البنوك بحاجة إلى فهم أكثر دقة للمخاطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

التقدم التكنولوجي يعني أن المؤسسات يمكنها بل يجب عليها تكوين فهم كامل حيال الجوانب التي قد تواجه مشكلات التدفق النقدي

تعمل البنوك في مجال إدارة المخاطر، وللقيام بدورها يتعين عليها أن تمتلك أوفى صورة ممكنة عن العثرات المحتملة في عملياتها.

إلا أن إليزابيث ماكول، عضوة المجلس الإشرافي للبنك المركزي الأوروبي، سلطت الضوء في تصريحاتها الأخيرة، على نقاط ضعف البنوك في تجميع البيانات والإبلاغ عن المخاطر، موضحة أن العديد من البنوك لم تولِ اهتماماً كافياً لهذا الموضوع.

ويشير هذا إلى مشكلة أوسع تحتاج الجهات التنظيمية والإدارات والمستثمرين إلى معالجتها، وتتطلب اللوائح المصرفية الحالية في جميع أنحاء العالم جمع البيانات دون تفاصيل كافية.

وتوفر البيانات التي يتم جمعها وإبلاغها إلى المنظمين حالياً، لمحة سريعة عن «نقطة زمنية محددة»، وهذا لا يسمح بإجراء تقييم شامل وواف للمخاطر الفعلية، حتى في مجملها بسبب افتقار البيانات إلى الاستمرارية والتفاصيل الكافية.

ونظراً لتعقيد البيئة التنظيمية، تدير العديد من البنوك سيولتها وحساباتها الأخرى وفقاً للمتطلبات التنظيمية، لا أكثر، وتدرك الجهات التنظيمية هذه الحقيقة وتصر على توفير رأس مال إضافي للتعويض.

بعد ذلك، تخفض السوق قيمة البنوك لأن من الممكن بوضوح إغفال مشكلات السيولة والمخاطر الأخرى، كما يتضح في حالة بنك سيليكون فالي، وبنك كريدي سويس. وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل القيمة السوقية لأغلب البنوك الأوروبية تعادل قيمتها الدفترية أو أقل أو بالكاد أعلى منها، في حين أن قيمتها السوقية في الولايات المتحدة لا تتجاوزها إلا قليلاً، مع بعض الاستثناءات البارزة.

ونشأت هذه اللوائح الحالية من الأزمة المالية العالمية لعام 2008، عندما فرضت الجهات التنظيمية حول العالم زيادات كبيرة في رأس المال القادر على استيعاب المخاطر وتحسين إدارة السيولة، وتم تصميم أغلب الأنظمة المصرفية لمعالجة المخاطر الناجمة عن الوظائف المصرفية الأساسية، بما في ذلك ما يسمى «تحويل الاستحقاق».

وتقترض البنوك على أساس قصير الأجل، غالباً من خلال الودائع، وتقدم قروضاً بمبالغ ضخمة لفترات أطول، وهذا يعرضها لاحتمال تسريع الاقتراض أو إيجاد أموال بطريقة أخرى للوفاء بالتزامات السداد.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي مراكز التداول وطلبات الضمان على المشتقات المالية إلى طلب مفاجئ على النقد. وهناك احتمال حدوث تعثر في سداد أصول البنوك، مثل القروض. وفي حالات متطرفة، يمكن أن تقع البنوك ضحية لـ «الهلع»، حيث يطالب أعداد كبيرة من المودعين على المدى القصير وغيرهم بأموالهم دفعة واحدة. وتفاقمت هذه المشكلة مع قدرة المودعين على إدارة شؤونهم المالية بسرعة عبر هواتفهم الذكية.

وفي الوقت الراهن، يسمح التقدم في علم البيانات بجمع وفحص البيانات بشكل تفصيلي، ما يمكن البنوك من بناء رؤية أكثر شمولاً ولحظية للتدفقات النقدية الفردية عبر سجلاتها. ويتيح هذا التقدم للبنوك القدرة على استكمال قواعد بياناتها التقليدية، التي تستخدم روابط محددة مسبقاً بين البيانات، وتتطلب تعديلات يدوية، والتي قد تكون بطيئة.

وبدأت حفنة من البنوك في جمع وتقييم معلومات أوفى بشكل مركزي، جزئياً على الأقل. ومن خلال هذه البيانات المفصلة، يمكن للبنوك مطابقة التدفقات الداخلة والخارجة المحددة عبر قروضها ومشتقاتها وغيرها من الدفاتر، وإجراء تقييم «التدفق النقدي المعرض للخطر»، مقابل طلبات السداد المحتملة أو التعثر أو أحداث السوق. الأهم من ذلك، أن هذا يمكن أن يغطي كل النفقات الصادرة، بما في ذلك أقساط الفوائد على القروض، والتي لا يتم تقييم مخاطرها من خلال معايير الجهات التنظيمية الحالية.

إن معرفة من أين ستأتي الأموال إذا كان الدفع مستحقاً خلال 3 ساعات، أو من أين يمكن توفير تمويل عاجل إذا لم تتوفر الموارد المخصصة لتغطية المدفوعات المستقبلية، يمثل إدارة سليمة للمخاطر، وفي حالة إثراء هذه البيانات بمعلومات تجارية وقانونية، مثل حقوق البنوك في مواقف معينة، فمن الممكن تحديد كيفية ضمان توفر النقد اللازم عند الحاجة. ومن شأن تحسين المنهجيات سهولة تقييم ما إذا كانت التعويضات التعاقدية أو غيرها غير مستغلة بالقدر الكافي، وما إذا كان ينبغي إبرام عقود جديدة.

وفي حالة تباطؤ المشرعين والجهات التنظيمية العالمية في الاستجابة، يمكن للبنوك تحسين جودة بياناتها على الفور. وسيوفر هذا رؤية أوضح للمخاطر. وعند شرح ذلك للجهات التنظيمية والمستثمرين، سيعزز ذلك الثقة، ما يؤدي إلى انخفاض متطلبات رأس المال وارتفاع التقييمات.

ويشكل تنفيذ هذه التغييرات خطوة مهمة، وسيتم استرداد التكاليف مرات عدة من خلال تعزيز الكفاءة وتحسين توقع المخاطر. وستكون البنوك قادرة على أداء دورها المركزي بثقة من جديد، في حين ستستفيد الجهات التنظيمية بدرجة كبيرة، حيث يمكنها العمل مع رؤية شاملة للمخاطر على غرار مراقبي الحركة الجوية.

كلمات دالة:
  • FT
Email