حينما طرحت شركة النفط البيروفية المملوكة للحكومة سندات بقيمة مليار دولار في 2021، اشتملت نشرة الطرح على بعض التفاصيل المثيرة للقلق بشأن عملياتها في منطقة الأمازون، فخلال السنوات الثماني الماضية، حذرت شركة «بتروبيرو» المستثمرين من 53 حادثة تسرب نفطي متفرقة من خط أنابيب «نوربيروانو» الخاص بها، والمحوري لأعمالها التي تمر عبر منطقة الأمازون شمال بيرو، لنقل النفط إلى مصفاة «تالارا» المطلة على ساحل المحيط الهادئ.

وحسب تقديرات الشركة، فقد «تسرب 20.095 برميلاً من النفط الخام في المناطق المحيطة بسبب أنشطة الضخ في خط أنابيب «نوربيروانو»، وقدمت تفاصيل عن المعارضة الشديدة من المجتمعات الأصلية المحلية لأعمال إنتاج النفط.

ومثل هذه التحذيرات يجدر بها أن تجعل أي ممول يتوقف، خاصة من هؤلاء الذين يتبنون سياسات واضحة ضد دعم الاستثمارات التي تهدد الأنظمة البيئية الهشة. ومن البنوك التي لديها مثل هذه السياسات اثنان عملا على طرح سندات «بتروبيرو» في 2021، «سانتاندر» و«إتش إس بي سي».

وخلص تحقيق أجراه مكتب الصحافة الاستقصائية إلى أن المصرفين عملا على الصفقة رغم سياساتهما القائمة التي تقيد دعمهما للاستثمارات التي تهدد مواقع «رامسار» الهشة بيئياً، وهي أراضٍ رطبة ذات أهمية دولية، بموجب اتفاقية «رامسار» في عام 1971.

وتشمل مواقع «رامسار» البالغ عددها 2.500 على مستوى العالم، مجمع نهر باستازا، وهو أكبر أرض رطبة في الأمازون البيروفية، والتي يمر خط أنابيب «نوربيروانو» التابع لشركة «بتروبيرو» عبرها.

وكان بنك «سانتاندر» نشر في 2019 سياسة تستبعد دعم «المشروعات أو النشاطات في مواقع رامسار المعترف بها». وقبل ذلك في 2014، نشر «إتش إس بي سي» أيضاً سياسة تنص على أنه «لن يقدم عن علم الخدمات المالية التي تدعم بشكل مباشر مشروعات تهدد خصائص مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو أو أراضي رامسار الرطبة». وكان تحديث «إتش إس بي سي» لسياسته في 2020 أكثر صرامة، إذ تخلى عن كلمة «عمداً» من الجملة سالفة الذكر.

وأفاد «سانتاندر» في بيان: «نحن نتفهم تماماً أهمية حماية الأمازون ودعم التنمية المستدامة في المنطقة، وفي حين أنه ليس بمقدورنا التعليق على عملاء بعينهم أو صفقاتهم، إلا أن جميع قرارات التمويل تسترشد بإطار عمل سياسي صارم معتمد من مجلس إدارتنا، كما نشارك في العديد من المبادرات الصناعية الرامية إلى حماية المنطقة، والعمل بشكل استباقي مع العملاء والمصارف الأخرى والحكومات والجهات التنظيمية، للمساعدة في تحسين الممارسات، مع الاعتراف بأن هذا تحدٍّ معقد للغاية، يتطلب استجابة متعددة الأوجه ومتشعبة الأطراف».

من جهته، قال «إتش إس بي سي»: «نحن ملتزمون بدعم التحول العادل في الأسواق النامية، وبالتالي فنحن منخرطون مع العملاء في العمل على خططهم للتحول ونماذج التشغيل، ويتماشى عملنا مع العملاء مع سياساتنا التي تشمل معايير محددة للاعتبارات البيئية، وتلك ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتتضمن سياسة الطاقة الخاصة بنا لعام 2022 قيوداً على الأنشطة في المناطق الحرجة بيئياً واجتماعياً، بما في ذلك المنطقة الأحيائية في الأمازون».

ورغم ذلك، لم يجب أي من المصرفيْن مباشرة عن السؤال حول ما إذا كان عملهما على إصدار هذه السندات ينتهك سياستهما الخاصة بالأراضي الرطبة في اتفاقية «رامسار». وإذا فعلا ذلك فمن المحتمل أن يشيرا إلى بند «استخدام العوائد» في نشرة الإصدار. وفي حين أن خط أنابيب «نوربيروانو» والزيادات المستقبلية في إنتاج النفط في الأمازون تظهر بوضوح في النشرة كلها، فإن هذا البند القصير ينص على أن عوائد إصدار السندات في 2021 ستذهب إلى تحديث على مصفاة تالارا.

ويهدف هذا المشروع، وهو واحد من أكبر المشروعات التي عملت عليها حكومة بيرو في السنوات الماضية، إلى زيادة إنتاج المصفاة بنسبة 46%، وكذلك إنتاج قدر أقل من أنواع الوقود الملوثة التي تحتوي على الكبريت. وإذا ما أثمرت الاستراتيجية الأوسع نطاقاً لشركة «بتروبيرو»، فإن الكثير من النفط الخام الإضافي الذي ستتم معالجته سيأتي من حقول النفط في الأمازون، مروراً بخط أنابيب «نوربيروانو»، وكذلك من خلال موقع رامسار الخاضع للحماية قرب نهر «باستازا»، لذا يبدو ما يقوله كل من «سانتاندر» و«إتش إس بي سي» جريئاً، لأنهما يجادلان بأن توسيع قدرات مصفاة «تالارا» لا يشكل مخاطر على مجمع نهر «باستازا».

وفي حين قد يظن بعض القراء أن البنكين يسخران من تعهداتهما الخضراء، فقد يرى آخرون أنه من الصعب التركيز عليهما لمجرد أنهما تكلفا عناء تبني هذه السياسات، كما أن المصرفيْن ليسا وحدهما في توفير الخدمات المالية لمنتجين آخرين للنفط في الأمازون، فقد كشف تقرير صدر العام الماضي عن منظمة «بروفيت دوت إرث»، التي لا تهدف للربح، مسؤولية ثمانية بنوك عن 55% من تمويل يبلغ 20 مليار دولار لمشروعات النفط والغاز في الأمازون منذ 2009، ويُعد «جيه بي مورغان» أكبر المساهمين، يليه «سيتي»، ثم «إيتاو» و«إتش إس بي سي» و«سانتاندر» و«بنك أوف أمريكا» و«برادسكو» و«غولدمان ساكس».

ولا يمثل التنوع الحيوي في حوض «باستازا» إلا سبباً واحداً للقلق بشأن خطط «بتروبيرو» للتوسع في عمليات إنتاج النفط في الأمازون، فثمة سبب آخر، هو رفاهة من يعيشون هناك، فقد خاضت مجموعات السكان الأصليين هناك، بما في ذلك «أشوار» و«وامبيسا»، حملات طويلة لتقييد إنتاج النفط في منطقتهم، وسافر أعضاء منهم إلى الولايات المتحدة في 2022، لممارسة ضغوط على المصارف لقطع صلاتها مع «بتروبيرو».

وعرقلت هذه المعارضة المحلية خطط «بتروبيرو» لبدء إنتاج النفط الخام من كتلتين كبيرتين في الأمازون. وتُعد مشكلات الشركة بمثابة أنباء غير سارة للمستثمرين لعملية إصدار السندات لعام 2021. واضطر آلكس كونتريراس، وزير مالية بيرو، هذا الشهر، إلى التعهد بمساعدة مالية طارئة للشركة، التي قد لا تكون قادرة على الوفاء بالمدفوعات لحاملي السندات.

وبالنسبة لعدة مصارف، تشمل «سانتاندر» و«إتش إس بي سي» حالياً، فيبدو أن دعم تطوير المشروعات النفطية في الأمازون مشكلة أكبر بكثير مما تبدو عليه.