المقياس. واتجهت تقديرات «مورغان ستانلي» أخيراً إلى أن فرنسا كانت الأقل ترجيحاً من بين الاقتصادات الأربعة الكبرى تحقيقاً للمُستهدفات الموضوعة بموجب القواعد الجديدة.

وبالنسبة لإيطاليا، التي تنوء بالعبء الأكبر للديون بين اقتصادات منطقة اليورو، فيرى خبراء الاقتصاد لدى «مورغان ستانلي» أنها ستواجه صعوبة في تقليلها. وقال خبراء الاقتصاد لدى «مورغان ستانلي»، في مذكرة إلى العملاء: «تمتعت إيطاليا، تاريخياً، بفوائض أولية، ولكن قدرتها على تحقيق التعديل المطلوب ليس مُسلّماً به، في ضوء وجوب سدادها تكاليف فائدة مرتفعة».

وبصفة عامة، يتجه إجماع وجهات النظر إلى أن القواعد الجديدة أكثر تطلباً من حالة الوضع القائم، ولكنها أكثر تراخياً مقارنة بإطار العمل السابق الذي عُلِّق العمل به في سنة 2020، والذي لم يكن يتم تنفيذه على نحو متسق.

وقال مجتبى رحمن، المدير الإداري لأوروبا لدى «يوراسيا غروب»: «ينطوي خطر القواعد الجديدة على أنها ستبوء بالفشل لدى اصطدامها بأول عقبة، ما سيفرض مستوى من الضبط المالي ذا نتائج عكسية، بالنظر إلى التحديات أمام النمو وعلى الاستراتيجيات التي تواجه الاتحاد الأوروبي»، وسيتوقف الكثير إذن على درجة المرونة التي ستطبق بها المفوضية الأوروبية هذه القواعد الجديدة، والتي تدخل حيز التنفيذ من سنة 2025. وقال باولو جنتيلوني، المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، والذي كان مُقترحه الأصلي هو الأساس الذي استند إليه إطار العمل النهائي: «هذا الاتفاق النهائي ليس ما كنت أصبو إليه، فهو مختلف عن اقتراحات المفوضية، ولا سيّما أنه أكثر تعقيداً، ولكن حينما نتخذ هذا القرار، ينبغي أن نكون أكثر جدية في شأن حقيقة وجوب تطبيقنا له وإنفاذه».