موجة صفقات «حوض برميان» تؤسس لبداية حقبة جديدة لثورة النفط الصخري

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت ثورة النفط الصخري التي بدأت منذ 15 عاماً انتشار آلاف شركات الحفر الصغيرة التي قلبت الأمور رأساً على عقب في سوق الطاقة العالمي، ودفعت الولايات المتحدة من جديد إلى سدة أكبر المنتجين على مستوى العالم.

اليوم بعد اجتياح موجة اندماجات بمليارات الدولارات لحوض برميان، محرك صناعة النفط الأمريكي، تغير المشهد، حيث تسيطر الآن حفنة من الشركات الضخمة على مقاليد الأمور. واستحوذت، هذا الأسبوع «دياموند باك إنرجي» على غريمتها «إنديفور» في صفقة بقيمة 26 مليار دولار، ما عزز قيمة موجة الصفقات التي تردد صداها في جوانب صناعة النفط والغاز منذ بداية العام الماضي إلى قرابة 180 مليار دولار، مع استحواذ كبريات الشركات المدرجة على منافساتها.

وتسيطر 10 شركات فقط حالياً على أكثر من 6.4 ملايين برميل من النفط المكافئ يومياً، من إجمالي إنتاج حوض برميان البالغ 12.1 مليون برميل من المكافئ يومياً، بحسب وود ماكنزي للاستشارات. ومن المقرر إنتاج كل واحدة من الشركات الست أكثر من 700.000 برميل من النفط المكافئ يومياً، أو أكثر مما تنتجه بعض من الدول الأعضاء في منظمة «أوبك». وبذلك، ستسيطر شركتان، هما «إكسون موبيل» و«دياموند باك»، على نصف حوض ميدلاند الذي يشكّل الجزء الشرقي من حوض برميان.

وقال دان بيكرينج، مؤسس مجموعة بيكرينغ إنرجي بارتنرز للاستشارات والاستثمار: «الأمر يتعلق حالياً بشركات كبيرة، لا صغيرة»، وتابع: «يحمل هذا في طياته إيقاعاً ومضموناً مختلفاً».

وفي الأربعة أشهر الماضية وحدها، أعلنت «إكسون» استحواذها على «بايونير ناتشورال ريسورسز» في صفقة بلغت 60 مليار دولار، وهي أكبر منتج للنفط في حوض برميان. ووافقت «أوكسيدنتال» على الاستحواذ على «كراون روك» لقاء 12 مليار دولار. أما «دياموند باك»، فقد أعلنت شراء «إنديفور» الخاصة. وثمة صفقة ما زالت مُعلّقة، تستحوذ بموجبها «شيفرون» على «هيس»، وستمنحها أصولاً نفطية صخرية في حقل «باكن» النفطي الشاسع الواقع في داكوتا الشمالية.

ومن شأن هذه الصفقات أن تؤدي إلى دخول حوض برميان حقبة جديدة، ينتهي فيها تركيز التنقيب على النمو بأي ثمن، وهو ما كان قد دفع الحوض إلى أن يكون الأغزر إنتاجاً في البلاد.

ويرى أندرو ديتمار، نائب الرئيس الأول لدى إنفيروس للاستشارات، أن الأمر يبدو وكأنه صفحة تُطوى، من مرحلة استكشافية توسعية في مجال النفط الصخري، إلى مرحلة متراجعة ولكن مُدارة.

وفي الأعوام الخمسة الماضية، قررت الشركات العامة، بفعل ضغوط من «وول ستريت»، إلى الابتعاد عن السعي المكلّف وراء الأحجام، واتجهت إلى إعادة الأموال إلى المساهمين.

وقادت الشركات الخاصة المشغلة للآبار، وهي من الأقل تقيداً بطلب السوق، قدراً كبيراً من النمو الذي شهده حوض برميان، إذ استجابت للزيادة السريعة للأسعار بتكثيفها للإنتاج. وحالياً، مع خضوع هذه الشركات للاستحواذ من منافسين كبار، فقد خفتت الزيادات الكبيرة المُحتملة من جديد.

من جهتها، أعلنت «دياموند باك» إنها بصدد إزالة منصات الحفر من الحقل بمجرد إتمام الاستحواذ، لكنها تؤكد مواصلتها الزيادة التدريجية للإنتاج. وقال كونراد جيبنز، الرئيس المشارك لقسم عمليات التنقيب في الأمريكتين لدى «جيفريز»: «لا يمكن أن يتنامى عدد الحفارات بعد الموجة الأخيرة من عمليات الاستحواذ التي أجرتها كل من إكسون وشيفرون ودياموند باك وأوكسيدنتال، وتابع: يشير هذا إلى أمر واحد، وهو أننا متجهون نحو أسعار أعلى للنفط. إنها ليست مسألة ما إن كان ذلك سيحدث، وإنما موعد حدوثه.

ويشي الالتزام بخطط التنقيب الصارمة بأن صناعة الطاقة الصخرية في الولايات المتحدة ستبتعد عن دورها باعتبارها مورداً متأرجحاً، ويعني قدرتها على رفع الإنتاج لتهدئة زيادات الأسعار، كما فعلت ذات مرة في وقت مبكر من الطفرة.

وعلّق بيكرينج: «إذا كانت إكسون وشيفرون وأوكسيدنتال ودياموند باك وغيرها، لديهم برنامج ما ويشقون طريقهم لتنفيذه، فمن غير المُرجح أنها ستسرّع خطاها حينما تكون الأسعار مرتفعة، ومن غير المُرجح أنها ستُبطئ أعمالها حينما تكون الأسعار منخفضة، وسيؤدي هذا إلى أن تكون أوبك ذات أهمية أكبر»، في إشارة إلى التكتل النفطي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، فمن شأن هذه الاستحواذات تمكين المنتجين في حوض برميان من الإبقاء على وضع التربّح، حتى عندما تصاب السلعة بالركود. وتعتقد «وود ماكنزي» أن المشغّلين بإمكانهم خصم 5 دولارات من البرميل الواحد من تكلفة التعادل للحفر، التي تبلغ ما يتراوح بين 30 دولاراً و35 دولاراً للبرميل الواحد في الحوض. ويُشار إلى تسجيل خام غرب تكساس الوسيط 78 دولاراً للبرميل في ختام تداولات الثلاثاء الماضي.

ثمة طريقة مع ذلك من شأنها خفض التكاليف، وهي ضم مساحات المتجاورة، ما سيمكّن الشركات من العمل في مساحات شاسعة، بدلاً من قطع أراض مقسّمة. كما يمكن للشركات تمديد طول آبار النفط الأفقية التي ينقبون فيها، وتركيز البنية التحتية فوق الأرض.

وأعلنت «دياموند باك»، التي تتخذ من ميدلاند في تكساس مقراً لها، أن لديها قرابة 100.000 فدان تلامس أراضي «إنديفور». وتعتقد الشركة في قدرتها على تمديد ما يصل إلى 175 بئراً جانبية، بحيث تتقاطع في مواقع الشركتين، في حين ستحقق وفورات في التكاليف السنوية تُقدّر بقيمة 550 مليون دولار.

وقال كايس فانت هوف، كبير المسؤولين الماليين لدى «دياموند باك»: «في كل صفقة أجريناها، كنا ندلف من الباب، تاركين غرورنا خلفه، ونجلس مع الطرف الآخر في الغرفة، ونتحرى أفضل خدعة تمكننا من حفر الآبار في محيطنا». كان أوتري ستيفنز، الذي طوّر «إنديفور» من منصة حفر واحدة منذ نحو نصف قرن، قرر عدم بيع الشركة لسنوات. لكن مطلعين على الصفقة أفادوا بأنه وافق في نهاية المطاف على بيعها لصالح «دياموند باك»، ما يعود جزئياً إلى أنها ستُبقي على الشركة في ميدلاند، حيث يقع أيضاً مقرها.

من جهتها، أفصحت «إكسون» عن أنها ستكون قادرة على تحقيق وفورات سنوية بقيمة ملياري دولار في العقد المقبل، من خلال استحواذها على «بايونير»، وسيكون ذلك مدفوعاً إلى حد كبير باستغلالها للتكنولوجيا لزيادة استخراج النفط، ولكن أيضاً من خلال آبار أطول. وذكر آلكس بيكر، مدير البحوث لدى «وول ماكنزي»: «أشعر وكأننا وصلنا إلى مرحلة، ربما قبل عام أو عامين قبل أن تبدأ هذه الموجة،، حيث شعرت أن هذا هو أفضل ما يمكن أن يصل إليه بيرميان من حيث التكلفة وتعادل العرض». وتابع «لكن كافة هذه الصفقات برهنت على أنه ما زال هناك مجال أمام تحسين الكفاءة».

وتركز الشركات حالياً على إتمام صفات الاستحواذ، إذ تدرس الجهات التنظيمية الأمريكية المعنية بالمنافسة الصفقات التي أبرمتها كل من «إكسون» و«شيفرون» و«أوكسيدنتال».

ولا يتوقع المحللون أن تحظر لجنة التجارة الفيدرالية أياً من هذه الصفقات. ولكن في مرحلة ما، فإن استمرار تركز السيطرة على قلب معاقل النفط في الولايات المتحدة قد «يرفع أعلاماً حمراء».

كلمات دالة:
  • FT
Email