تعول شركات الذكاء الاصطناعي التي أنفقت مليارات الدولارات، على بناء ما يدعى بالنماذج اللغوية الكبيرة لتشغيل منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، على طريقة جديدة في الوقت الراهن، من أجل تعزيز إيراداتها، وهي تتمثل في نماذج لغوية صغيرة.
وأصدرت كل من «أبل»، و«مايكروسوفت»، و«غوغل» أخيراً نماذج ذكاء اصطناعي تحوي «معاملات» أقل، لكن ستظل تحتوي على إمكانات قوية، وتأتي التحركات في خضم جهود تبذلها مجموعات التكنولوجيا من أجل تبني الشركات للذكاء الاصطناعي، لكن الشركات يساورها القلق حيال التكاليف والقدرات الحاسوبية المطلوبة من أجل تشغيل نماذج لغوية كبيرة وهو نوع التكنولوجيا، الذي تستند إليه أشهر روبوتات الدردشة مثل «تشات جي بي تي»، الذي صنعته «أوبن إيه آي».
وبصفة عامة كلما زاد عدد المعاملات كان أداء برمجية الذكاء الاصطناعي أفضل، وكانت المهام التي ينجزها أكثر تعقيداً ودقة. وأعلنت «أوبن إيه آي» عن نموذج «جي بي تي فور أو»، و«غوغل» عن «جيميني 1.5 برو» منذ أيام، ومن المقدر لهما أن يحتويا على أكثر من تريليون معاملة، فيما تدرّب «ميتا» نسخة تحتوي على 400 مليار معاملة من نموذجها، الذي يدعى «لاما» مفتوح المصدر.
وبجانب الصعوبة التي تواجه مجموعات التكنولوجيا في سبيل إقناع بعض العملاء من المؤسسات بدفع مبالغ كبيرة لازمة من أجل تشغيل منتجات الذكاء الاصطناعي، هناك أيضاً مخاوف بشأن مسؤولية البيانات وحقوق النشر، وهو ما يثبّط بالفعل عملية تبني الذكاء الاصطناعي.
وقد أدى ذلك بمجموعات التكنولوجيا مثل «ميتا»، و«غوغل»، إلى الترويج لنماذج لغوية صغيرة تتمتع ببضع مليارات أقل من المعاملات، باعتبارها بدائل أرخص، كما أنها فعالة من حيث الطاقة المستخدمة. كذلك يمكن تخصيصها وتتطلب قدرات أقل للتدريب عليها وتشغيلها، وبإمكانها أيضاً حماية البيانات الحساسة.
ويرى إريك بويد، نائب رئيس منصة «أزور إيه آي» لدى «مايكروسوفت»، التي تبيع نماذج ذكاء اصطناعي للشركات: «بالتمتع بهذه الجودة العالية وبتكلفة أقل فأنت تفسح المجال في حقيقة الأمر أمام الكثير من التطبيقات للعملاء، وإنجاز أمور لم تكن تأتِ بعائد كاف على الاستثمار يبرر فعل ذلك».
وأصدرت «غوغل»، و«ميتا»، وشركة ميسترال الفرنسية الناشئة، نماذج لغوية صغيرة تتسم بقدرات متقدمة، وبإمكانها التركيز على تطبيقات بعينها.
وقال نيك كليغ، رئيس الشؤون العالمية لدى «ميتا»، إن نموذج «لاما 3» الجديد المزوّد بمعاملات قدرها 8 مليارات مشابه لنموذج «جي بي تي 4»، وقال: «اعتقد أنك سترى أداء متفوقاً وفق كل مقياس تقريباً بإمكانك أن تفكر فيه». وسلطت «مايكروسوفت» الضوء على تفوق نموذج «فاي 3» الصغير، الذي يحتوي على عدد معاملات قدره 7 مليارات على نموذج «جي بي تي 3.5»، وهو إصدار سابق من نموذج شركة «أوبن إيه آي».
ويمكن للنماذج الصغيرة معالجة المهام محلياً على جهاز بدلاً من إرسال المعلومات إلى السحابة، ما قد يروق للعملاء المهتمين بالخصوصية، الراغبين في ضمان بقاء المعلومات الخاصة بهم داخل شبكات داخلية.
وذكرت تشارلوت مارشال، المديرة المساعدة لدى مكتب أدلشو غودارد للمحاماة، الذي يقدم الاستشارات للمصارف: «واحد من التحديات التي اعتقد مواجهة الكثير من عملائنا لها عند تبني منتجات الذكاء الاصطناعي كان الالتزام بالمتطلبات التنظيمية بشأن التعامل مع البيانات ونقلها». وأوضحت أن النماذج الصغيرة تقدم فرصة للشركات للتغلب على المخاوف القانونية والمتعلقة بالتكلفة.
وتسمح النماذج الأصغر أيضاً بتشغيل ميزات الذكاء الاصطناعي على أجهزة مثل الهواتف المحمولة، ويتوفر نموذج «جيميني نانو» الخاص بـ«غوغل» في آخر نسخ هاتف «بيكسل»، وكذلك في آخر نسخة من هاتف «إس 24» الذكي الخاص بشركة «سامسونغ».
وألمحت «أبل» إلى تطويرها هي أيضاً نماذج ذكاء اصطناعي لتزود بها أفضل هواتفها مبيعاً وهو «آيفون». وأصدرت عملاقة وادي السيليكون خلال الشهر الماضي نموذج «أوبن إي إل إم»، وهو نموذج صغير صممته لإنجاز مهام معتمدة على النصوص.
وقال أريك بويد من «مايكروسوفت»، إن النماذج الأصغر ستؤدي إلى «تطبيقات مثيرة للاهتمام، وصولاً إلى الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمول». وصرح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لدى «أوبن إيه آي» في نوفمبر الماضي، بأن الشركة الناشئة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها قدمت نماذج ذكاء اصطناعي مختلفة الأحجام للعملاء تخدم أغراضاً منفصلة، وأنها ستواصل بناء هذه الخيارات وبيعها.
وأسهب: «ستكون هناك أمور تعمل بها النماذج الأصغر بصورة جيدة للغاية»، مضيفاً: «أنا متحمس جداً لذلك». ومع ذلك فقد أشار ألتمان إلى أن تركيز «أوبن إيه آي» سيظل منصباً على بناء نماذج ذكاء اصطناعي أكبر تتمتع بإمكانات أوسع نطاقاً، تشمل القدرة على التفكير والتخطيط وتنفيذ المهام، وكذلك تحقيق مستوى ذكاء مماثل للبشر في نهاية المطاف. وأردف: «هناك أوقات اعتقد فيها بأن الأشخاص يرغبون فقط في أفضل النماذج»، مضيفاً: «اعتقد أن هذا أكثر ما يصبو إليه الناس».