في عام 2021، سارعت نغوين ثي ثان ثوي إلى عرض قدمه بنك سايجون التجاري «إس سي بي»، للاستثمار في منتج ادخاري جديد بأسعار فائدة مرتفعة.

ودون تردد، نقلت العاملة السابقة بأحد المصانع كل مدخراتها البالغة 800 مليون دونغ (32.000 دولار)، إلى الخطة المصرفية الجديدة، معتقدة أن أموالها ستكون في مأمن بأيدي بنك مرخص من الحكومة.

لم تعلم ثوي أن البنك استثمر أموالها في سندات كانت توجه الأموال بشكل غير قانوني إلى جيوب ترونغ ماي لان، إحدى أباطرة العقارات المحليين، في أكبر عملية احتيال تشهدها فيتنام على الإطلاق، حسبما أعلنت السلطات الفيتنامية.

وقالت ثوي (61 عاماً): لقد صدقت تماماً الضمانات التي قدمها لي موظفو البنك، إلا أنني حاليا فقدت الثقة تماماً بالنظام المصرفي المحلي، مضيفة أنها فقدت كل مدخرات عائلتها. وشاركت ثوي في تظاهرات ضد البنك، وهو أمر نادر في فيتنام التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي. وقالت إنه لم يعد أمامنا خيار آخر. وثوي واحدة من آلاف الفيتناميين الذين فقدوا أموالهم التي أودعوها بنك «إس سي بي».

وتواجه ترونغ ماي اتهامات باختلاس 304 تريليونات دونغ (12.26 مليار دولار)، من خلال أسرتها ووكلاء، واستخدام شركات وهمية للاقتراض، ورشوة مسؤولي البنك المركزي بملايين الدولارات المحشوة في صناديق الستيروفوم. وانطلقت محاكمة ترونغ التي تواجه فيها اتهامات بالاختلاس والرشوة واستغلال القوة هذا الشهر.. وهي جزء من حملة على الفساد بإمرة الحزب الشيوعي الفيتنامي مستمرة منذ سنوات وكشفت عن فساد واسع النطاق، وأبطأت النشاط الاقتصادي وتهدد بتعطيل مبالغ قياسية من الاستثمارات الأجنبية. وطالب الادعاء العام يوم الثلاثاء الماضي بتوقيع عقوبة الإعدام على ترونغ.

فيتنام ابتليت بالفساد منذ عقود، لكن حجم القضية صادم، بحسب لينه نغوين، المديرة المشاركة في شركة «كونترول ريسكس» للاستشارات، مشيرة إلى أن القضية أضرت بالمعنويات، ليس فقط بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وإنما أيضاً للمستثمرين المحليين في سوق الأسهم، ومجتمع الأعمال بصفة عامة، حيث يقدر حجم الأموال المنهوبة في هذه القضية بثلاثة أضعاف مبلغ واقعة فساد في ماليزيا وصفت بأنها أكبر واقعة فساد حكومي على مستوى العالم.

وتأتي محاكمة ترونغ في وقت برزت فيه فيتنام باعتبارها وجهة مفضلة للمصنعين الساعين لتنويع الاستثمارات بعيداً عن الصين، في ظل ازدياد التوترات بين واشنطن وبكين. وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في فيتنام بنحو الثلث إلى مستوى قياسي مرتفع يبلغ 36.6 مليار دولار العام الماضي.

ومع ذلك، يساور بعض المستثمرين المحتملين مخاوف من تسارع خطى الحملة على الفساد، المعروفة باسم «الفرن المشتعل»، خاصة مع اقتراب عام 2026 الذي يتوقع على نطاق واسع أن يشهد تنحي نغوين فو ترونغ، قائد الحزب الشيوعي الذي يترأس هذه الحملة. وفي هذا الصدد، قالت لينه: يتوق بعض عملائنا لضخ استثمارات في فيتنام، لكنهم يكبحون جماحهم حالياً مع رغبتهم في رؤية ما ستؤول إليه الأمور في المؤتمر التالي للحزب، وما إن كانت ستستمر حملة مكافحة الفساد هذه.

وفي علامة إضافية على انحسار ثقة المستثمرين، انخفضت نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر الموثق إلى المحقق في 2023 على أساس سنوي، بحسب لينه ومحللين لدى «إيه إن زد ريسيرش».

وأسفرت عملية الاحتيال المزعومة عن خضوع «إس سي بي» لـ «مراقبة خاصة» من المصرف المركزي بعد اعتقال ترونغ في 2022، إلا أنها أصابت أسواق العقارات وسندات الشركات الفيتنامية بالضعف. ونتيجة للحملة الأوسع نطاقاً على الفساد، تقدم الرئيس واثنان من نواب رئيس الحكومة باستقالاتهم في 2023، واعتقل مئات المسؤولين البارزين في فيتنام على مدار أعوام.

أما ترونغ، 67 عاماً، فتنحدر من واحدة من أكثر الأسر الفيتنامية ثراء، وجنت معظم أموالها من العقارات. وتترأس ترونغ شركة التطوير العقاري «فان تينه فات»، التي تملك بعضاً من أكثر الفنادق فخامة والمنازل الفاخرة، ومباني المكاتب التجارية في مدينة هو تشي منه التي تمثل المركز الاقتصادي والتجاري للبلاد.

ووفقاً للاتهامات التي فصلتها وسائل إعلام الدولة الفيتنامية، فقد بسطت ترونغ سيطرتها بشكل غير قانوني على أكثر من 90% من مصرف «إس سي بي» من خلال وكلاء لها، وعينت أفراداً من أسرتها في مناصب بارزة لمساعدتها في تحويل الأموال لحسابها، ورشت مدققي الحسابات التابعين للدولة الذين كشفوا الاحتيال المزعوم.

وقال مسؤولون إن بنك «إس سي بي» منح قروضاً بأكثر من 44 مليار دولار لحساب شركة «فان تينه فات» وشركات أخرى تخضع لإمرة ترونغ بين عامي 2012 و2022، ما يشكل 93% من إجمالي القروض التي قدمها المصرف.

وفي محاكمتها، أنكرت ترونغ امتلاكها حصة مسيطرة، وكافة الاتهامات الموجهة إليها. وأفادت بأن المصرف المركزي طلب منها الإشراف على اندماج 3 بنوك نتج عنه تأسيس «إس سي بي»، وأنها أقنعت أصدقاءها بشراء أسهم لإنقاذ البنك من الإفلاس، حسب ما نقلته وسائل إعلام الدولة.

من جهتهم، رفض محامو ترونغ التعليق. لكن وسائل إعلام الدولة نقلت عن فام مينه تشين، رئيس وزراء فيتنام، لومه وزارة مالية البلاد والهيئة التنظيمية للأوراق المالية والمصرف المركزي، لغياب رقابتهم. أما وزارة الخارجية التي تجيب عن التساؤلات الموجهة للحكومة من وسائل الإعلام، وشركة «فان تينه فات» للعقارات، فقد رفضوا جميعا الاستجابة لطلبات الإدلاء بتعليقات.

ويتردد المسؤولون الحكوميون في الموافقة على بعض المشروعات في ضوء هذه الحملة، خشية الوقوع في تحقيقات مستقبلية. ونتيجة لذلك، يعتقد نغوين خاك جيانغ، الزميل الزائر لدى معهد يوسف إسحق الذي يتخذ من سنغافورة مقراً له، بأن فيتنام بصدد «شلل بيروقراطي».

وذكر نقاد أن نغوين فو ترونغ، قائد الحزب الشيوعي الفيتنامي، استغل الحملة في مطاردة منافسين سياسيين، ما فاقم الشعور بعدم القدرة على التنبؤ بما ستفعله الحملة.

وأوضح دارن تاي، رئيس قسم مخاطر الدول الآسيوية لدى «بي إم آي»، وهي وحدة لدى «فيتش سوليوشنز»، أن: الحملة التي اضطلعت بها الحكومة ليست فقط لاجتثاث الفساد، وتابع: ثمة عامل سياسي أيضا في هذه المعادلة. لقد استغل ترونغ الفرصة لتسليط الضوء على المخالفات التي ارتكبها منافسوه السياسيون. ومع ذلك، نوه تاي بأن فيتنام تظل وجهة جذابة للشركات الأجنبية.

وأضاف: حرصت فيتنام على أن تظل مرحبة بالمستثمرين الأجانب، فالاقتصاد هناك مهيأ للمصدرين والمصنعين، مشيراً إلى انخفاض الفائدة والأجور في البلاد، إلى جانب الحوافز التي تقدمها الحكومة لتشييد المصانع.

وبالنسبة للمودعين في «إس سي بي» من أمثال ثوي، فلا تعنيهم الاستثمارات الأجنبية أو أحكام المحكمة في شيء. ترغب ثوي أن تقوم الحكومة استخدام أصول ترونج لتعويض ضحاياها. وقالت «سأجوب الشوارع احتجاجاً حتى نسترد أموالنا».