نقص المساكن وتآكل الإسكان الاجتماعي وتضاؤل الدعم الحكومي أفقر عشرات الآلاف

يتصور كثيرون أن المشردين هم غالباً أفراد ينامون في العراء، مدفوعين إلى هذا الوضع بسبب مشاكل ناجمة عن تعاطي المخدرات أو ما شابه.

من هذا المنطلق، قد يعتقد المرء أن الولايات المتحدة ستتصدر أي مقارنة دولية في هذا المجال، لكن هذا الاعتقاد خاطئ، فالشكل الرئيسي للتشرد يتمثل في العيش في أماكن سكنى مؤقتة، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو عدم القدرة على تحمل تكاليف السكن.

ولا تعد الولايات المتحدة حتى قريبة من الأسوأ في هذا التصنيف، إذ تحمل المملكة المتحدة هذا اللقب المخزي، إذ يعيش واحد من كل 200 أسرة في أماكن سكنى مؤقتة خارج نطاق قطاع الإسكان الرسمي.

وثمّة سمة معينة من الإهمال وعدم الاهتمام مرتبطة بالسكن المؤقت، لكنه يمثل أكثر من 80% من حالات التشرد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ويعيش مئات الآلاف في جميع أنحاء العالم المتقدم في هذا العالم الهامشي والهش، لكن سجل بريطانيا في هذا الصدد مروع، فبعد انخفاض لعدة سنوات، تضاعف عدد الأسر التي تعيش في مساكن مؤقتة بإنجلترا بين عامي 2010 و2023 من 48 ألفاً إلى 112 ألفاً، وهو أعلى رقم منذ بدء التسجيل. وأذكر أرقام إنجلترا هنا لأنها تمتلك البيانات الأكثر اكتمالاً من بين الأمم الأربع في المملكة المتحدة، ولكن الأخرى ليست بأفضل حال، إن لم تكن أسوأ.

وغالباً ما تكون الظروف في هذه المباني مروعة؛ مع تفشي الرطوبة والعفن، وكذلك الإصابة بالحشرات وأمراض الحيوانات، ويتسبب اضطراب التنقل من مكان إلى آخر في ترك البالغين للعمل والأطفال للمدرسة.

وخلال السنوات الخمس الماضية وحدها، جرت الإشارة إلى الحالة الخطيرة للمساكن المؤقتة كعامل مساهم في وفاة 55 طفلاً في إنجلترا، كما تفرض هذه الترتيبات تكاليف باهظة على المجالس المحلية، التي أنفقت في العام الماضي قرابة 1.8 مليار جنيه إسترليني على ملاجئ الطوارئ، وهو رقم زاد بأكثر من الضعف بالقيمة الحقيقية على مدى العقد الماضي.

ويعزى هذا السيناريو الشنيع إلى ثلاثة عوامل رئيسية: معدلات بناء المنازل غير الكافية على الإطلاق، وتضاؤل قطاع الإسكان الاجتماعي، وتآكل الدعم المالي لغير القادرين على تحمل الإيجارات السائدة.

وبالنسبة إلى حجم السكان، فإن المملكة المتحدة تبني منازل أقل من الغالبية العظمى من البلدان المتقدمة الأخرى، وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع إيجارات القطاع الخاص بشكل كبير، وتفاقم الوضع سوءاً بسبب انكماش قطاع الإسكان الاجتماعي بنسبة 25% منذ السبعينيات، مما أدى إلى إغلاق صمام بالغ الأهمية ببطء.

إن فقدان المنزل يدفع الناس إلى دوامة من اليأس والحرمان، كما أن عدم القدرة على تحمل الإيجار هو المصدر الأسرع نمواً للتشرد في إنجلترا. ويمكن أن يكون هناك ميل لدى بعض اليساريين إلى تجاهل أهمية الإسكان الجديد بأسعار السوق في معالجة مسألة توفير المساكن بأسعار معقولة، ويرفض البعض في اليمين دور الإسكان المدعوم، فيما هناك حاجة إلى كل منهما.

وهناك إشادة بمدن مثل: فيينا وهلسنكي، باعتبارهما جنة؛ حيث تتوفر القدرة على تحمل التكاليف، مع التركيز على دور الإسكان الاجتماعي، لكن كلاهما تبني أيضاً المزيد من المساكن بأسعار السوق أكثر من لندن.

وبالنسبة للذين يقفون على شفا حافة التشرد، يعتبر الإسكان الاجتماعي حماية أساسية، لكن كما تظهر التطورات الأخيرة في فيينا، إذا فشل العرض الإجمالي في مواكبة الطلب، فإن الضغط المتزايد على الأسعار والإيجارات يجعل الإسكان الاجتماعي أقل جدوى.

وقد تفاقمت هذه المشاكل في المملكة المتحدة؛ بسبب التجميد المتكرر لإعانات الإسكان. ووفقاً لتحليل أجراه معهد الدراسات المالية، انخفضت نسبة المنازل المؤجرة من القطاع الخاص في إنجلترا؛ حيث يتم تغطية الإيجارات من خلال إعانات الإسكان من واحد من كل 6 إلى واحد من كل 20 في غضون 10 سنوات فقط.

وحتى السياسات التي تهدف إلى تخفيف التشرد تتعثر بسبب عدم كفاية المعروض. وفي عام 2020، بدأت إنجلترا تجربة ما يسمى بنهج «الإسكان أولاً»، والذي يُنسب إليه الفضل في نجاح النمسا وفنلندا في الحد من التشرد. ووفقاً لهذا النهج، يتم تزويد الأشخاص الذين يفقدون منازلهم بمسكن دائم جديد على الفور، بدلاً من الانتقال التدريجي من نزل إلى سكن محمي إلى سكن مستقل في نهاية المطاف عندما يثبتون استعدادهم.

وفي الحالات التي كانت فيها إعادة الإسكان ممكنة، كانت النتائج رائعة، لكن تقريراً عن المشروع التجريبي أشار إلى أن الحصول على سكن مناسب وبأسعار معقولة لا يزال يشكل تحدياً كبيراً.

في بعض الأحيان، يمكن أن يبدو خطاب «بناء المزيد من المساكن» وكأنه حكر على المهنيين الشباب وصانعي السياسات، ويبتعد عن التجارب اليومية لأولئك الذين يقفون على شفا الإفلاس.

لا يمكن أن يكون هذا أبعد من الحقيقة، فأزمة التشرد هي في جوهرها أزمة في المعروض من المساكن والقدرة على تحمل تكاليفها، وفي كلتا الحالتين فإن بريطانيا هي الأسوأ حالاً.