النرويج بين زيادة إنتاج النفط والغاز وتعزيز التزامات المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يجوز اتهام النرويج بالنفاق في ما يتعلق بمسائل الطاقة؟ الدولة الشمالية الثرية هي أكبر منتج للنفط في غرب أوروبا، لكنها تحب في الوقت نفسه التفاخر بمنجزاتها الخضراء. ويتم تمويل صندوقها السيادي للثروة، وهو الأكبر على مستوى العالم، كلياً من خلال إيرادات النفط والغاز، لكنها مع ذلك تزيد من وتيرة انتقادها لكبرى الشركات.

وتفخر النرويج بإنتاجها الهائل للكهرباء من خلال المصادر المتجددة وبقوة دعمها للمركبات الكهربائية، لكنها في الوقت عينه تدعم بقوة أنشطة التعدين في أعماق البحار، والحفر الكثيف في القطب الشمالي، فضلاً عن ممارسات بيئية أخرى محل تساؤل.

وصرح أحد المسؤولين التنفيذيين النرويجيين: «تتزايد الضغوط الخارجية على النرويج، لأن التناقضات صارت أكثر وضوحاً. تصمد البلاد في وجه ذلك حتى الآن، لكني لا أعلم ما إن كان بإمكانها فعل ذلك إلى الأبد».

ويسارع نشطاء بيئيون، وكذلك عدد كبير من الرأسماليين، إلى نعتها بالنفاق، لأنها تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر. لكن الحكومة في أوسلو تتحدث كثيراً عن التناقضات، فهي تقدم نفسها على أنها المورد الديمقراطي المفضل للنفط والغاز لأوروبا، بينما على الجانب الآخر تقدم بعضاً من الدعم الأكثر سخاءً على مستوى العالم لتحويل السيارات والحافلات والعبارات إلى العمل بغير طاقة الوقود الأحفوري. لذلك، يتعين علينا فحص عدد من الأدلة في الآونة الأخيرة للتحقق من صحة الاتهامات:

الدليل الأول: وجه صندوق النفط النرويجي، البالغة قيمته 1.5 تريليون دولار، انتقادات لاذعة لشركة «إكسون موبيل»، لمقاضاتها مجموعتين بيئيتين ناشطتين في مجال المناخ. لذلك سارع المنتقدون على كلا جانبي المشكلة إلى التنديد بالنفاق، فأنى لصندوق نفطي انتقاد شركات النفط!

لكن تتمثل حجة الصندوق وأوسلو، في أنه مستثمر مالي تأسس لتنويع إيرادات النرويج بعيداً من النفط. وقد أوصى الصندوق ذاته بالتخارج من أسهم شركات النفط والغاز في 2017، بيد أن الحكومة رفضت ذلك. وفي هذه الحالة، يعد تصرفاً عقلانياً من جانب الصندوق أن يقوم رغم كونه مستثمراً ناشطاً، بحث شركات النفط والغاز على تبني نظرة جدية فيما يتعلق بالتغير المناخي، وبالتالي تحجيم المنتقدين.

الدليل الثاني: تصويت البرلمان النرويجي في الشهر الماضي لصالح الانفتاح على التعدين في أعماق البحار وبالقرب من القطب الشمالي. وتسبب القرار بالسماح بأنشطة الاستكشاف، وربما الاستخراج، في انتقادات من الجميع، سواء النشطاء البيئيين أم مجموعات الصيد، بجانب الشركات الكبيرة، وكذلك البرلمان الأوروبي في الآونة الأخيرة. وأعرب الأخير، الأسبوع الماضي، عن «قلقه»، ودعا إلى إرجاء التنقيب في أعماق البحار.

تعهد الكثير من كبرى الشركات حول العالم بعدم استغلال المعادن المستخرجة من قاع البحر، فيما تعهدت بلدان كثيرة بالتخلي عنها، ما وضع النرويج في وسط زمرة تواجه الكثير من الإحراج، تضم الصين وروسيا والهند، بجانب آخرين.

من المرجح أن السلطات في أوسلو تحتاج للتعدين في قاع البحار للوفاء بالطلب على المعادن اللازمة للتحول الأخضر، دون أن تكون شديدة الاعتماد على الصين. كما أن أي عمليات للاستخراج من المياه النرويجية ستكون خاضعة لموافقات إضافية من البرلمان النرويجي، ولن تنفذ إذا كانت التكلفة البيئية كبيرة للغاية.

لكن بالنسبة للنشطاء البيئيين، فإن المضي قدماً في استغلال هذه التكنولوجيا المثيرة للجدل يعد مقوضاً للغاية للمزاعم النرويجية بشأن دعم المحيطات المستدامة. وقال أحد النشطاء البيئيين من غير النرويجيين: «تطلق النرويج كلاماً جيداً، لكن انظروا إلى تصرفاتها، إنها غالباً ما تكون على النقيض تماماً».

الدليل الثالث: مواصلة النرويج التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي، وكذلك زيادة استخدامها لحجة أنها المورد الديمقراطي الأساسي للنفط لأوروبا. ولا ريب في أن النرويج ساعدت أوروبا في الخروج من موقف صعب، بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، حيث ضخت الغاز على وجه الخصوص بكل ما أوتيت من قوة. ومع ذلك، فقد كوفئت بسخاء، ما عرضها لاتهامات بكونها متربحة من الحرب. وما قدمته النرويج هو حجة جديدة لمواصلة استغلال النفط والغاز، لكن البعض يرى أنه كان حري بها التخلي عنهما، إن كانت جادة في جهودها الرامية إلى مراعاة البيئة. وردت أوسلو، لبعض الوقت، بأن انبعاثاتها من بين الأقل لكل برميل مقارنة بأي منتج للنفط، ولذا، فحري بأن تكون أكثر البلدان من حيث الانبعاثات هي المطالبة بالتوقف.

وتعد هذه التوترات أكثر جلاءً في العلاقات بين النرويج والاتحاد الأوروبي. يحتاج التكتل على نحو ماس للغاز الذي تنتجه البلاد، لكنه يرفض إجازته رسمياً على المدى الطويل، مفضلاً التركيز على التكنولوجيات الأكثر مراعاة للبيئة. وتود بروكسل، ودول أعضاء أخرى، أن تشارك النرويج مزيداً من الكهرباء الوفيرة التي تولدها عن طريق المياه، لكن السياسات المحلية في أوسلو أصبحت أكثر حمائية على هذا الصعيد.

الحكم: كل حالة من الأمور السالف ذكرها قابلة للنقاش، لكن محاولات النرويج لخلق توازن يمكنها من تفادي اتهامها بالنفاق تزداد صعوبة أكثر وأكثر.

كلمات دالة:
  • FT
Email