تواصل معي قارئ حول خلاف بسيط، فقد كتبت منذ فترة عن الطفرة في عدد المطاعم الحائزة على نجوم ميشلان التي تقدم مأكولات، كانت أقل شهرة في السابق، من الهند والصين ونيجيريا. وكنت ربطت ذلك بالسردية التي تقول بتحول السلطة والهيبة بعيداً عن الغرب وحلفائه، الذين اعتادت مطابخهم احتكار دليل ميشلان، تماماً مثلما كانت اقتصاداتهم تهيمن على الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

لقد أقر القارئ المطلع بحقيقة هذا الاتجاه بالنسبة لنجوم ميشلان، لكنه يقتصر على لندن، أما بالنسبة للمدن الأخرى، حتى تلك المعروفة بانفتاحها عموماً، فتظل القبضة الأوروبية اليابانية مهيمنة على أرقى المطاعم الفاخرة من دون منازع.

يمكنني هنا الرد على هذه الإشكالية، لكن ذلك لن يكون مثمراً. وبدلاً من ذلك، أثار هذا البريد الإلكتروني فكرة أعمق: لماذا لا تستطيع سوى حفنة من المدن القول إنها تحظى بكل شيء، في ظل عالم يواصل التضخم والاتساع؟

لقد تضاعف عدد سكان العالم خلال الـ50 سنة الماضية ليصل الآن إلى 8 مليارات نسمة. كما ينتج الجنس البشري حالياً ما قيمته أكثر من 100 تريليون دولار من الناتج سنوياً بالأسعار الحالية، وتتدفق هذه المنتجات بسهولة لم نعهدها من قبل. وبفضل حاويات الشحن والجولات المتعاقبة من خفض التعريفات الجمركية، وتحول الدول الشيوعية السابقة إلى دول مصدرة غزيرة الإنتاج، أصبح بالإمكان نقل أي شيء تقريباً إلى أي مكان، وكذلك الناس، رغم تزايد الخلافات؛ حيث يشكل المهاجرون نسبة أكبر كثيراً من سكان العالم مقارنة بعام 1960.

ونظراً لهذه العوامل، من الطبيعي والمنطقي أن يتواجد عدد ضخم مما أسميه «المدن الشاملة»، وهي المدن التي يمكن للمرء أن يجد فيها أي شيء تقريباً: مأكولات متنوعة بأسعار منخفضة ومتوسطة وباهظة، وأشكال فنون مختلفة، سواء معروضة أو نُفذت وفقاً لمعايير عالمية، ولغات يتم تداولها داخل مجتمعات كبيرة بدلاً من اقتصارها على أسر مشتتة.

في عالم يبلغ تعداده 8 مليارات نسمة، يجب أن يكون هناك العديد من المدن التي يتفق القراء على أنها شاملة. وبدلاً من ذلك، هل يتطلب الأمر أكثر من يد واحدة لعدّهم؟ وهل سنتجاوز السبابة قبل أن تنشأ الخلافات بيننا؟ وبمجرد ذكر مدن أخرى غير لندن ونيويورك، تنشأ الخلافات؛ فهل نضم باريس؟ أودّ إدراجها، لكن قد يختلف آخرون معي. ماذا عن طوكيو؟ تفتقر إلى التنوع بالنسبة للبعض. كذلك تواجه كل من لوس أنجلوس، وهونغ كونغ، ومومباي، وسيدني، وبانكوك، وتورنتو، آراء مخالفة. لكن هل زاد عدد المدن التي تستوفي المعايير منذ أن كان سكان العالم 4 مليارات نسمة؟

الآن، هذه بعض التوضيحات، ولا أعني بوصف «شاملة» كونها «الأفضل»، حيث يمكن القول إن هيوستن، مع وفرة وتنوع المهاجرين وازدهار الفنون، أكثر شمولاً من معظم العواصم الأوروبية. ومع ذلك، ربما لا يزال بإمكانك تفضيل روما. ولا تعني «الشاملة» الجودة بالضرورة، فالشخص العادي لا يتحول إلى شخص متذمر يعاني من رهاب الأماكن المغلقة، كما أفعل أنا، عندما يحرم من الحصول على كل شيء على الفور أو من الضجيج المحيط الناتج عن الحديث باللغات الأجنبية. فكما توضح نتائج الانتخابات المختلفة على مدار العقد الماضي، فإن رغبة المرء في أن يكون العالم على عتبة بابه ليست اتجاهاً عاماً.

وهكذا، من الغريب أنه على الرغم من نمو العالم باستمرار، تظل قائمة المدن العالمية المتفق عليها متسقة إلى حد ما. وصحيح، بعض الأشياء، مثل الاطلاع على الفنون البصرية، محدودة بطبيعتها، فلا يمكن للوحة في متحف متروبوليتان أن تكون في الوقت نفسه في متحف سان باولو، لكن أغلب الأشياء التي تجعل الحياة الحضرية رائعة، هي، على حد تعبير خبراء الاقتصاد، غير قابلة للمنافسة.

وهذا يتركنا أمام لغز، ففي النهاية، تعتمد المدينة الشاملة على 3 أشياء: عدد كبير من السكان (أقرب إلى 10 ملايين نسمة من 5 ملايين على ما أظن)، الانفتاح (قرابة ثلث السكان مولودون في الخارج)، والثراء الكافي لدعم جميع وسائل الراحة. ويترتب على ذلك أن العالم الذي شهد نمواً سكانياً حاداً، وهجرة جماعية، وثراء مطرداً طوال حياتي، كان يجب أن ينتج ربما قرابة 12 مدينة أو أكثر بلا منازع. بدلاً من ذلك، ينهار توافق الآراء بعد واحدة أو اثنتين. ونظراً لانعكاسات العولمة الحالية، فمن الممكن ألا يعيش أي شخص يقرأ هذا ليشهد ظهور مدينة شاملة أخرى.