الحوافز الاقتصادية لا تكفي وحدها لحل أزمة انخفاض المواليد في اليابان

بين عامي 2019 و2021، انخفض عدد الزيجات اليابانية السنوي بنحو السدس، ليصل إلى ما يزيد قليلاً على نصف مليون.. ربما لا يكون هذا مفاجئاً تماماً، لأن القيود الصارمة التي فرضت على التجمعات خلال سنوات الوباء، كانت كارثية على حفلات الزفاف. ولكن ما يبعث على القلق، أنه لم يحدث أي انتعاش بعد ذلك. ولأن موسم حفلات الزفاف الربيعي يقترب كثيراً، فسيكون الأمر رائعاً أن يعيد ذلك اليابان إلى مسار الزواج. وبعد انتعاش متواضع للغاية، عندما استأنفت اليابان العمل كالمعتاد في عام 2022، انخفض عدد الزيجات في عام 2023 إلى أقل من نصف مليون، لأول مرة منذ منتصف الثلاثينيات.

وخلال الشهر الماضي، أصدرت وزارة الصحة والعمل والرفاهية في اليابان، الأرقام الأولية للمواليد في اليابان في عام 2023، والتي كشفت عن انخفاض بنسبة 5.1 % عن العام السابق، وصولاً إلى مستوى قياسي منخفض جديد، بلغ 758 ألفاً و631 مولوداً. ويبدو أن الدولة الآسيوية اعتادت على هذه الأرقام، التي تؤكد حقيقة لا هوادة فيها بانخفاض المواليد، وبشكل عام، انخفاض عدد السكان.

هذه الأرقام مقلقة حقاً، ففي أحدث توقعاته، توقع المعهد الوطني الياباني لبحوث السكان والضمان الاجتماعي، انخفاض عدد المواليد إلى 755 ألف نسمة في عام 2035، والآن وصل تقريباً إلى هذا الرقم، قبل عقد من الزمن المحدد له. وينتج عن الزيجات اليابانية المستقرة وطويلة الأمد، رغم العديد من المشاكل المالية، وغيرها التي يذكرها الأزواج كعقبة أمام تكوين أسر كبيرة، نحو 1.9 طفل. وببساطة شديدة، وللحصول على مجموعة أكبر من الأطفال الرضع سنوياً، تحتاج اليابان إلى المزيد من الزيجات الطويلة الأمد والمستمرة، ويفضل أن يكون ذلك من قبل أشخاص يبدأون في سن أصغر.

وباعتبارها طموحاً (إذا كان هذا هو ما يقرره الساسة اليابانيون)، فإن فكرة محاربة النزعة الاجتماعية نحو الزواج في سن متأخرة، وبشكل أقل، هي فكرة جريئة وتدخلية للغاية، وسوف يتطلب الأمر، كسياسة، براعة من النوع الذي لم تظهره أغلب البلدان المتقدمة بعد. إن اليابان تشعر بالقلق الكبير بشأن التركيبة السكانية منذ سنوات عديدة.

وقد استثمرت قدراً كبيراً من الجهد في سياسات تهدف ظاهرياً إلى إقناع اليابانيين بإنجاب المزيد من الأطفال. وتم دعم الحزمة الأخيرة، التي قدمها رئيس الوزراء فوميو كيشيدا في عام 2023، من خلال خطابات شديدة الإلحاح، كما أنه أشار إلى أن هذه إلى حد كبير، قد تكون آخر محاولة، إن أراد المجتمع الياباني الاستمرار في العيش بالطريقة التي يعيش بها حالياً.

ومن الحكمة أن ينتبه صناع السياسات في بقية العالم إلى هذا الأمر، فالكيفية التي تتعامل بها اليابان مع تحدياتها الديموغرافية، والعواقب العديدة المترتبة على الشيخوخة، وتقلص عدد السكان- تشكل جميعها أهمية بالنسبة لمجموعة متزايدة الضخامة من البلدان المتقدمة في مختلف أنحاء العالم، تشهد اتجاهات مماثلة، وترى نسخاً من المتاعب التي تواجهها اليابان في حاضرها أو مستقبلها.

وتأتي حزمة كيشيدا في الأساس، بمثابة تعزيز للسياسات القائمة، التي تهدف إلى تشجيع الأزواج الحاليين على تكوين أسر أكبر، وكما هي الحال دائماً، تم بناء السياسات استناداً إلى استطلاعات رأي، تُظهر أن الأسباب الرئيسة لعدم إنجاب المزيد من الأطفال، هي أسباب اقتصادية. ونظراً للضغوط على المال العام، تعد هذه خطوة جريئة، فهناك زيادة في المزايا للرجال والنساء الذين يأخذون إجازة لرعاية الأطفال بعد الولادة، حيث إنهم سيحصلون على 100 % من أجورهم قبل الإجازة، خلال فترة غيابهم عن العمل.

وستحصل الأسر على مخصصات وبدلات للأطفال حتى سن 18 عاماً، وسيتم دفع المزيد للأسر التي لديها 3 أطفال أو أكثر. كما سيتم توسيع التأمين الصحي الحكومي لتغطية نفقات الولادة. وكان أكبر إجراء جديد مالياً، هو توفير مزايا إجازة رعاية الطفل للعاملين غير النظاميين والعاملين لحسابهم الخاص. من ناحية، يبدو هذا التوجه جاداً: إذ تتعامل الحزمة بشكل مباشر مع عدد من المجالات التي تظهر مراراً وتكراراً، كأسباب للعزوف عن إنجاب عدد أكبر من الأطفال، وربما يدعم ذلك ارتفاع معدل الخصوبة بشكل طفيف.

لكن من ناحية أخرى، فإن ذلك يوضح القيود المفروضة على الحكومة في مثل هذه الحالة، وإذا كان تعزيز معدلات الخصوبة يرتبط ببساطة بتحسين الوضع الاقتصادي للآباء والأمهات، فلماذا لا نتخلص من كل العقبات الاقتصادية في أقرب وقت؟ قد يكون الجواب هو أن الحكومة اليابانية تدرك في قرارة نفسها، أن الزواج هو المهم، لكن لا يمكنها أن تلعب دور الخاطبة.

الأكثر مشاركة