كنت مهتمة للغاية لفترة ما بربطات عنق ماريو دراغي، الإيطالي الذي شغل منصب رئيس المركزي الأوروبي، كان كثيرون يمضون وقتاً طويلاً على الإنترنت، بمن فيهم أنا، ومعي عدد ليس بالقليل من المصرفيين ومديري الصناديق، المُفترض أن يكونوا مشغولين دائماً، وقتاً ليس باليسير على منصة «إكس»، في تخمين لون ربطة العنق التي سيرتديها دراغي في مؤتمره الصحافي الذي سيعقب قرار السياسة النقدية، والرمزية التي قد يحملها اللون. وقد بدت ربطة العنق الزرقاء حاضرة في الكثير من اللحظات المهمة.
أما خليفته، كريستين لاغارد، فقد شغلت الإنترنت بصورة مبتكرة منذ أيام. ففي معرض تفسيرها قرار المركزي الأوروبي التاريخي بخفض أسعار الفائدة، بما يخالف اتجاه الولايات المتحدة، ارتدت لاغارد قلادة مكتوب عليها «أنا المسيطرة». أقر بأنني معجبة بأزيائها، ولذا، سأولي اهتماماً أكبر بقلادتها من الآن وصاعداً.
مع ذلك، لم يكن المركزي الأوروبي جديراً بالمراقبة والاهتمام، مثلما كانت شركة «إنفيديا»، فقد حظيت صانعة الرقائق الأمريكية بتأثير مهيمن على الأسواق العالمية خلال الأشهر الأخيرة، وحققت إنجازات بالغة الأهمية مؤخراً. فقد قفزت القيمة السوقية للشركة فوق مستوى 3 تريليونات دولار، ما جعلها أكبر من «أبل»، وفاقت «جيه بي مورغان» و«بيركشاير هاثاواي» و«ميتا» مجتمعين. وتساوي قيمة الشركة كامل الأسهم المُدرجة في مؤشر كاك 40 الفرنسي، بالإضافة إلى غالبية الأسهم المُدرجة في مؤشر داكس الألماني. كم هي عملاقة بالفعل.
إن مجموعة «السبع الرائعة»، تبدو وكأنها المُختارة. فقد حقق الكثير من هذه الشركات بداية رائعة لهذا العام، باستثناء «تسلا»، حيث حلّقت أسهم «ميتا» 43 % على سبيل المثال، وارتفعت «ألفابيت» 27 %، فيما فقدت شركة المركبات الكهربائية التابعة لإيلون ماسك 28 %، ما قد يستدعي شكلاً من أشكال خفض المرتبة. ومع ذلك، فقد قفزت «إنفيديا» بأكثر من 147 % هذا العام.
وعموماً، تتخلل الملحوظات اليومية لأبحاث الوسطاء، إشارات مستمرة إلى سهم بعينه، وسواء ارتفع أو تراجع أو شهد تداولات عرضية، فهو يؤثّر في الأسواق العالمية. ويُعزى الأمر جزئياً إلى تحقيق السهم للربح، مهما كانت الظروف. فهل ترغب في سهم ينطوي على مخاطرة، ويمكّنك من الاستفادة من زخم السوق، لأنك لن تعيش إلا مرة واحدة؟ «إنفيديا» مناسب لك. هل تتطلع إلى سهم تلوذ إليه إذا ما ساءت الأمور؟ اسمح لي أن أقدم لك «إنفيديا». ماذا عن سهم يقع في المنطقة الوسط، يتسم بكونه عالي الجودة، ويدر إيرادات مهولة؟ لكم أنا مسرورة أنك أتيت على ذكر الأمر.
يرى بول كوينسي الرئيس العالمي للأسهم لدى «جيه بي مورغان أسيت مانجمنت»، أن أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، و«إنفيديا» من بينها بالطبع، «تُكافأ لكونها بعضاً من أكثر الشركات نجاحاً على مر التاريخ، وتحظى بتدفقات نقدية هائلة»، وتابع: «إن ربحية هذه الشركات استثنائية».
ويبدو أن استمرار ارتفاع أسهم «إنفيديا» بهذه السرعة غير القابلة للتصديق، فقد تبلغ قيمة الشركة 6 تريليونات دولار بحلول نهاية العام. ويذكرنا هذا بقصة صعود أسهم «سيسكو»، التي لم تحظَ بنهاية سارة خلال حقبة «دوت كوم».
ومن المُرجح أن يأتي الدعم غير المُتوقع من المستثمرين المحترفين، وليس فقط من هؤلاء المتلهفين وراء الزخم والمضاربين. إذ كم عدد المستثمرين المحترفين الذين سيرغبون في تكبّد المخاطرة المهنية بتفويت أرباح «إنفيديا»، وهي تشكّل أكثر من 6 % من مؤشر «إس آند بي 500»؟، وبالنسبة لبعض المستثمرين، فإن نسبة المخاطرة إلى العائد لبعض أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، قد تكون أفضل مما تبدو عليه في عالم لا تتوفر فيه أصول الملاذ الآمن بكثرة.
سلّطت شركة كارمينياك الفرنسية لإدارة الأصول، الضوء على هذا الأمر، في عرض تقديمي منذ أيام. وقالت الشركة إن السندات الحكومية لم تعد مناسبة كملاذ آمن، في سياق موازنة المحافظ الاستثمارية المتنوعة، التي تميل إلى المخاطرة بصفة عامة. فقد تغيرت طبيعة التضخم، العدو اللدود للسندات، فصارت غير مرنة، بعدما كانت مدفوعة في الأساس بالطلب.
تشمل الأسباب وراء ذلك، العوامل الجيوسياسية غير المواتية، والحاجة إلى إنفاق الحكومات والشركات حول العالم مبالغ طائلة على الدفاع. وذكر رافاييل غالاردو كبير خبراء الاقتصاد لدى «كارمينياك»، أن هذه الحقبة الجديدة «تغير الطريقة التي نستثمر بها».
وأوضح: «قضينا السواد الأعظم من مشوارنا العملي، مع واقع يقول إن السندات أصل منخفض المخاطر»، وتابع: «نحن الآن بحاجة إلى مراجعة تقييمنا للمخاطر كلياً. وتُعد الأصول التي اعتدنا اعتبارها عالية المخاطر أدواتنا للتحوط».
وتتحاشى «كارمينياك» السندات الحكومية طويلة الأجل، التي تتراوح آجال استحقاقها بين 10 و30 عاماً، فهي شديدة الحساسية للتغيرات التي تطرأ على التضخم وأسعار الفائدة، وتميل إلى الديون قصيرة الأجل بدلاً من ذلك، إلى جانب الانكشاف على الأسهم. ويعني هذا الانكشاف على قدر من الأسهم التي تشهد أداءً جيداً حينما يرتفع التضخم، خاصة الأسهم ذات الصلة بالسلع، وتقابلها أصول منخفضة المخاطر، من أجل موازنة المحافظ، وتشمل أسهم شركات التكنولوجيا التي تضم «إنفيديا» بالطبع.
وشأنها شأن أي شيء في السوق، قد تتدهور الأمور وتنقلب رأساً على عقب. وبالنسبة للذكاء الاصطناعي، القوة الدافعة وراء الطلب على رقاقات «إنفيديا»، فما زال بإمكانه الإفراط في الوعود، وعدم تحقيق المُبتغى. وقد تشهد السوق تداعيات للتعريفات الجمركية أو القواعد التنظيمية، أو أي مصدر غير مُتوقع للمنافسة. الجميع يعلمون ذلك. وحتى حينها، ربما يود جنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لدى «إنفيديا»، ارتداء قلادة مكتوب عليها «أنا المسيطر».