أتاح العمل عن بُعد عالماً من الفرص. لقد عنى ذلك لي أنه يمكنني الكتابة على أريكتي، مع بطانية تغطيني، وقطة تجلس عند قدمي. كما أنه يتيح العمل في درجة الحرارة المفضلة لي (دافئة ومريحة). كما أنه يعني أنني لن أضطر إلى الصعود 3 طوابق للمقصف بمقر العمل للعثور على ملعقة.
لقد أعرب الكثيرون عن أملهم في أن ثورة العمل عن بُعد، ستعود على النساء بفوائد تتجاوز تحسين فرص الحصول على أدوات تناول الطعام. ولدينا الآن براهين كثيرة، بعضها مشجع، لكن البعض الآخر، وللأسف الشديد، يثير الاشمئزاز.
حتى قبيل الجائحة، كان العمل عن بُعد يُسهّل على الأمهات التوفيق بين مسؤولياتهن المختلفة. وتتناول ورقة عمل حديثة، الفجوة في التوظيف بين النساء اللاتي حصلن على شهادات جامعية ولديهن أطفال أو بدون أطفال. فقد تقلصت هذه الفجوة بالنسبة للنساء الحاصلات على درجات علمية في التسويق وعلوم الحاسوب خلال العقد الماضي، وهي صناعات بات فيها العمل عن بُعد أكثر شيوعاً. ومع ذلك، كان الاتجاه أقل بين النساء اللاتي حصلن على درجات تؤهلهن للعمل في المدارس أو المستشفيات، والذي يميل أكثر إلى العمل وجهاً لوجه.
وفي الوقت الراهن، تعتبر النساء أكثر عرضة للعمل عن بُعد من الرجال، والفجوة الأشد وضوحاً، تكمن في نفورهن من الانتقال يومياً إلى العمل. لكن هذا النفور يسهم في اتساع فجوة الأجور بين الجنسين، حيث تضحي النساء بنسبة أعلى من أجرهن المحتمل، لتجنب الرحلات الطويلة. وتؤكد ورقة عمل حديثة، أن هذه هي الحال في ألمانيا، ومن اللافت وجود تفاوت بين الرجال والنساء اللاتي ليس لديهن أطفال أيضاً. فالنساء عادة ما يكون لديهن نفور شديد تجاه إشكالية الاختناقات المرورية، أو المعاناة من الزحام في وسائل النقل العام.
وترى الدراسة نفسها أن العمل عن بُعد يمكن أن يسهم في رأب فجوة الأجور بين الجنسين، من خلال الحد من التضحيات التي تقدمها النساء لتجنب التنقلات الطويلة. ومع ذلك، فهو لا يزيل هذه الفجوة تماماً. وحتى مع إمكانية العمل من المنزل لمدة 5 أيام في الأسبوع، ستظل النساء على استعداد للتضحية بنحو 18 % من أجرهن، للحد من مدة التنقل يومياً بمقدار 45 دقيقة، بينما سيكون الرجال على استعداد للتضحية بما لا يزيد على 11 %. ويبدو أن النساء يوفرن المزيد من الوقت من خلال عدم الاضطرار إلى الذهاب للعمل. وفقاً للبيانات التي جمعها خوسيه باريرو، ونيك بلوم، وستيف ديفيس من جامعة ستانفورد، توفر النساء نحو 12 دقيقة، كان من الممكن قضاؤها في التزين، مقارنة بـ 5 دقائق بين الرجال.
إذن، ما الذي يفعله الرجال والنساء خلال وقتهم الإضافي؟ ثمة بعض الأدلة على تغير الموازين داخل الأسرة، ولكن ذلك ليس دائماً في الاتجاه الذي أتمناه شخصياً. فبينما يخصص الرجال جزءاً أكبر من الوقت المقتصد من الذهاب للعمل لرعاية الأطفال وممارسة الرياضة في الهواء الطلق، تنخرط النساء في الأعمال المنزلية. (عندما كنت أكتب هذا من المنزل، فكرت في تجنب غسل الملابس، لكنني استسلمت في النهاية!).
ومن المحتمل أن تخلق قدرة الرجال على العمل عن بُعد فرصاً للزوجات. وعادة ما يعطي الأزواج الأولوية لمهنة الرجل عند اختيار موقع الإقامة. ولكن ماذا لو كان بإمكان الرجال العمل حيثما يريدون؟ يقدر فريق جامعة ستانفورد، أنه في عام 2021، كان قرابة 1.4 % من الرجال يعملون عن بُعد بشكل كامل، مع قيام زوجاتهم بالعمل وجهاً لوجه، وخلال الأشهر القليلة الأولى من هذا العام، كانت النسبة 2 %.
وأخيراً، يبقى أن نتساءل: كيف يؤثر العمل من المنزل في الإنتاجية. يعد الذهاب إلى المكتب وسيلة مناسبة لبناء الشبكات وتلقي المساعدة. وتشير ورقة عمل حديثة أخرى، أعدتها ناتاليا إيمانويل من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وإيما هارينغتون من جامعة فرجينيا، وأماندا باليس من جامعة هارفارد، إلى وجود تضحيات أشد وطأة بالنسبة للنساء.
درس الباحثون الملاحظات المقدمة والواردة من قبل مهندسي البرمجة لدى إحدى شركات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وقارنوها حسب الجنس والأقدمية. ووجدوا أن العمل عن بُعد قلص ملاحظات النساء بنسبة 20 % أكثر من الرجال، حيث أصبحن أقل ميلاً لطرح أسئلة إضافية. ويبدو أن الذين تلقوا تدريباً في بداية حياتهم المهنية، تمتعوا بمزايا لاحقاً، في هيئة زيادة في الرواتب.
ويكمن التحدي في أن العمل وجهاً لوجه، له تأثير في الإنتاجية. فالوقت الذي تقضيه لتقديم المساعدة، هو وقت غير مستغل في تأدية مصالحك. وبما أن النساء قدمن ملاحظات بشكل غير متناسب، كانت الآثار عليهن أقوى. ويعتقد مؤلفو الدراسة أن النساء ببساطة واجهن صعوبة في رفض دعوات زملائهن في الفريق طلباً للمساعدة. فكما ترى، من الصعب تعقب الملاعق داخل مكتب العمل.