الجهود الأحادية لدعم العملة اليابانية باهظة الثمن وربما تكون غير مجدية.
يشبه تدخل اليابان لدعم عملتها إلى حد ما جهود سيزيف. ويشتبه المتداولون في أن وزارة المالية اليابانية قد استخدمت 59 مليار دولار لرفع قيمة الين من أدنى مستوى تاريخي له يوم الأربعاء عند 160 يناً إلى 153 يناً للدولار قبل أسبوعين.
لكن اعتباراً من يوم الأربعاء، عاد الين الياباني للتداول عند نحو 156 يناً للدولار، وقد ينخفض أكثر. ومثلما كانت صخرة سيزيف تتدحرج إلى أسفل التل، كان هبوط الين إلى أدنى مستوياته متوقعاً تماماً.
ويسلط هبوط الين الضوء على عدم جدوى التدخل الأحادي في العملة، فلا تزال العوامل الاقتصادية الأساسية التي عززت الدولار وأدت إلى انخفاض الين قائمة.
ورغم أن قرار بنك اليابان في مارس بإنهاء أسعار الفائدة السلبية لفت الانتباه، إلا سعر الفائدة لم يرفع إلا إلى 0.1 %، وكان البنك متشائماً حيال رفع أسعار الفائدة في المستقبل.
ومع وجود تضخم أقوى من المتوقع يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة الأمريكية عند 5.25 % لفترة أطول، فإن تضخم العوائد الأمريكية يعني أن الدولار سيضغط على الين والعملات الأخرى إلى حين انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية. وهذا يجعل تدخلات الأسعار من جانب واحد غير مجدية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها اليابان في أسواق صرف العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة. ففي أواخر عام 2022، تدخلت وزارة المالية 3 مرات لدعم الين وأنفقت ما مجموعه 58.7 مليار دولار عندما انخفضت العملة إلى أقل من 150 يناً للدولار.
وكان ارتفاع قيمة الين خلال الأشهر التالية مدفوعاً بانخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وليس بسبب الإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية اليابانية.
وميل اليابان أخيراً لأن تكون عملتها أقوى أمر لا يثير الدهشة. ونظراً لاعتماد اقتصادها المتزايد على واردات الطاقة والغذاء، فإن الين القوي يعزز القوة الشرائية لليابان في السوق الدولية، .
كما أنه يدعم مدخرات الأسر، وهو أمر بالغ الأهمية لليابان مع تقدم سكانها في السن واعتماد الأسر بشكل متزايد على مدخراتها.
وقد تنبع الرغبة أيضاً في دعم العملة من المخاوف المستمرة من الفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008، إذ أدى استمرار ضعف الين إلى إخفاء نقاط الضعف الاقتصادية الرئيسية، ما تسبب في ألم كبير عندما تعثر النظام المالي العالمي وارتفع الين بشكل حاد.
وتلعب السياسة دوراً أيضاً، حيث يشعر رئيس الوزراء فوميو كيشيدا وحكومته بالقلق من أن عدم الاستقرار الاقتصادي قد يؤدي إلى تقليص الاستهلاك ويثير قلق العامة.
ومع ذلك، قد يكون التركيز على قوة الين مضللاً: ففي الوقت الحالي، هناك فوائد لوجود عملة أضعف. في اجتماع بنك اليابان في مارس، أشادت لجنة السياسة النقدية بعودة «الدورة التضخمية الحميدة»، حيث بدا أن ارتفاع الأجور من شأنه أن يحفز التضخم بعد عقود من ركود الأسعار، لكن التضخم الياباني تباطأ منذ ذلك الحين.
وكما ذكر في اجتماع السياسة النقدية لبنك اليابان الأسبوع الماضي، يمكن أن يؤدي ضعف الين إلى تحفيز نمو الأسعار بسرعة، ما يسمح لبنك اليابان بتحقيق هدفه التضخمي.
في حين أن تبديد اليابان لـ 59 مليار دولار يظهر أن التدخل الأحادي في العملة غير مثمر على المدى الطويل، فإن فعالية أي تدخل على المدى القصير يتلاءم مع هدفه.
ويحتل الين مكانة فريدة في السوق العالمية، حيث أدت عقوداً من السياسة النقدية شديدة التيسير إلى جعله العملة المفضلة لـ«حمل التجارة»، التي تقمع بدورها قيمة الين.
وبالنظر إلى الاحتياطيات الأجنبية الكبيرة لليابان، يمكن اعتبار التدخل لمرة واحدة بمثابة تحذير عقلاني وغير مكلف من الحكومة اليابانية إلى تجار العملة للحد من مضارباتهم، لكن يجب على اليابان أن تتوقف عند هذا الحد.
وإلى أن تتبدد الأساسيات الكامنة وراء ضعف الين، فإن حرق المزيد من الاحتياطيات لمجرد إرسال المزيد من الإشارات للمتداولين، الذين قد يستغلون بدورهم التدخلات في الأسعار المستقبلية لصالحهم، من المرجح أن يكون كجهود سيزيف.