في الماضي، كانت كبرى الشركات الأمريكية تزود موظفيها القدامى بمزايا معاشات تقاعدية محددة بوضوح، تضمن لهم حياة كريمة بعد التقاعد، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، اختفى حلم التقاعد السعيد للعديد من الأمريكيين، عندما بدأ توجيه معظم الموظفين الجدد إلى خيار تقاعد جديد.
وعرفت هذه الخطة باسم «خطة المساهمة المحددة» أو «نظام 401 كيه»، الذي يضع عبء الادخار على الموظفين، بدلاً من ترك الشركات تتحمل مسؤولية المدفوعات المستقبلية، فأصبح يجب على الموظفين تخصيص جزء من رواتبهم للحصول على مساهمة من صاحب العمل، ثم إدارة أموالهم الخاصة في الأسواق المتقلبة.
وبعد مرور أكثر من 30 عاماً، ومع اقتراب هؤلاء العمال من سن التقاعد، فإن النتائج تبدو قاتمة إلى حد ما، لدى الأسرة النموذجية من جيل إكس، نحو 40 ألف دولار فقط كمدخرات للتقاعد، و40 % من أرصدة حسابات «401 كيه» الخاصة بهم صفر، وحتى الذين تمكنوا من ادخار المزيد، تلقوا تذكيراً قاسياً بالمخاطر التي ينطوي عليها عام 2022، إذ أدى انخفاض أسواق الأسهم والسندات، إلى خفض متوسط رصيد خطة التقاعد بنسبة 20 %. يتفق خبراء التقاعد بالإجماع، على أن مخططات المنافع المحددة، بشكل عام، تولد نتائج أفضل بكثير للعمال، لأن الأموال تدار بشكل احترافي، ويمكن أن توازن بين العمال الذين يعيشون لفترة طويلة والوفيات المبكرة، في حين يجب على الأفراد المشاركين في خطط «401 كيه»، أن يقلقوا بشأن نفاد أموالهم قبل وفاتهم. لهذا، فإنه من المثير للاهتمام جداً، أن التغيير قد يكون في الطريق.
وفي الشهر الماضي، أعادت شركة «آي بي إم»، فتح خطة المزايا المحددة التي كانت معطلة لفترة طويلة أمام المشاركين الجدد، وتدرس شركات أخرى أن تحذو حذوها، وفي الواقع، ينبغي عليهم ذلك، من منطلق المصلحة الذاتية المستنيرة.
التغيير، مثل العديد من الأشياء الأخرى في الحياة، يرجع إلى ارتفاع أسعار الفائدة إلى حد كبير، وقد أدت هذه التدابير إلى خفض حاد في تكلفة توفير المدفوعات المستقبلية، تاركة العديد من المخططات مع فوائض لا يمكن استخدامها إلا لاستحقاقات التقاعد، وتحت عقوبات صارمة في حال عدم القيام بذلك.
ومن هنا، جاء الحل الإبداعي لشركة «آي بي إم»، اعتباراً من نهاية 2022، كانت خطتها المجمدة تحوي أصولاً بقيمة 3.6 مليارات دولار أكثر من الالتزامات في نهاية 2022.
وتعتزم الشركة استخدام هذا الفائض لتقديم مزايا جديدة في المنافع المحددة للموظفين الحاليين، بدلاً من نظام من «401 كيه»، الذي يأتي من دخل الشركة العادي.
حظيت خطة «آي بي إم» بتمويل جيد بشكل خاص، لكنها ليست مثالاً فريداً، فمتوسط ما لدى أكبر 200 صندوق معاشات في الولايات المتحدة الآن، يصل إلى 105 % من الأصول اللازمة لتمويل مزايا التقاعد، وهي أعلى نسبة منذ 15 عاماً، وفقاً لشركة بلاك روك، التي حثت عملاء معاشات التقاعد لديها على التفكير في إعادة العمل بخطط المزايا المحددة.
وتقدم نحو نصف الشركات الأمريكية الكبرى خطة مزايا محددة، رغم أنها مفتوحة أمام 21 % فقط من الموظفين الجدد، وفقاً لشركة «ميرسر» الاستشارية.
وأجرت الشركة مؤخراً، دراسة استقصائية على كبار المسؤولين الماليين، ووجدت أن 65 % من الشركات الكبرى الأخرى، التي ما زال لديها خطط تقاعد وفق المزايا المحددة، فكرت في إعادة تقديمها، و88 % منها ستفعل ذلك، إذا تمكنت من تقليل مخاوفها بشأن المخاطر، وإن انخفضت أسعار الفائدة بشكل حاد، فإن الفوائض الحالية ستتحول إلى ديون، وهذا ما يدفع بقوة في الاتجاه الآخر، إذ ارتفع عدد الشركات الأمريكية التي تدفع لشركات التأمين مقابل التخلص من خطط المعاشات التقاعدية المغلقة، بينما لا تزال أسعار الفائدة مرتفعة.
ورغم ذلك، هناك خيار جديد يحل هذه المشكلة، حيث تعمل خطط التوازن النقدي القائمة على السوق، على تجميع الموارد، وتوفر خيار الدفع مدى الحياة، مثل معاش التقاعد التقليدي، ولكن يتم تحديد مبلغ المعاش النهائي بناء على عوائد استثمار الخطة، ما يحد من تعرض أصحاب العمل.
الجانب الإيجابي للموظف، أن كل مشارك يحصل على حساب شخصي، ويمكنه اختيار مبلغ مقطوع عند التقاعد، بدلاً من الدفع المنتظم. وفي رأيي، يمثل هذا الحل الأفضل حتى الآن، حيث يتقاسم أخطار السوق مع منح الموظفين أيضاً رصيداً حسابياً، يمكنهم التحقق منه والتحكم فيه.
من الناحية المثالية، ينبغي على أصحاب العمل الحذو حذو شركة «آي بي إم»، من خلال تقديم خطة تكميلية (401 كيه)، للسماح للموظفين باستثمار الدولارات قبل الضريبة، والاستفادة من النمو طويل الأجل لسوق الأسهم.
وتساعد خطط التقاعد في تمييز الشركات الجيدة عن غيرها في سوق عمل ضيق في العديد من القطاعات، كما أنها تسهل عملية الاستغناء عن الموظفين عند الضرورة، وهي ميزة مهمة، في وقت تعاني فيه العديد من الشركات من تكدس الموظفين الأكبر سناً.
وسيتشبث عدد أقل من العمال بوظائفهم، خوفاً من عدم قدرتهم على تحمل تكاليف التقاعد، ما يوفر وظائف، وأموالاً للترقيات. كما أن زيادة خطة المعاشات التقاعدية، هي أيضاً وسيلة فعالة من الناحية الضريبية، للحث على المغادرة. العمال الذين يفهمون خطط المعاشات التقاعدية، يقدرون هذه الميزة، فقد حاول اتحاد عمال السيارات المتحدة لسنوات، إعادة العمل بخطته التقليدية للعمال الأصغر سناً، وتظهر الدراسات الاستقصائية، أن موظفي القطاع العام، الذين يميلون إلى الحصول على خطط معاشات محددة، يذكرون المعاشات التقاعدية، كسبب رئيس لبقائهم في وظائفهم، إن توفير خيارات أفضل للتقاعد أمر منطقي من الناحية التجارية.