زيادة بوتيرة التساؤلات الأخلاقية حول تأثيرات التجارب الاقتصادية على البشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكثير من النقاشات الاقتصادية تكون غالباً غير مثيرة لاهتمام الكثيرين، لكن بعضها الآخر يحفز قدراً كبيراً من الاهتمام. وقد نشأ جدال كبير في الفترة الأخيرة حول دراسة جديدة عن أكاديميين مبتدئين يحاولون الانضمام إلى سلك التوظيف في مجال الاقتصاد. كان المشاركون في الدراسة على علم بأنهم جزء من تجربة ما، لكنهم لم يعلموا أن بعضهم سيحصل على قدر أكبر من الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي عبر عدد من «المؤثرين» مقارنة بالآخرين. والمقصود بهم هنا هم المؤثرون الاقتصاديون.

وبكثير من الاستياء، الممزوج ببعض السخرية، علق أحدهم على قسوة السماح «لقرعة باستخدام عملة معدنية بتحديد من سيفوز ومن سيكون محكوماً عليه بالعمل في مجال أكاديمي ممل». والأكثر أهمية من ذلك، هو كيف ينظر خبراء الاقتصاد إلى مسألة أخلاقيات إجراء التجارب على البشر؟

ثمة إجراءات رسمية لوقف البحوث التي تدرس ما إذا كان لكم الأشخاص في وجوههم مؤلماً. ويتعين على الأكاديميين الأمريكيين تقديم دراساتهم التي تنطوي على تجارب على البشر إلى مجالس مراجعة مؤسساتية من أجل إخضاع مثل هذه التجارب إلى مراجعة أخلاقية، لكنهم غالباً ما يكتفون بتقديم بحوثهم إلى مجالس محلية عندما تشمل دراساتهم أناساً في بلدان أخرى. وقد اتسم الأوروبيون بالبطء في تنفيذ إجراءاتهم الخاصة في هذا السياق، لكنهم بصدد اللحاق بالركب.

من المفترض بصفة عامة أن يتفادى الباحثون التسبب بأي أذى عن عمد، ويتحتم عليهم أيضاً الحصول على موافقة مستنيرة من المشاركين، لكن ليس عندما تكون المخاطر عند الحد الأدنى وليس عندما يتسبب إخبار الأشخاص في إفساد النتائج.

وحينما يتعلق الأمر بالبحوث في الدول النامية، سيبدو من غير العادل تخصيص إجراءات مكافحة للفقر بصورة عشوائية بدلاً من منحها لكل من قد يستفيد منها. وعادة ما يكون التبرير الذي يسوقه خبراء الاقتصاد متمثلاً في وجود قيمة في طرح برنامج بالطريقة التي تتيح تقييمه بدقة وتحسين عملية صنع القرار، وذلك عندما تكون الموازنات محدودة ولا تكون التغطية الشاملة ممكنة في البداية على الأقل.

ويمكن لقوة العشوائية أن تطال مجموعة من المخاطر التي يمكن للباحثين تحملها. وقد كتب خبيران اقتصاديان في 2014 أنه رغم وجوب تقليل الباحثين من المخاطر حيثما أمكن ذلك، لكن «كلما زادت إمكانية إجابة المشروع البحثي عن سؤال بطريقة غير متحيزة وكلما كان السؤال أكثر أهمية في مسألة إعادة صياغة سياسة أكثر فعالية، كلما زادت المخاطر التي سيكون من المقبول تحملها».

وقد شهدت الأعوام الخمسة الماضية زيادة في مناقشة الأخلاقيات في سياق البحوث الاقتصادية، ويؤول الأمر جزئياً إلى ردود فعل على دراسة مثيرة للجدل نشرت في 2020. وتعلقت هذه الدراسة بما إن كان قطع إمدادات المياه عن بعض قاطني الأحياء الفقيرة سيزيد من فواتير المياه المدفوعة في الوقت المحدد، وقد أثبتت الدراسة بالفعل صحة ذلك.

واقترحت مجموعة من الأكاديميين في وقت لاحق وجوب أن تكون الأوراق البحثية مزودة بـ «تذييلات أخلاقية»، تحدد بمزيد من التفاصيل كيفية تعامل المؤلفين مع المواضيع الشائكة. وقد يشمل ذلك مناقشة لدور الباحثين في تصميم وتنفيذ سياسة تخضع للتقييم لإيضاح مكامن المسؤوليات الأخلاقية.

يمكن للأمر أيضاً تغطية أي ثغرات في عمليات مجالس المراجعة المؤسساتية، مثل تداعيات التدخل على غير المشاركين في الدراسة. وماذا لو أدى تدخل الأموال إلى رفع المشاركين للأسعار، مما سيضر بالآخرين؟ وفي حين أن التذييلات الأخلاقية ليست القاعدة المعمول بها بعد، لكن ذلك يدفع بعض الممولين إلى تقديم المزيد من المعلومات والتوضيحات. وقالت سارة كوبر، المديرة المساعدة للبحوث لدى معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، إن المتقدمين للحصول على تمويل من المؤسسة يتعين عليهم حالياً توضيح المخاطر التي قد يتعرض لها السكان بصفة عامة، وكذلك طاقم البحث.

وبالعودة إلى دراسة الوظيفة في مجال الاقتصاد، ذكر دوغلاس ماكاي، الأستاذ المساعد لدى جامعة كارولاينا الشمالية، أن الدراسة أثارت تساؤلات أخلاقية مثيرة للاهتمام. هل يحمل التدخل في سوق العمل في طياته، «مخاطر» حقاً بالنسبة للمشاركين؟ وإذا ما كان سباقاً ذا محصلة صفرية، فإن منح بعض المرشحين لشغل الوظيفة الميزة سيعني سحق أحلام الآخرين. وإذا ما كان الخطر يفوق الحد الأدنى، فسيكون غياب الموافقة المستنيرة التامة من المشاركين مثيراً للريبة.

وقال ألفين روث، أحد مؤلفي الدراسة: «لا أستطيع تصور نظر خبراء الاقتصاد إلى السوق باعتبارها محصلة صفرية». ربما من شأن منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن ينبه شخصاً ما إلى مرشح رائع إلى درجة إمكانية إقناع جامعته بإتاحة منصب إضافي له. وأشار روث إلى مشاركة الكثير من الأشخاص للأوراق البحثية على وسائل التواصل الاجتماعي، فأضاف: «يبدو لي أن الأمور التي لا تعد غير الأخلاقية يجب وألا تكون دراستها غير أخلاقية لمعرفة تأثيرها».

ورغم أننا قد نود النظر إلى علم الاقتصاد باعتباره قائماً على الجدارة، لكن من المحتمل ترويج المؤثرين لأعمال أصدقائهم أو طلابهم إذا تركناهم وشأنهم. ويدعي المؤلفون أن العشوائية التي تبنوها أدت إلى تخصيص الانتباه «على نحو أكثر إنصافاً». ولا عجب من أهمية الحقائق المضادة بالنسبة لأخلاقيات الموضوع قيد الدراسة، بالنظر إلى أن علم الاقتصاد ينطوي على تفكير دقيق حيال الحقائق المضادة.

كلمات دالة:
  • FT
Email