تشتد القبضة الأوروبية على كبرى شركات التكنولوجيا. فقد وسّعت بروكسل هذا الأسبوع قائمة الشركات التي تعتبرها «متحكّمة»، وتكون هذه الشركات بذلك عُرضة للخضوع لقواعد أكثر صرامة بموجب قانون الأسواق الرقمية، وقد تمت إضافة موقع «بوكينغ دوت كوم» إلى هذه القائمة.
لكن النقاد يشيرون إلى أن هذا النوع من الإجراءات التنظيمية، يمكن أن ينظر إليه على أنه يبرز ضعف سجل القارة في تفريخ شركات ناشئة ورعايتها، بحيث تصل إلى تحقيق نجاح عالمي.
ومارست شركات التكنولوجيا الأمريكية ضغوطاً كبيرة ضد فرض قواعد تنظيمية أكثر صرامة، وتبدى أن الضغوط كانت تُمارس لأسباب وجيهة. وفي هذا الصدد، يمكنك إلقاء نظرة على التحقيق الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في مارس حول مدى التزام كل من: «أبل» و«غوغل» و«ميتا» بقواعد قانون الأسواق الرقمية.
وعلى سبيل المثال، كلّفت «أمازون» شركة أوكسيرا للاستشارات للخروج بورقة بحثية؛ حيث حذّرت من أن القانون «يخاطر بتثبيط الابتكار بصفة عامة». لكن مثل هذا النوع من الشكاوى يبدو مخادعاً على نحو متزايد، وتسوّي الورقة البحثية الجديدة التي ألّفها آنو برادفورد من كلية الحقوق بجامعة كولومبيا هذا الجدل.
إن القواعد الأكثر أهمية لتحقيق النجاح فيما يتعلق بالابتكار التكنولوجي ليست تنظيمية، حيث تأتي مرونة سياسات الهجرة بألمع المواهب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من مؤسسي الشركات البارزة في الولايات المتحدة ينحدرون من خارجها. أما القواعد العقابية فلا تخمد سوى روح ريادة الأعمال، لذلك، تُعد تكلفة الفشل في الولايات المتحدة أخف وطأة بكثير.
كذلك، تعد أسواق رأس المال جوهرية، ومنابع رأس المال المغامر في الولايات المتحدة لا تتوفر في أوروبا بالطريقة ذاتها. وتنخفض النسبة الإجمالية لتمويل رأس المال المغامر الأوروبي بالنصف إذا قورنت بنسبة رأس المال المغامر الأمريكي عند النظر إلى الشركات التي تدخل المراحل الأخيرة من جولات التمويل الرابعة والخامسة.
ومع ذلك، فتلك الأموال ليست مُقيّدة بالحدود. لننظر إلى كم رؤوس الأموال الأمريكية التي تدفقت إلى شركات التكنولوجيا الصينية قبل عرقلة المؤسسات التنظيمية هذا التحرك. لكن يلعب سخاء الدول دوراً مهماً. لذلك، أطلقت حوافز التصنيع بموجب قانون الرقائق الأمريكية العنان لـ 450 مليار دولار من استثمارات القطاع الخاص.
وقبل ذلك بكثير، حفّزت الموازنات الدفاعية القوية، التي تُنفق في الداخل، بحثاً وتطويراً في القطاع. ولا عجب أن الولايات المتحدة والصين وإسرائيل مواطن مهمة مزدهرة للتكنولوجيا. ولم تعلن أوروبا رغبتها في إنفاق المزيد من موازنتها الدفاعية على المستوى الإقليمي إلا أخيراً.
وتعد الجغرافيا عقبة كبيرة، لكن «غوغل» ومن على شاكلتها تعمل على المستوى العالمي وإن كانت مثل هذه الشركات تمتعت بسوق محلية كبيرة ومتجانسة تبرعمت فيها. ويضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة تنطق بـ 24 لغة مختلفة والكثير من الثقافات، كما أن الأنظمة القضائية والقوانين تزيد من تعقيد الأمور. لذلك، ليس ثمّة سوق موحّدة بعد على سبيل المثال لحقوق الطبع والنشر.
لا ينبغي أن يكون حتى هذا عائقاً منيعاً لا يُقهر. وينطبق الأمر ذاته، وإن كان إلى حد أقل، على الشركات العاملة في جنوب شرق آسيا مثل «غو تو» و«سي»، التي تمتد أعمالها بطول أسواق مختلفة اللغات والثقافات والحدود. وإذا ما نظرنا إلى أوروبا، وأخذنا مثالاً على تطبيق سبوتيفاي للبث الموسيقي، وهي أشهر شركات التكنولوجيا الأوروبية، لوجدنا أنها نشأت في أصغر بلدان التكتل.