تتحدى شركة ناشئة عمالقة الحوسبة السحابية مثل «أمازون» و«مايكروسوفت»، عبر تحالفها مع «إنفيديا» لتحويل رقائق الذكاء الاصطناعي إلى «فئة أصول جديدة»، وجمع مليارات الدولارات الأمريكية.
يقع مقر شركة «كورويف» في نيوجيرسي، وتأسست في 2017 على أيدي تجار طاقة سابقين كشركة لتعدين العملات المشفرة. وجمعت الشركة 8.6 مليارات دولار من خلال الاستدانة وطرح الأسهم خلال الشهر الماضي، لرفع تقييمها إلى 19 مليار دولار. واستحوذت «إنفيديا» العام الماضي على حصة في «كورويف» بقيمة 100 مليون دولار، ما جعل قيمتها آنذاك تقدر بملياري دولار.
وتسلط القفزة في السعر الضوء على الكيفية التي أصبحت بها «كورويف» مستفيداً بارزاً من الطلب المزدهر على رقائق الذكاء الاصطناعي، التي رفعت تقييم «إنفيديا» إلى 2.8 تريليون دولار، وعززت أسهم شركاء آخرين من صانعي الرقائق، مثل «ديل» و«سوبر مايكرو». وتتطلع الشركة حالياً للاستفادة من رأس المال الذي جمعته في بناء مرافق في أوروبا والمملكة المتحدة.
وتؤجر «كورويف» الوصول لمخزونها الثمين من رقائق «إنفيديا»، داخل مراكز البيانات الخاصة بها، بما في ذلك رقائق «إتش 100» المطلوبة و«بي 200» المرتقبة. وقد صممت منشآتها بحيث تراعي المتطلبات الخاصة للحوسبة عالية الأداء، بدءاً من الشبكات عالية السرعة المتصلة بشرائح الذكاء الاصطناعي، إلى الخوادم المبردة بالسوائل، بحسب مايكل إنتراتور، الرئيس التنفيذي للشركة.
ويراهن المستثمرون في «كورويف»، وكذلك صندوق ماغنيتار كابيتال للتحوط و«بلاك ستون» و«كوتو»، على أن الطلب المتزايد على خدمات الذكاء الاصطناعي المتخصصة سيعيد تشكيل سوق الحوسبة السحابية التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، رغم عشرات المليارات التي تنفقها كبرى شركات التكنولوجيا على مراكز البيانات الخاصة بها.
وقال إنتراتور، الذي وصف «كورويف» بأنها «تسلا» بالنسبة لعمالقة التقنية الذين يشبهون «فورد»: ستختلف الطريقة التي يستخدم بها الجيل التالي السحابة كلياً عن الطريقة التي تم بها استخدام السحابة في بدايتها قبل 20 عاماً.
وقال إنتراتور إن عرض مشروعه على أوائل المقرضين كان «صعباً للغاية»، لأنه كان عليهم أن يصبحوا «خبراء في مجال لا يعرفون عنه شيئاً، إلى درجة أنهم يقرضون مليارات الدولارات ثم يعرضون على لجنة الاستثمار الخاصة بهم اقتراح فئة أصول جديدة»، مثل استخدام وحدات معالجة الرسومات من «إنفيديا» كضمان.
وابتعدت «كورويف» منذ فترة طويلة عن العملات المشفرة بعد طرح «أوبن إيه آي»، المدعومة من «مايكروسوفت»، نموذج «تشات جي بي تي» في نوفمبر 2022، الذي أفسح المجال أمام موجة هائلة من الطلب على حوسبة الذكاء الاصطناعي. واقتنصت الشركة فرصتها، وعززت جهودها سعياً وراء التمويل سريعاً.
وجمعت «كورويف» أكثر من 420 مليون دولار في النصف الأول من 2023 من الأسهم، ثم 2.3 مليار دولار إضافيين في تمويل بالدين بعد بضعة أشهر. وباع بعض المساهمين الحاليين أسهماً بقيمة 642 مليون دولار إلى «فيدليتي» وآخرين في ديسمبر الفائت.
وخلال الشهر الماضي، أبرمت الشركة صفقتين لجمع 7.5 مليارات دولار من الديون إلى جانب 1.1 مليار دولار من الأسهم.
واحتاجت «كورويف» التمويل «لتكون قادرة على التوسع بما يكفي حتى نتمكن من دعم أي شخص يريد المشاركة في طفرة الذكاء الاصطناعي»، بغض النظر عن عدد آلاف الرقائق التي يحتاجون إليها، حسب إنتراتور.
وتتركز أنظار «كورويف» حالياً على التوسع السريع في أوروبا. وكشفت عن خطط لاستثمار 2.2 مليار دولار في بناء ثلاثة مراكز للبيانات بالنرويج، والسويد، وإسبانيا بحلول نهاية العام المقبل. كما أعلنت التزامها أخيراً باستثمار 1.3 مليار دولار في منشأتين داخل المملكة المتحدة، حيث يقع مقرها الأوروبي.
وفي سعيها إلى التوسع السريع في الولايات المتحدة، دخلت «كورويف» في شراكة مع شركة «كور ساينتفيك» لتعدين «البيتكوين»، لإعادة توظيف مراكز بيانات الأخيرة، في استضافة وحدات معالجة الرسوم الخاصة بـ «كورويف». ونشرت «بلومبرغ» أن «كورويف» عرضت شراء «كور ساينتفيك» بالكامل مقابل أكثر من مليار دولار. ولم تعلق الشركتان بعد على التقرير.
ومثل «أمازون ويب سيرفيسز»، و«أزور» الخاصة بـ «مايكروسوفت»، تقدم «كورويف» بديلاً لشراء الشركات لخوادمها الخاصة والحفاظ عليها، ما يتيح وصولاً مرناً للقوى الحاسوبية.
لكن خلافاً لـ «أمازون ويب سيرفيسز» التي تأسست في 2006 وبإمكانها استضافة مجموعة لا حصر لها من التطبيقات والبيانات، تقدم مراكز البيانات الخاصة بـ «كورويف» خدماتها لمجموعة محددة من العملاء ممن لديهم متطلبات حوسبة عالية الأداء، بدءاً من الذكاء الاصطناعي والباحثين في مجال الأدوية إلى مجموعات الوسائط.
ورغم اعتمادها على وحدات المعالجة الرسومية التي تصنعها «إنفيديا» في خدماتها الأساسية، لفت إنتراتور إلى وجود «سوء فهم» حول العلاقة التي تربط «كورويف» بصانعة الرقائق الأعلى قيمة في العالم.
وقال «لا تمنحنا إنفيديا إمكانية الوصول إلى وحدات المعالجة الرسومية لأنها مهتمة بنا أو لأن لدينا وسيلة اتصال بها ملائمة». وقال إنتراتور إن: ميزتنا التنافسية ليست مجرد امتلاك الرقائق الصحيحة، فعلى سبيل المثال، طورت «كورويف» برمجيات تدير مجموعات وحدات المعالجة الرسومية وتحافظ عليها أوتوماتيكياً.
وتجنب إنتراتور الأسئلة حول ما إذا كان المستثمرون المحتملون قلقون من دعم شركة جمعت رأس مالها من «إنفيديا»، فقط لإنفاق جزء كبير من تلك الأموال على منتجات الشركة. ورد أن هذه «رواية سخيفة»، وتابع «استثمرت إنفيديا 100 مليون دولار، لكننا جمعنا 12 مليار دولار من الديون والأسهم. لكنه مبلغ غير ذي أهمية مقارنة بحجم البنية التحتية التي نشتريها».
كما نفت «إنفيديا» حصول الشركات التي تستثمر فيها على وصول تفضيلي لمنتجاتها الجديدة. وذكر محمد صديق، رئيس الذراع الاستثمارية لدى «إنفيديا» لـ «فايننشال تايمز»: «نحن لا نساعد أحداً على تجاوز قائمة الانتظار».
لكن إنتراتور بين أن السماح لـ «إنفيديا» بفحص أعمال «كورويف» والموافقة على الاستثمار فيها «كان أداة قوية بصورة مذهلة» حينما يتعلق الأمر بجمع رأس المال. وقال: «هناك الكثير من التساؤلات التي لا أستطيع الإجابة عنها، لأن الأشخاص الذين يعلمون الكثير عن هذا أكثر من أي شخص يرغبون في استثمار كميات هائلة من رأس المال فيما نفعله».
وتمكن إنتراتور من إقناع المقرضين بمنحه مليارات الدولارات عن طريق الاستفادة من مزيج من أصول الشركة المتمثلة في وحدات معالجة رسومية وقيمة العقود طويلة الأجل الموقعة مع عملاء، فضلاً عن «القدرة المثبتة على التنفيذ».
وسيكون لدى «كورويف» 28 مركزاً للبيانات في ربوع الولايات المتحدة وأوروبا بنهاية 2024، وتعتزم خلق «بصمة عالمية حقيقية» خلال العامين المقبلين. وقال إن «الشركة تواصل توسعها بأسرع ما يمكن».