إلى أي مدى سترتفع تكاليف الاقتراض اليابانية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخوض صانعو السياسة في مصرف اليابان المركزي، مجموعة جدالات سياسية شائكة، في الوقت الذي يواجهون فيه النواحي العملية لرفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ صيف 2006.

وفي حين ألمح المركزي الياباني، إلى استعداده تقريباً لإنهاء حقبة الأموال الرخيصة غير المسبوقة، وسط توقعات بإقراره أول رفع للفائدة في أبريل، إلا أنه لا يزال يواجه عدداً من القرارات الصعبة حول كيفية تخليه عن سياسة الفائدة السالبة، من دون التسبب في اضطرابات للأسواق العالمية والمقرضين اليابانيين.

ومن بين هذه الأسئلة ما إن كان ينبغي رفع أسعار الفائدة إلى الصفر أولاً، أم مباشرة إلى المنطقة الموجبة، وما يجب القيام به تجاه محفظة السندات الضخمة للبنك المركزي. والأكثر أهمية من هذا كله، ما الذي يجب الإشارة إليه حول مسار الفائدة بعد الزيادة الأولى لها؟.

قال تاكافومي ياماواكي، رئيس بحوث الفائدة اليابانية لدى «جيه بي مورجان»: «لم يوضح المركزي الياباني بعد ما يعتزمه من حيث التفاصيل شديدة الدقة»، وتابع: «لقد أعلن تطلعه إلى الاستمرارية، لكن من الصعب تحديد ما إذا كان سينطبق هذا حصراً على أسعار الفائدة أو أي شيء آخر».

يقترب مسؤولو المركزي الياباني، من اتخاذ قرارهم فيما يتعلق بالمشكلة الأولى، إذ يرجح زيادتهم للفائدة بمقدار 20 نقطة أساس إلى 0.1%. وفي خطاب ألقاه أخيراً، صرّح شينيتشي أوشيدا، نائب محافظ المركزي، بأن هذا من شأنه دفع معدلات الفائدة في السوق النقدية للارتفاع من مستويات تقل عن الصفر بقليل إلى نطاق يتراوح بين الصفر و0.1%.

يسلط هذا الضوء على سؤال صعب، حول ما إذا كان يمكن التخلي عن نظام بنك اليابان المعقد المكون من ثلاثة مستويات لأسعار الفائدة على الودائع لدى البنك المركزي، والذي اعتمده البنك المركزي قبل ثماني سنوات، لتشجيع التداول في أسواق ما بين البنوك والحد من الضرر الذي يلحق بأرباح البنوك من سياسة سعر الفائدة السلبية.

يرى ستيفان أنجريك، كبير خبراء الاقتصاد لدى «موديز أنالتكس»، أن الطريق الأكثر وضوحاً سيتمثل في التخلي عن نظام المستويات، وتابع: «لم يكن لدى المركزي الياباني سياسة فائدة صفرية، ولم يكن لديه نظام المستويات حينئذ، لذا فالأمر منطقي تماماً».

لكن العودة إلى الأوضاع التي سادت قبل 2016 لن يكون سهلاً، بحسب إيزورو كاتو، المراقب للمركزي الياباني منذ أمد وكبير خبراء الاقتصاد لدى «توتان ريسيرش». فإذا ما تخلّى المركزي عن نظام المستويات، فلن تكون هناك سوى بضعة حوافز للمصارف للتداول في أسواق المال قصيرة الأجل، ما لم يبدأ المركزي تقليص ميزانيته العمومية تقليلاً لاحتياطاته الفائضة.

وقال كاتو، إن المركزي الياباني قد يُبقي على نظام ثنائي المستويات لمنع انهيار التداول بين المصارف، مشيراً إلى إبقاء المركزي السويسري على نظام تدريج الاحتياطات للسبب ذاته بعد عودته إلى الفائدة الموجبة في 2022.

أما فيما يتعلق بمحفظته من السندات، فمن المُستبعد أن يجري المركزي الياباني أي تحول جريء تجاه التشديد الكمي، سواء بتعليق مشترياته من الأصول أو حتى بيعها. وبدلاً من ذلك، يعتقد المسؤولون، أن بإمكانهم الاستفادة من جدول الاستحقاق غير المتكافئ لتصفية المحفظة ببطء حتى مع استمرارهم في شراء سندات جديدة.

ستبلغ الاستحقاقات السنوية في محفظة المركزي نحو 70 تريليون ين ياباني، ما يساوي 470 مليار دولار، على مدى الأعوام القليلة المقبلة. وفي ضوء شراء المركزي الياباني لسندات بالوتيرة ذاتها تقريباً، فمن شأن إجراء تعديلات ضئيلة على توقيتات المُشتريات أن يدفع بالمحفظة إلى التضاؤل.

وبخلاف القرارات الفنية، فمن الواضح أن مسار المركزي الياباني تجاه تطبيع سياسته النقدية سيكون مختلفاً عن الذي سلكه كل من الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي، عندما أقرّا مجموعة من زيادات الفائدة في 2022 لكبح جماح التضخم.

ونما الاقتصاد الياباني بنسبة 0.1% فقط على أساس فصلي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، بسبب ضعف الاستهلاك. أما الحقبة الأخيرة التي شهدت زيادات حادة بالأسعار ورحب بها صانعو السياسات بعد أعوام من انخفاض التضخم، فيبدو أنها توشك على بلوغ نهايتها.

وأفادت البيانات، بتباطؤ التضخم الأساسي في يناير للشهر الثالث على التوالي، ليظل ثابتاً عند مُستهدف المركزي الياباني البالغ 2%.

يعني هذا أن معدلات الفائدة ستظل شديدة الانخفاض على الأرجح في المستقبل المنظور، ولا ينظر مسؤولو المركزي الياباني إلى الرفع الأول للفائدة باعتباره إيذاناً بأن مزيداً من قرارات الرفع ستأتي تباعاً وسريعاً.

وفي خطابه، شدّد أوشيدا على أنه لا يمكن مقارنة الوضع الياباني بالوضع في الولايات المتحدة أو أوروبا، بما أن توقعات التضخم لم تترسّخ بعد عند مستوى 2% بعد أمد طويل من انخفاض الأسعار والكساد الاقتصادي.

وقال: «حتى وإن أنهى المصرف سياسة أسعار الفائدة السالبة، فمن الصعب تصور مسار يواصل فيه رفع الفائدة على نحو سريع».

ولا يزال اللاعبون في السوق منقسمين فيما يتعلق بمدى تدرج زيادات الفائدة. ويرجح ياماواكي و«يو بي إس»، بقاء الفائدة عند الصفر أو 0.1% حتى 2025، في حين يتوقع «مورجان ستانلي» تصاعد الفائدة إلى 0.25% بحلول يوليو.

أوصى صندوق النقد الدولي، بنك اليابان، برفع سعر الفائدة على مدار السنوات القليلة المقبلة، بعد إلغاء سياسته المتمثلة في وضع حد أقصى لعائدات السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات وإنهاء إجراءات التيسير الكمي والنوعي. ولكنه أضاف أن العملية يجب أن تكون تدريجية.

وأضافت غيتا غوبيناث، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي: «نحن نتفق مع المركزي الياباني في استمرار وجود قدر هائل من أوجه عدم اليقين فيما يتعلق بمسار التضخم»، وأسهبت، في مؤتمر صحافي عُقِدَ مؤخراً بالعاصمة طوكيو: «اعتقد في أن توخي الحذر مناسب، بالنظر إلى تاريخ الضغوط الانكماشية في الأسعار».

تجدر الإشارة إلى أن ضغوط نمو الأجور واحدة من أبرز العوامل غير الأكيدة. أشارت كبرى الشركات اليابانية، إلى زيادتها للأجور في مفاوضات الربيع السنوية لهذا العام التي تنتهي في وقت لاحق من الشهر الجاري، لكن كازو موما، الرئيس السابق للسياسة النقدية لدى المركزي الياباني، وحالياً كبير الاقتصاديين لدى معهد ميزوهو للأبحاث، قال إن هناك حاجة لزيادات أكثر قوة للأجور بين الشركات الصغيرة والمتوسطة لتبرير رفع ثان للفائدة.

ووفق موما، فمن المُقرر بدء استهلاك الأسر في الانتعاش خلال وقت لاحق من الشهر الجاري، إذا تراجع التضخم وارتفعت الأجور الحقيقية. وأضاف: «إذا حدث هذا، فربما سنشهد رفعاً إضافياً للفائدة بحلول نهاية العام».

كلمات دالة:
  • FT
Email