فهم البنية الحقيقية لسلاسل التوريد قد يسهم في جعل نهج «الصداقات التجارية» حقيقة ملموسة
كثر الحديث عن «الصداقات التجارية» منذ أن طرحت وزيرة الخزانة جانيت يلين هذا المصطلح للمرة الأولى في عام 2022. ويمثل هذا المفهوم أحد أبرز الاختلافات الرئيسية بين نهج إدارة جو بايدن ونهج دونالد ترامب فيما يتعلق بالتجارة وسلاسل التوريد. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تفتقر لفهم واضح ومفصل لقدراتها في القطاعات الصناعية الحيوية، ناهيك عن قدرات أصدقائها.
هذا الوضع يبدو أنه بدأ يتغير، فقد أطلقت وزارة التجارة مركز سلاسل التوريد للتعاون مع شركاء من القطاع الخاص في تحديد مواقع سلاسل التوريد. وحالياً، تختبر الوزارة بهدوء أداة لتقييم سلاسل التوريد تقوم بتحليل البيانات التجارية والجمركية من أمريكا والعديد من حلفائها لتكوين صورة شاملة عن الأماكن التي تكمن فيها المخاطر والفرص.
الهدف هو معرفة مدى قوة سلاسل التوريد في مختلف القطاعات بهذه البلدان، خاصة فيما يتعلق بأشباه الموصلات والمعادن الحيوية والإلكترونيات الاستهلاكية، وما إلى ذلك، إلى جانب البحث في مدى سرعة استبدال المدخلات الأساسية من الحلفاء في حالة نشوب حرب أو جائحة أو كارثة طبيعية وإلى أي مدى يكون هناك اعتماد على الواردات من دولة واحدة، مثل الصين أو روسيا.
ويقول غرانت هاريس، مساعد وزير التجارة للصناعة والتحليل، الذي أنشأ المركز الجديد: «أردنا إنشاء إطار تشغيلي مشترك ووضع مجموعة مشتركة من الحقائق عند مناقشة سلاسل التوريد مع الحلفاء الأوروبيين، أو الدول التي تشكل جزءاً من الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ». وأضاف: «غالباً ما كانت نقطة الانطلاق لهذه المناقشات هي: يجب علينا جميعاً فعل المزيد لكن الأمور توقفت بسبب عدم توفر البيانات اللازمة لإجراء محادثات أكثر تفصيلاً».
يبدو هذا بديهياً، لكن باعتباري مهتمة بصفة شخصية بسلاسل التوريد، فإن هذا هو الجهد الحكومي الأمريكي هو الأكثر تفصيلاً الذي رأيته على الإطلاق، لتحديد نقاط الاختناق العالمية عبر مجموعة واسعة من القطاعات التجارية. (ويجب أن أنوه بأن وزارتي الدفاع والطاقة لديهما جهود خاصة تركز على مجالات اهتماماتهما المحددة). ووفقاً لمحادثات أجريتها مع العديد من خبراء سلاسل التوريد، لا توجد دولة أخرى، باستثناء الصين، تبذل جهوداً مضنية فيما يتعلق بمثل هذه الخرائط عبر الحدود.
وأشار تقرير البيت الأبيض الذي صدر بعد 100 يوم حول سلاسل التوريد إلى مجالات الضعف العامة في الولايات المتحدة، مثل الرقائق والمعادن الحيوية والأدوية. وقد ركزت معظم التشريعات اللاحقة للإدارة، وأبرزها قانون الرقائق والعلوم، على تخفيف هذه المخاطر لكن هذا يختلف عن تحديد نقاط الضعف المحددة بعدة طبقات في سلسلة التوريد.
هناك أداة للتجارة جربتها الأسبوع الماضي، يمكنها أن تُظهر للمستخدم بسرعة أنه، على سبيل المثال، في حين أن دول إطار الشراكة الاقتصادية من أجل الازدهار (IPEF) ككل قد يكون لديها حصة سوقية آمنة تبلغ 33 % من مكون إلكتروني مهم، إلا أن الواقع هو أن غالبية هذه الحصة تأتي من دولة واحدة تستورد معظم مدخلاتها من الصين.
وبطبيعة الحال، هناك حدود لما يمكن رؤيته في الوقت الحقيقي باستخدام فئات واسعة من البيانات التجارية، والتي لم يتم تحديث بعضها لعقود من الزمن. ويقول مسؤولو التجارة وخبراء سلسلة التوريد أيضاً إنه من المستحيل إنشاء خريطة كاملة بزاوية 360 درجة، حتى في القطاعات الأكثر أهمية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشركات ليست مطالبة حتى الآن بتسليم معلومات الملكية، مثل فواتير المواد التي تظهر جميع مدخلات المنتج.
ويقول ويلي شيه، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، والذي يدرس سلاسل التوريد العالمية منذ عقود: «إذا دخلت إلى هوم ديبوت وسألت عن نسبة جميع السلع الواردة من الصين، فإن الإجابة هي الكثير.. من كان يعلم أن مسامير الأسقف المستخدمة في مسدسات المسامير يأتي أغلبها من موردين على مشارف بكين؟».
ورغم أن المسؤولين الأمريكيين أقل قلقاً بشأن مسامير الأسقف مقارنة بالفولاذ الكهربائي أو البنية التحتية لشبكات النطاق العريض، إلا أن الفكرة الكامنة وراء الأداة الجديدة هي البدء في تحديد نقاط المخاطر الرئيسة، بحيث تصبح المناقشات مع الشركاء التجاريين أكثر استراتيجية وفعالية. على سبيل المثال، هل يمكن استبدال الكمية الكبيرة من خام الأنتيمون (اللازم لسبائك البطاريات) التي تلبي الطلب العالمي من خلال الإمدادات الأسترالية؟ وهل يمكن توفير المزيد من مكونات الكمبيوتر المحمول من هولندا؟
إن ويلي شيه وآخرين، مثل كريستوفر غوبال، خبير سلاسل التوريد في مجلس أعمال الدفاع التابع لوزارة الدفاع، يدرك قيمة رسم خرائط المخاطر. إلا أنهم يؤكدون أن مؤشرات الطلب الحقيقي ستكون ضرورية في نهاية المطاف لإحداث تحولات طويلة الأجل ومستدامة من الناحية الاقتصادية في سلاسل التوريد العالمية، فمعرفة مصدر الإمدادات شيء، وجعل إنتاج السلع مجدياً من الناحية الاقتصادية في الدول الغنية شيء آخر.
وهنا يمكن أن تفيد «الصداقات التجارية»، حيث يمكن للمرء أن يتصور، على سبيل المثال، شراكة تتعلق بالمركبات الكهربائية أو التقنيات النظيفة، والتي تتضمن استغلال المعادن الحيوية في أستراليا، والاستفادة من قدرات الإنتاج اليابانية، وتسخير قوة السوق الاستهلاكية الأمريكية لتطوير منتج مجدٍ قادر على المنافسة في السوق العالمية.
ومع توفير المزيد من المعلومات حيال مكان إنتاج السلع عالمياً وكيف يتم إنتاجها، قد يصبح من الممكن إجراء مناقشات ذات نزعة قومية أقل وتتسم بمزيد من التعاون حول كيفية خلق مرونة في سلاسل التوريد العالمية. ويحظى هذا الهدف بدعم الحزبين في الولايات المتحدة، حيث أقر مجلس النواب بالإجماع قانون تعزيز مرونة سلاسل التوريد قبل بضعة أسابيع، وهو القانون الذي يهدف إلى تنظيم عملية تحديد المخاطر. ويبدو أن القضاء على نقاط الاختناق هو هدف يمكننا جميعاً الاتفاق عليه.