كلما ظهرت تقنية جديدة، اعتاد كثيرون حول العالم أن يحولوا ثقتهم إلى شركة أبل لتوضيح كيفية الاستفادة منها. فقد اشتهرت الشركة، تحت قيادة ستيف جوبز، بتحويل التقنيات الثورية إلى أجهزة أو خدمات جديدة لا غنى عنها.

لكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك، فقد كان الكشف عن «أبل إنتليجنس» منذ أيام – وهو كان ينظر إليه على أنه مسعى أبل الطموح لترك بصمتها التجارية في قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي – بمثابة عرض باهت وتقليدي، وبدا بلا روح على نحو غير معهود.

ليس ثمة ما يشير إلى أن شركة أبل قامت بتضييق نطاق إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحديد الأولويات المجدية – وهي السمة التي ميزت الشركة في عهد جوبز. نعم.. ربما يكون ذلك قد هدّأ المخاوف من تخلف شركة أبل عن الركب في التقنيات المحورية، لكنه يترك مسألة من سيشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوحة على مصراعيها.

إن تنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي يغذي حالة من عدم اليقين حيال تأثيره المحتمل، فهل سيقدم طريقة أبسط للتفاعل مع الحواسيب؟ وهل سيبرز في المقام الأول كمجموعة من الميزات الجديدة المبهرة التي تضيف أجراساً وصفارات إلى التطبيقات التي نستخدمها يومياً؟ أم على غرار شات «جي بي تي» التابع لشركة «أوبن إيه آي»، سيكون له الأثر الأهم في كيفية العثور على المعلومات والإبحار في العالم الرقمي الأوسع؟

لقد حاول الذكاء الاصطناعي الذي عرضته أبل أن يشمل كل هذه الجوانب، لكن الخطر يكمن في أن اندفاعها لتعويض الوقت الضائع، لن يؤدي إلى تحقيق نجاح في أي منها.

لنبدأ بالميزات المبهرة، والتي تم عرضها بكثرة خلال عرض أبل، حيث زودت المستخدمين بالأدوات لإنشاء صور ورموز تعبيرية شخصية، وإضافة مطالبات آلية لكتابة المحتوى. ومع ذلك، فقد أصبحت هذه الميزات مألوفة في خدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها الشركات الأخرى.

وبدا الأمر وكأنه خطوة روتينية. إذ هل لدى غوغل أداة لتحرير الصور تسمح بحذف العناصر من الصور؟ بإمكاننا فعل ذلك. هل تحتفظ ميزة «ريكول» الجديدة من مايكروسوفت بكل أنشطتك على جهازك لسهولة استرجاعها؟ نعم، يمكننا فعل ذلك أيضاً.

إن الكثير سيعتمد على جودة أداء نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة أبل، وهي مسألة مهمة؛ نظراً للتحديات التي تواجهها هذه الأنظمة في تحقيق نتائج دقيقة. لكن أبل ليست شركة معروفة قط بنهج تجربة كل شيء على أمل نجاح شيء ما.

وفيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي الذي يمكنه الإجابة عن أسئلة حول العالم الأوسع، فإن تقنية أبل الداخلية تتخلف كثيراً عن الركب؛ لذلك جاء إعلان الشركة عن اتفاق مع شركة «أوبن إيه آي» لدمج «شات جي بي تي» إلى أجهزتها، ما يوفر للمستخدمين فرصة تلقي الإجابات مجاناً.

لكن ما كان يمكن اعتباره تحالفاً ضخماً بدا محاولة غير جادة، حيث سيتعين على مستخدمي الآيفون توجيه أسئلتهم إلى المساعد الرقمي الخاص بأبل «سيري»، الذي سيتطلب بعد ذلك إذناً لطرح السؤال نفسه على «شات جي بي تي»، وهو أبعد ما يكون عن «التكامل السلس» الذي تفتخر به أبل.

كما أن جدوى هذه العلاقة على المدى الطويل ليس واضحاً. فإنتاج إجابات الذكاء الاصطناعي مكلف، ويتوقع أغلب المراقبين التقنيين أن أبل ستفرض في النهاية رسوماً على المستخدمين مقابل «شات جي بي تي»، إذا أطلقت هذه الميزة. وتسلط هذه الشراكة الضوء على حقيقة مزعجة مفادها أن الذكاء الاصطناعي الداخلي لأبل دون المستوى المطلوب.

وإذا وصلت أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً إلى مستوى الذكاء البشري، فقد تصبح هي منصات التكنولوجيا الأساسية التي تعتمد عليها التطبيقات المستقبلية. وبالنسبة لشركة أبل، سيكون اللحاق بالركب أمراً بالغ الأهمية.

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على توفير طريقة أسهل للتعامل مع أنشطتنا الرقمية اليومية، هو المجال الذي تتمتع فيه أبل بأفضل فرصة لتحقيق تأثير على المدى القصير، حيث يضمن ترقية نموذج «سيري» إمكانية فرز المعلومات في بريدك الإلكتروني ورسائلك وتطبيقاتك المختلفة لتقديم إجابات أو تنفيذ مهام نيابة عنك.

ورغم أن هذه الفكرة تبدو بسيطة، إلا أن تنفيذها سيكون صعباً بالتأكيد، فأنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على الاحتمالات، ما يعني أنها تقوم بأفضل تخمين لتقديم إجابة صحيحة. ولم تثبت شركة أبل بعد مدى فعالية أداء نموذج سيري الجديد.

ويثير ذلك أسئلة أكبر بشأن مستقبل التكنولوجيا. فإذا أصبح سيري المدخل لكل شيء تقوم به على جهاز الآيفون، ما يقلل الحاجة إلى فتح التطبيقات، فماذا سيحدث للعديد من المطورين الذين تعتمد أعمالهم على بناء علاقات مباشرة مع مستخدمي أبل؟

وهذا هو الاضطراب نفسه الذي تهدد به أحدث ميزة للذكاء الاصطناعي في محرك بحث غوغل، والتي تسعى إلى تلخيص المعلومات المأخوذة من المواقع الأخرى. وإذا تمكنت أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تديرها كبرى شركات التكنولوجيا من التدقيق في العالم الرقمي بهذه الطريقة – وإذا كان بإمكانها استخدام هذه المعلومات لبدء اتخاذ إجراءات نيابة عنا – فماذا يخبئ المستقبل لجميع المواقع الإلكترونية والتطبيقات والأدوات البرمجية الأخرى التي نعتمد عليها حالياً؟

على كل حال، فقد أضاف الحماسة تجاه إدخال شركة أبل الذكاء الاصطناعي التوليدي في أجهزتها أخيراً، أكثر من 260 مليار دولار إلى قيمتها السوقية. وعلى مدار السنوات القليلة المقبلة، يمكن أن يقود «أبل إنتليجنس» دورة كبيرة من ترقيات الأجهزة. لكنه لن يعمل سوى على عدد محدود من الأجهزة الحالية، لذا سيتعين على معظم العملاء شراء أجهزة جديدة وأكثر فعالية، سواء آيفون أو آيباد أو ماك، للاستفادة من ميزة «آبل إنتليجنس».

ومع ذلك، لا يبدو، ولا يعني ذلك بَعدُ، أن شركة أبل قد عثرت على المفتاح الذي سيكشف عن الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي.