عندما يطلب رئيس تنفيذي تمويلاً بالتريليونات وليس بالمليارات فأنت تعلم أن القطاع قد يصبح ساخناً جداً.
على المدى الطويل، سيحول الذكاء الاصطناعي التوليدي العديد من الصناعات وطريقة عمل الناس. إلا أن التقرير الذي يفيد بأن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، سام ألتمان، يتحدث مع المستثمرين حول مشروع شرائح الذكاء الاصطناعي أثار كثيراً من الأسئلة.
وقال شخص مطلع على المحادثات إن المشروع قد يتطلب جمع ما يصل إلى 7 تريليونات دولار، حتى الحصول على جزء صغير من هذا الرقم، الذي يفوق إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة وفرنسا مجتمعتين، قد يبدو بعبارة لطيفة، مبالغاً فيه.
ورغم ذلك، فإنه يعكس ما أصبح عليه حجم الاهتمام الكبير بالذكاء الاصطناعي والشرائح التي تشغله. والتشابه التاريخي الذي يستدعيه هذا الموقف هو أن التقييم القياسي المرتفع للأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ومستهدفات التمويل، تشبه الطفرة والكساد في أسهم قطاع الاتصالات خلال عصر فقاعة «الدوت كوم».
آنذاك، توقع المستثمرون أن الإنترنت سيحول العالم، وستصبح شركات الاتصالات وموردو الأجهزة أكبر الفائزين. لكن المشكلة كانت هي أن تقييمات القطاع كانت تعتقد أن هذا التحول سيحدث بين عشية وضحاها تقريباً. والآن، هناك مستوى مماثل من التفاؤل يقود الاستثمار في الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
عندما بدأ استخدام الإنترنت على نطاق واسع للمرة الأولى، كانت أجهزة الشبكات هي الأكثر طلباً، كان لا بد من بناء الخوادم وتوصيلها باستخدام أجهزة التوجيه. وبدأت الشركات بناء وشراء الأجهزة على أساس أن الطلب الحاد على الخوادم سيستمر إلى أجل غير مسمى. وارتفعت أسهم معدات شركات الاتصالات مثل «سيسكو» بأكثر من 30 ضعفاً في السنوات التي وصلت فيها إلى ذروتها في عام 2000.
لكن انهيار صناعة الاتصالات جاء أبكر من المتوقع، حيث استغرق الأمر أربع سنوات فقط للانتقال من الازدهار إلى الركود، بشكل أسرع بكثير من تغيير الإنترنت لحياتنا. ودفعت زيادة العرض أكثر من 20 مجموعة اتصالات إلى الإفلاس بحلول عام 2002، وهوت أسهمها.
والآن، في عالم الذكاء الاصطناعي، أصبحت الرقائق هي الأكثر طلباً. بالتالي، يصبح اندفاع شركات الذكاء الاصطناعي لامتلاك المزيد من سلسلة توريد صناعة الرقائق أمراً مفهوماً. وكلما أصبح حجم نماذج الذكاء الاصطناعي أكبر، ازدادت الحاجة إلى رقائق أكثر. ويزيد النقص المستمر في المعروض الإلحاح على الطلب.
رغم ذلك، فإن مدة استمرار هذا النقص في المعروض قابل للنقاش. فلم يمضِ سوى عامين فقط على توقف صناعة السيارات العالمية بسبب النقص الحاد في رقائق السيارات. واستغرق تخفيف حدة هذا المأزق أقل من عام. واليوم، لم يعد المعروض من رقائق السيارات كافياً فحسب، بل أصبح هناك وفرة في المعروض.
إن الخطر الأكبر من إنفاق الكثير من الأموال وبسرعة كبيرة على رقائق الذكاء الاصطناعي هو فائض القدرة الإنتاجية. وهي بالفعل مشكلة لرقائق الجيل الأقدم. فمع استمرار الانكماش الحالي في القطاع لفترة أطول من المتوقع، اضطرت «سامسونج» العام الماضي إلى خفض الإنتاج للتعامل مع تخمة الرقائق، كما تكبدت نظيرتها اليابانية «كيوكسيا» خسارة قياسية بلغت 1.7 مليار دولار خلال الأرباع المالية الثلاثة حتى ديسمبر. إضافة إلى ذلك، يجري بناء أكثر من 70 مصنعاً جديداً للتصنيع.
في الوقت نفسه، انخفضت شحنات رقائق السيليكون العالمية بنسبة 14.3% العام الماضي، ويرجع جزء من ذلك إلى الانكماش الدوري في قطاع الرقائق وانخفاض الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية. لكن تراجع فواتير معدات صناعة الرقائق العالمية، التي انخفضت بأكثر من 10% في الربع الثالث، يشير إلى أن نمو قطاع الرقائق في المستقبل سيظل عند مستوى أكثر طبيعية مما جعلتنا طفرة الذكاء الاصطناعي نعتقد.
المشكلة الأخرى هي أن الرقائق سرعان ما تصبح سلعة، لنأخذ على سبيل المثال شرائح 40 نانومتراً القديمة المستخدمة في الأجهزة المنزلية، لا يكاد يكون هناك نقص في المعروض من هذه الرقائق اليوم، لكنها كانت أيضاً مورداً نادراً ومتطوراً عندما طرحت عام 2008. ومع انخفاض قيمة المعدات الرأسمالية، ينخفض أسعار رقائق الجيل الأقدم.
تزداد سرعة الرقائق وتتحسن كفاءة البرامج كل عام، لم تستغرق الرقائق سوى عامين فقط حتى تتطور من تقنية 7 نانومترات إلى تقنية 5 نانومترات المتقدمة المستخدمة في أحدث شرائح «إنفيديا». وهذا التقدم التكنولوجي السريع يعني أن الشركات قد ينتهي بها الأمر إلى إنفاق أقل بكثير على الشرائح في المستقبل مما تتنبأ به الشركات اليوم.
صحيح أن هناك اختلافات واضحة بين عصر الدوت كوم وطفرة الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، تجاوزت إيرادات شركة «أوبن إيه أي» بالفعل ملياري دولار على أساس سنوي، لتلحق بركب أسرع منصات التكنولوجيا نمواً في التاريخ بعد أشهر من إطلاقها، كما تتوفر لدى شركات اليوم طرق أكثر لتحقيق الأرباح.
ولكن كما كان الحال في الأيام الأولى للإنترنت، لا يزال تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع في المؤسسات بعيداً بعض الشيء، وقد يستغرق التحول الذي يسببه الذكاء الاصطناعي سنوات عديدة أطول مما تشير إليه أسعار الأسهم الحالية وتوقعات التمويل اليوم.
الضجيج الزائد والإفراط في الاستثمار مزيج خطير. والطريق لتجنب مصير مماثل لأقرانهم الذين تمت المبالغة في تقديرهم في التسعينيات هو أن نتذكر أن التاريخ يعيد نفسه.