الاتحاد الأوروبي يخسر تريليونات اليورو من رأس مال شركاته

على خطى الأداء القياسي لمؤشر إس آند بي 500 الأمريكي هذا العام، حقق مؤشر ستوكس 600 الأوروبي، أعلى مستوى على الإطلاق، خلال تعاملات الأسبوع الماضي، متجاوزاً ذروته السابقة في يناير 2022.

واعتاد مراقبو الأسهم، تفوق المؤشرات الأمريكية سريعة النمو على أسهم الشركات الأوروبية في الوصول إلى الإنجازات البارزة، ففي الفترة بين 2009 و2023، كانت المكاسب التراكمية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500، أعلى بخمس مرات من مكاسب مؤشر يورو ستوكس 50، وهو مؤشر يضم الأسهم القيادية في منطقة اليورو، من حيث القيمة بالعملة المحلية.

ولا تزال الشركات تحلم بالإدراج في نيويورك بدلاً من باريس أو أمستردام، إذ تتميز أسواق الأسهم الأمريكية بأنها أعمق وأكثر سيولة، ويميل المستثمرون إلى أن يكونوا أقل تحفظاً تجاه المخاطر، كما أن اللوائح أقل إرهاقاً.

ومع ذلك، لا يزال مديرو الصناديق يشعرون بوجود فرصة للشراء، حيث يتم تداول الأسهم الأوروبية حالياً بسعر قياسي مقارنة بالأسهم الأمريكية، حيث أدى قطاع التكنولوجيا القوي إلى ارتفاع الأسعار منذ الأزمة المالية العالمية.

ومن المتوقع أيضاً أن تعيد البنوك الأوروبية أكثر من 120 مليار يورو إلى المساهمين من خلال عمليات إعادة الشراء وتوزيعات الأرباح، بعد تحقيقها أرباحاً وفيرة من ارتفاع أسعار الفائدة.

ورغم معاناة منطقة اليورو من ضعف النمو الاقتصادي، فإن انتهاء أزمة أسعار الطاقة وإمكانية خفض الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي قد يحفز المستثمرين.

وثمة شيء آخر توفره سوق الأوراق المالية الأوروبية، فهي تضم مجموعة من الأسهم الدفاعية والتنموية، بما في ذلك البنوك، وشركات الأدوية، وتجار التجزئة الفاخرة.

وتمكنت مجموعة «جرانولا»، وهي اختصار تم صكه حديثاً لأفضل 11 سهماً أداءً في أوروبا، والتي تضم شركة نوفو نوردسك، الشركة الرائدة في سوق الأدوية العالمية لعلاج البدانة، وشركة «إيه إس إم إل» المتخصصة في تكنولوجيا الرقائق، وشركة نستله العملاقة للمنتجات الغذائية، التي تمكنت من تحقيق عوائد إجمالية توازي العائدات الإجمالية لأسهم التكنولوجيا لـ«السبعة الرائعون» في «وول ستريت» منذ بداية عام 2021.

ورغم هيمنة مجموعة «جرانولا» على الأسواق الأوروبية، بالقدر نفسه الذي تسيطر فيه شركات مثل أبل وأمازون وإنفيديا على السوق الأمريكية، إلا أنها مجموعة أكثر تنوعاً، وهذا يعني أن الشركات الأوروبية يمكن أن تكون عامل تنويع مهماً في المحافظ الاستثمارية، كما أنها تميل إلى أن تكون أكثر عالمية، حيث تتم نحو 60% من مبيعاتها خارج أوروبا، بينما تركز العديد من الشركات الأمريكية بشكل أكبر على الأسواق المحلية.

وعلى سبيل المثال، يتكدس المستثمرون في أسهم شركات السلع الفاخرة الأوروبية المنكشفة على الصين، مع تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين.

ومع ذلك، يمكن لأسواق الأسهم في الاتحاد الأوروبي، بل ينبغي عليها أن تكون أكثر من مجرد بديل لشركات التكنولوجيا الأمريكية.

وتعتمد الشركات بشكل كبير على البنوك للحصول على التمويل، ومن شأن سوق الأسهم الأوروبية الأكبر والأعمق والأكثر تكاملاً أن تساعد شركاتها على النمو واستيعاب التكاليف بشكل أفضل، وإطلاق النمو الاقتصادي في أنحاء القارة.

ولتحقيق ذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أولاً تسريع جهوده الطويلة الأمد لتوحيد أسواق رأس ماله المجزأة، حيث يوجد فيه العديد من البورصات وغرف المقاصة ومجموعة من قوانين الأوراق المالية الوطنية.

ويمكن أن يؤدي التناغم إلى إطلاق تريليونات اليورو في تجمعات رأسمال أعمق وأكثر سيولة، وهو قد يدعم تقييمات الأسهم ويجذب نشاط الاكتتابات العامة.

يحتاج الاتحاد المكون من 27 دولة إلى تعبئة المزيد من قوته المالية من صناديق التقاعد والمستثمرين الأفراد، حيث تحتفظ الأسر في الاتحاد الأوروبي بثلث أصولها المالية نقداً، وفقاً لتقديرات مؤسسة «نيو فايننشال» البحثية، بينما يمكن توليد 1.8 تريليون يورو إضافية، أي ما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، إذا رفعوا مخصصاتهم للاستثمارات الرأسمالية بمقدار 5 نقاط مئوية.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تحسين صورته، إذ يتمتع بسمعة بين المستثمرين من حيث التشديد المبالغ فيه في اللوائح التنظيمية وغير مستدام للشركات الناشئة التي تسعى للتوسع، لكنه ينتج شركات مبتكرة، في الأسبوع الماضي فقط، أبرمت مايكروسوفت شراكة مع ميسترال، وهي شركة فرنسية ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

ومن شأن وجود سوق أوروبية أكثر ارتباطاً، أن يقطع شوطاً طويلاً في الحد من البيروقراطية، وتوفير رأس المال للشركات الناشئة. ومع متطلبات التحول المناخي والمنافسة التكنولوجية، تظل بروكسل ملتزمة بفكرة اتحاد أسواق رأس المال.

وحالياً يكافح قادة الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق بشأن الشروط والأحكام، وإلى أن يفعلوا ذلك، ستظل أسواق الأسهم الأوروبية في ظلال نظيرتها الأمريكية، وأدنى كثيراً من إمكاناتها، لكن السياسة لا تزال نقطة شائكة.