الاحتياطي الأمريكي يرفض الاحتفال بتراجع التضخم ويفضل الحذر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أبدت الأسهم الأمريكية أخيراً ترحيباً حذراً بتقرير التضخم المشجع للغاية، وربما كانت هذه الاستجابة الحذرة ناجمة عن اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المتشدد إلى حد ما، أو ربما يعود إلى أن الكثير من الأخبار الإيجابية قد تم تضمينها بالفعل في الأسعار الحالية.

وباستخدام المقياس المفضل (التغير الشهري على أساس سنوي)، انخفض التضخم الأساسي لمؤشر أسعار المستهلكين إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% في شهر مايو، وهذا إنجاز يستحق الاحتفال بالفعل، رغم أن المتوسطات لفترة 3 و6 أشهر لم تصل بعد إلى هذا المستوى، وكذلك الرقم الرسمي على أساس سنوي (3.4%)، لكن لمدة شهر واحد على الأقل، كانت الأخبار ممتازة.

هذا التراجع لم يكن مدفوعاً بانخفاض تضخم الإسكان، حيث يبقى تضخم خدمات الإسكان لأسباب تم التعرف عليها جيداً الآن، مؤشراً متخلفاً عن بقية المؤشرات، وقد تأخر لفترة أطول مما توقعه الجميع. واستمر المؤشر في الارتفاع في مايو الذي شهد زيادة شهرية بنسبة 0.4% في تكاليف السكن، وهو مستوى الأشهر الثلاثة السابقة نفسه.

وجاء التراجع مدفوعاً بانخفاض تضخم الخدمات الأخرى (مثل تذاكر الطيران، وتأمين وإصلاح السيارات، والفنادق) وكذلك السلع (مثل السيارات والملابس)، وهذا يعني أن تضخم الخدمات باستثناء الإسكان كان قريباً من الصفر في مايو، وفقاً لستيفن بليتز من شركة تي إس لومبارد، وهذا النوع من التضخم هو الذي أبدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي القلق الأكبر بشأنه.

ويعتقد بليتز أن استمرار انخفاض تضخم الخدمات سيكون صعباً إذا استمرت الأجور في النمو بوتيرتها الحالية، وقد ردد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، هذه الفكرة في مؤتمره الصحافي حيث أشار إلى أنه على الرغم من أنه لا يرى نمو الأجور سبباً رئيسياً للتضخم، إلا أن وتيرة نمو الأجور الحالية (نحو 4%) ربما لا تتوافق مع بقاء التضخم عند المستوى المستهدف.

وليست الأجور فقط هي التي يتوخى باول وزملاؤه الحذر بشأنها، فمنذ الجملة الأولى لبيان الاجتماع لشهر مايو، اتخذت لجنة السياسة النقدية نبرة رصينة تتعارض مع الأخبار المبتهجة في تقرير مؤشر أسعار المستهلكين. تم تخفيف حدة تعليق الشهر الماضي القاتم الذي يقول «في الأشهر الأخيرة، لم يكن هناك مزيد من التقدم نحو هدف اللجنة البالغ 2% للتضخم»، ليصبح «كان هناك تقدم إضافي متواضع». إذن لا توجد احتفالات بالنصر. وقد عزز ملخص التوقعات الاقتصادية حذر لجنة السياسات النقدية.

لم يكن الأمر مجرد حذف تخفيضين لأسعار الفائدة من توقعات اللجنة لمعدل الفائدة في نهاية العام، تاركاً التوقعات عند تخفيض واحد، بل ارتفعت التوقعات لمعدل فائدة محايد على المدى الطويل.

وقد يستنتج القارئ لملخص التوقعات الاقتصادية أنه منذ مارس أصبحت اللجنة أقل تفاؤلاً ليس فقط بشأن التضخم هذا العام، ولكن بشأن التضخم إلى الأبد، علاوة على ذلك، فإن التوقعات الإجمالية للجنة هي أن معدل التضخم الأساسي لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي سينهي هذا العام عند 2.8%، وهو معدله نفسه في أبريل، ومن المرجح أن تكون قراءة مايو أقل.

في المؤتمر الصحافي، سأل العديد من الصحافيين أنه إذا كانت اللجنة تعتقد أن التضخم لا يزال مرتفعاً جداً بحيث لا يمكن خفض أسعار الفائدة الآن، ولا تتوقع أن يتحسن التضخم بحلول ديسمبر، فلماذا تتوقع خفض أسعار الفائدة على الإطلاق هذا العام؟، ورداً على ذلك أشار باول بطريقة عامة إلى كونه متحفظاً.

وأثار عمير شريف من شركة «إنفليشين إنسايتس»، النقطة نفسها بشكل مختلف، حيث كتب أن توقعات التضخم تشير إلى أن بعض أعضاء اللجنة يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة التضخمي» بعد أرقام الربع الأول التقريبية.

ويمكن تفسير جزء من هذه النظرة المتحفظة والتي تبدو غير متسقة من خلال حقيقة أن ملخص التوقعات الاقتصادية هو مجرد مجموعة من الآراء الفردية، وليست صيغة للتجانس التام، كما أنه يعكس حقيقة أن التوقعات لمعدل الفائدة لعام 2024 كانت متقاربة: توقع 8 أعضاء تخفيضين، فيما توقع 7 تخفيضاً واحداً، وتوقع 4 عدم وجود تخفيضات بالمرة.

وأشار باول أيضاً إلى أنه بالنسبة للعديد من الأعضاء كان الأمر بمثابة قرار متقارب للغاية. ومجلس الاحتياطي الفيدرالي محق تماماً فيما يبديه من حذر، وقد تأثرت التصورات حول هذا الاجتماع بحقيقة أن تقرير التضخم الجيد للغاية صدر قبل فترة قصيرة، لكن هذا التقرير يعكس شهراً واحداً فقط من البيانات.

ويشير التاريخ الطويل للتضخم إلى إنه لا ينخفض بسلاسة أبداً.

وتشير التجربة الأخيرة للتضخم إلى أنه لا يمكن لأي منا التنبؤ بمساره بدقة شديدة.

ورغم حديث باول عن التوازن الأفضل بين المخاطر التي تهدد تشغيل العمالة واستقرار الأسعار، فإن سوق العمل في المكان الذي يجب أن يكون فيه، فيما التضخم ليس كذلك. وهكذا، لا يتخذ الاحتياطي الفيدرالي موقفاً متشدداً فحسب، بل إنه حذر حقاً، وينبغي أن يكون كذلك.

كلمات دالة:
  • FT
Email