لأعوام عدة، عمل بعض من أكثر صناع السياسات مهارة في الترسانة التشريعية للمفوضية الأوروبية بجد، وبذلوا الكثير من الجهد.
وكانت مهمتهم تصميم أسلحة سياسية تستهدف الدول الداعمة لشركاتها، بشكل غير عادل، بما يعوق شركات الاتحاد الأوروبي عن دخول أسواقها.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، يبدو أن المفوضية قد أخرجت ترسانتها وأطلقت النيران من أسلحتها.
فقد تسبب قانون تنظيم الإعانات الأجنبية الجديد الذي تم إقراره العام الماضي، في إطلاق تحقيقات رفيعة المستوى، ومداهمات مباغتة في بولندا وهولندا لمقرات «نوكتيك».
وهي شركة صينية تصنع ماسحات البضائع والأمتعة والأجسام لصالح المطارات والمعابر الحدودية. كما أطلقت المفوضية تحقيقات أوسع حول المعونات المقدمة لصانعي معدات طاقة الرياح الصينيين.
ومن المغري التفكير في هذا النشاط على أنه حملة منسقة بين دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة الصين بقوة، بعد إطلاق تحقيق العام الماضي في حصول واردات السيارات الكهربائية الصينية على الدعم. إلا أن هذا النشاط مفكك في حقيقة الأمر.
وبإطلاق قانون الإعانات الأجنبية، وضع الاتحاد الأوروبي نفسه على مسار نحو مواجهة مع الصين لا يمكنه السيطرة عليها كلية. وتتركز السيطرة في أيدي المفوضية بشدة، تحديداً في إدارات التنافس والسوق الداخلية. ولن يمضي وقت طويل، قبل أن يثير القانون صراعاً مع الدول الأعضاء في الاتحاد.
وربما يكون القانون سريعاً وقوياً وضرورياً، إلا أنه ليس خطة متماسكة تقدم «الاستقلال الاستراتيجي»، والذي يعد هدفاً ثميناً بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
والمبدأ الكامن وراء القانون منطقي تماماً، فهو يسد ثغرة تعانيها في قواعد مكافحة الدعم بالاتحاد الأوروبي، عن طريق توسيع النظام ليشمل الدعم المقدم من الحكومات للشركات الأجنبية العاملة في سوق الاتحاد الأوروبي، بحيث يجب على الشركات الإخطار عن المشتريات العامة وأنشطة الاندماج والاستحواذ التي تزيد قيمتها عن قيمة معينة، ما يمكن أن يسفر عن تحقيق في تشوه المنافسة.
الأكثر أهمية من ذلك، على الأقل بالنسبة لمن يجدون مشكلة في سياسة الإعانات الأجنبية، أنه يمكن للمفوضية إطلاق تحقيقات «بمبادرة خاصة» ضد شركات مملوكة لأجانب تمارس أنشطتها التجارية في السوق الموحدة.
فتطلب معلومات مفصلة من الشركات وقد يصل الأمر إلى أن تصدر قراراً يطالب الشركة بسحب استثماراتها. وكانت هذه الأداة على وجه الخصوص هي التي حازت على غالبية الاهتمام، خاصة أنه يمكن استخدامها لتحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف.
ومنذ فترة طويلة، تواجه «نوكتيك» المملوكة للدولة، وتتمتع بالوصول إلى معلومات عن الجمارك، وكان يرأسها سابقاً نجل الرئيس الصيني السابق هو جينتاو، اتهامات بجمع بيانات حساسة سراً، وهي تهمة تنكرها الشركة بقوة.
ولأن سياسة الأمن القومي يتم وضعها عادة على مستوى الدول، فإن استخدام أداة مكافحة الدعم على المستوى الاتحادي لملاحقة الشركة أمر جريء للغاية، يشبه ملاحقة آل كابوني بتهمة التهرب الضريبي بدلاً من الابتزاز.
تتناقض هذه التحقيقات السريعة والمثيرة التي أعلنها بغبطة مفوض الأسواق الداخلية تيري بريتون المؤيد للتدخل بشكل ملحوظ مع «أدوات الدفاع التجاري» البطيئة والتشاورية، خاصة رسوم مكافحة الإغراق والدعم التي تستخدم ضد التجارة العابرة للحدود.
وفي الواقع، إنه من اللافت للنظر كيف أن قانون مكافحة الإغراق يخاطب الشركات والقطاعات التي لا يخاطبها الدفاع التجاري.
فقد أنشأت «نوكتيك» عملياتها في الاتحاد الأوروبي هرباً من رسوم مكافحة الإغراق على واردات معداتها في عام 2009. والشركات تستثمر في الأسواق الخارجية لتجاوز جدر الحماية التجارية في خطوة تعرف باسم «القفز فوق التعريفة الجمركية».
والتكتيك الحكومي المألوف هو أن تتعرض للملاحقة عند ظهور أساليب قفز جديدة. وقد نظرت إدارة التجارة في بدء تحقيق رسمي لمكافحة الإغراق على واردات معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الصينية، إلا أنه تمتنع عن إطلاقه حتى الآن.
وربما ستجد المفوضية الأوروبية نفسها في نزاع مع الدول الأعضاء عما قريب بسبب القانون. قد لا تتفهم الحكومات الراغبة في الحصول على أرخص المعدات خروج مورد يقدم خدماته بتكاليف منخفضة من السوق بسبب أداة لمكافحة الدعم لا تحظى بسيطرة عليها. وينطبق هذا خاصة على التكنولوجيا التي ستساعد على تعزيز التحول الأخضر الذي تحث المفوضية الدول الأعضاء على تحقيقه.
وفي قضية مبكرة نُظِرَت بموجب القانون بشأن المشتريات، كان الأمر يتعلق بمناقصة لشراء قطارات كهربائية من بلغاريا، وانسحبت الشركة المصنعة الصينية «سي آر آر سي» التي قدمت عرضاً بقيمة 610 ملايين يورو بمجرد إعلان إجراء تحقيق، ما أفسح المجال أمام منافستها الإسبانية تالغو التي قدمت عرضاً بضعف السعر.
ومن شأن عدم اليقين التنظيمي أن يثبط الاستثمارات الأجنبية المشروعة وزيادة تكاليف التكنولوجيا الخضراء. وستكون المركبات الكهربائية هي النقطة الفاصلة التي تلوح في الأفق. تضخ شركة السيارات الصينية «بي واي دي» استثمارات بالفعل في المجر، وتعتزم «شيري» بناء مصنع للمركبات الكهربائية في إسبانيا.
سيكون إصدار المفوضية أمراً لـ «بي واي دي» أو «شيري» بسحب الاستثمارات أو رد أي دعم حصلتا عليه من الدولة الصينية تطوراً استفزازياً للغاية، ويحمل في طياته تداعيات خطيرة على الإنتاج وأسعار المركبات الكهربائية والوظائف في أوروبا.
وبينما تستمر الأسلحة التنظيمية في العمل، فقانون الإعانات الأجنبية أشبه ببندقية صيد أكثر منه صاروخاً موجهاً بدقة. ورغم احتمالية استهدافه لتقنيات استراتيجية محددة، مثل طاقة الرياح، لكنه يستهدف كل شركة على حدة وليس القطاع بأسره. ويمكن استخدام القانون دون مراعاة للعلاقات الأوسع بين الاتحاد الأوروبي والصين وكذا ردود الفعل الانتقامية المُحتملة من جانب بكين.
وعلى النقيض، فإن التحقيق الذي تجريه إدارة التجارة لمكافحة دعم واردات المركبات الكهربائية الصينية ينطوي على جهود مضنية في مراعاة وجهات نظر الدول الأعضاء، ومقايضة بين مصالح المصنعين الفرنسيين والألمان ورفاهية المستهلكين بحصولهم على سيارات أرخص.
ولا يعتقد أحد أن قانون الإعانات الأجنبية أداة كافية في حد ذاتها، بما في ذلك المسؤولون عنه. فقد اعترفت مارغريت فيستاغر، مسؤولة شؤون المنافسة في مفوضية الاتحاد الأوروبي، في خطابات ألقتها أخيراً، أن عدد القضايا قيد النظر يتخطى المتوقع.
وأشارت إلى القانون، واصفة إياه بأنه مثل «لعبة ضرب الخلد» أو مطاردة المشكلات. وفي انتظار العملية البطيئة لتنسيق التحركات الدولية بشأن الإعانات، فإن سرعة ونجاعة وتلقائية قانون الإعانات الأجنبية تجعل منه سلاحاً قوياً يتطلب معالجة دقيقة.