تحديات بايدن ومشكلات الاقتصاد أعمق بكثير من مجرد «مشاعر سيئة»

ثمة سؤال مهم يخيم على أجواء الانتخابات الأمريكية وهو؛ لماذا لا ينسب الناخبون بعض الفضل لجو بايدن في تحقيق انتعاش اقتصادي قوي؟

إن كثيراً من المراقبين يرفضون تصوير الأمر باعتباره مجرد «حالة من المشاعر السلبية»، خلقتها وسائل إعلام حزبية ومنفصلة عن الواقع. ورغم أن الحقيقة هي أن الاقتصاد الأمريكي كان ينمو أخيراً بوتيرة سريعة نسبياً، فإن الأشخاص العاديين لا يعيشون على أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية، كما أن فقدان الثقة في النظام أصبح قصة أجيال.

إن 90 % من الأمريكيين الذين ولدوا في الأربعينيات نشأوا فيما كانوا يجنون من المال أكثر مما كان يفعل آباؤهم، لكن هذا الرقم انخفض بشكل مطرد إلى نصف الذين ولدوا عام 1980، واليوم بالكاد يقول أكثر من ثلث البالغين في الولايات المتحدة إنهم أفضل حالاً من آبائهم وأمهاتهم.

ومع ارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية، يتوقع نحو نصف الأمريكيين الاعتماد على المساعدات الحكومية عند التقاعد، لكن معظمهم لا يثقون في قدرة الحكومة على تقديم المزايا الموعودة. ويقول 7 من كل 10 تقريباً إن النظام الاقتصادي والسياسي بحاجة إلى «تغييرات هائلة أو أن يتم هدمه بالكامل».

لقد تولى بايدن منصبه واعداً بأن يكون أكثر الرؤساء إنفاقاً منذ إطلاق «الاتفاق الجديد» وهي مجموعة البرامج الاقتصادية التي أطلقت في الولايات المتحدة بين 1933 و1936، لكنه الآن يدير عجزاً مشابهاً لفترات الكساد وسط تعافي معدلات التوظيف الكامل. وهذا يساعد في تفسير لماذا يبدو النمو الحالي جيداً، لكن تراجع الثقة في الحكومة يتواصل منذ نصف قرن.

وهكذا، فإن الرواية تمتد إلى ما هو أبعد من بايدن والولايات المتحدة، فرغم أنه يمكن القول إن الإنفاق الحكومي الجامح قد زاد المأساة، كما أن متوسط معدل التضخم في عهد بايدن أعلى من أي رئيس منذ جيمي كارتر، لكن السخط العام حول الاقتصاد يتزايد في الدول المتقدمة منذ فترة طويلة.

ولعقود، كان النمو الاقتصادي يتباطأ مع اتساع فجوة التفاوت في الدخل، وتشهد شعبية القادة في الدول الغربية حالياً انخفاضاً قياسياً. وخلال فترة رئاسة دونالد ترامب، كانت معدلات تأييده منخفضة، رغم انخفاض «مؤشر البؤس» إلى مستويات قياسية.

ويلعب الانتماء الحزبي دوراً مهماً، حيث يزداد تشاؤم كلا الحزبين الأمريكيين عندما يتولى رئيس الحزب المعارض السلطة. والجمهوريون، حالياً، هم الأكثر ميلاً للقول إن الاقتصاد يزداد سوءاً. لكن ما يقرب من 6 من كل 10 مستقلين يوافقون على ذلك، وفي استطلاع واحد على الأقل، يعطي الديمقراطيون الاقتصاد الآن تقييمات أقل مما كانوا عليه خلال رئاسة دونالد ترامب. إذن، المشاعر السلبية ليست نتاج حديث لوسائل الإعلام الحزبية الأمريكية.

وبمرور الوقت، يبدو أن السخط العام ينبع من تصور مفاده أن النظام «يتلاعب» بالشخص العادي. ويشير أنصار بايدن إلى مؤشرات فنية تظهر تراجع التفاوت خلال فترة ولايته، لكن من منظور أوسع: في 2022 تجاوزت حصة دخل فئة الـ 1 % الأكثر ثراءً أكثر من 20% من دخل الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ الأربعينيات، وذلك وفقاً لما أوردته قاعدة بيانات عدم المساواة العالمية (التقدمية)، وليس وفقاً لمنتقدي بايدن.

إضافة إلى ذلك، لم تشهد الشركات الأمريكية الكبرى نمواً واضحاً مقارنة ببقية الشركات فحسب، بل أصبحت الشركات وأصحابها أكثر هيمنة. فنمو الثروة بوتيرة أسرع لا يحدث فقط بين شريحة الـ 1%، بل بين كبار رجال الأعمال، وانتماء جميعهم لشركات التكنولوجيا الكبرى لم يكن من باب المصادفة.

ويشير «منحنى غاتسبي العظيم» إلى أن المجتمعات التي تعاني من مستويات تفاوت عالية تميل أيضاً إلى تراجع الحراك الاجتماعي، ما يحرم الرأسمالية من مصدر إلهامها، وهو توفر الفرص.

وأظهر خبير الاقتصاد السياسي بلير فيكس أن ثروة أغنى الأمريكيين حتى العام الماضي كانت 50 ضعفاً متوسط أغنى 400 ملياردير، بعد أن كانت 10 أضعاف في عام 1983. وحتى بين أصحاب المليارات، يؤدي التفاوت إلى حالة من الجمود، حيث أصبح الآن أغنى 50 مليارديراً أكثر احتمالاً بنسبة 49% للحفاظ على مكانتهم في قائمة فوربس من عام لآخر مقارنة بالثمانينيات.

وثمة شعور سائد بأن أمريكا تخضع على نحو متزايد لهيمنة نخبة من الأثرياء الذين يمكنهم تحمل رسوم عضوية تبلغ 250 ألف دولار للمطاعم الخاصة الجديدة وهم الذين يضعون القوانين في واشنطن ويمتلكون حصة الغالبية من الأسهم والسندات والأصول المختلفة، لذلك يزدهرون أكثر عندما تدفع سياسات التيسير النقدي بقيمة تلك الأصول. كما يستفيدون عندما تتدخل الحكومة لإنقاذ الأسواق عند أول بادرة لوجود مشكلة.

تظهر استطلاعات الرأي أيضاً أن غالبية الناس يفضلون الحصول على دخل متواضع على العيش بين جيران أكثر ثراءً، ولكن هذا فعلياً هو الواقع الذي لا يجعل خياراً أمام الأمريكيين الآن سوى العيش في ظلال الثروة والسلطة الهائلين.

سيكون من الظلم إلقاء اللوم على بايدن وحده في التفاوت الذي يتزايد منذ عقود، ولكن من قلة البصيرة أيضاً الإشارة، كما فعل كثيرون، إلى أن التحدي الرئيس له يكمن في الترويج للأخبار الإيجابية بشكل أكبر.

إن عيوب الرأسمالية في شكلها الحالي الملتوي حقيقية، لذلك، فإن تحسين «الرسائل» لن يخفف خيبة الأمل.

الكاتب هو رئيس مؤسسة روكفلر الدولية

 

الأكثر مشاركة