«الاستثنائية الأمريكية» تتواصل في مواجهة الأسواق الناشئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كتبت صحيفة «فاينانشال تايمز» سابقاً عما يمكن تسميته «الاستثنائية الأمريكية»، وأشارت إلى حقيقة مفادها أنه على مدى أكثر من عقد، كان المزيج الجغرافي الأمثل لمحفظة أوراق مالية هو استثمارها بالكامل، أي بنسبة 100%، في الولايات المتحدة. فلماذا كانت العوائد الأمريكية مدهشة للغاية لفترة طويلة؟ وإلى متى يمكن أن يستمر هذا الاتجاه؟

ترتكز الحجج المؤيدة لاستمرار تفوق أداء الولايات المتحدة إلى نقاط القوة الفريدة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، فهي غنية ولديها سوق محلية ضخمة، كما تمتلك أفضل السمات السكانية بين جميع الاقتصادات المتقدمة، كما أن لديها مزيجاً فريداً من الأسواق المالية القوية والانفتاح وسيادة القانون، ما يستقطب رأس المال العالمي، ناهيك عن امتلاكها موارد هائلة، سواء كانت طبيعية (النفط والغاز)، أو بشرية (التعليم والبحث العلمي).

على العكس من ذلك، فإن الحجج المناهضة لاستمرارية هذه الاستثنائية المستمرة، وبالتالي لصالح محافظ أسهم أكثر تنوعاً، تشير إلى أنه، حتى لو كانت المزايا المذكورة صحيحة ولا تزال كذلك، فلا بد أن تنعكس على الأسعار الحالية، فقد كان تفوق أداء الأسهم الأمريكية مقارنة ببقية العالم مدفوعاً في المقام الأول بارتفاع التقييمات وليس بالنمو المرتفع للعوائد.

في المقابل، تمثل أسهم الأسواق الناشئة، إلى حد ما، نقيض الأسهم الأمريكية، فعلى الرغم من أن العديد من الاقتصادات الناشئة تُظهر نمواً اقتصادياً قوياً، فإنها تفتقر إلى العديد من المزايا الهيكلية التي تتمتع بها أمريكا (وفي بعض الحالات جميعها).

فهل حان الوقت لاستغلال بعض المكاسب الأمريكية وإعادة التوازن إلى العالم الناشئ؟ قد يثير هذا التساؤل الضحك؛ نظراً لأنه منذ عام 2011، تفوق أداء الأسهم الأمريكية (مؤشر ستاندرد آند بورز 500) على أسهم الأسواق الناشئة (مؤشر إم إس سي آي للأسواق الناشئة) بأكثر من 400 نقطة مئوية. ولكن لم يكن الحال دائماً كذلك، فخلال عامي 1999 و2007، تفوقت الأسواق الناشئة على الولايات المتحدة بنحو 200 نقطة مئوية. ومن ثم، فإن تفوق الأداء الأمريكي ليس حقيقة أبدية.

وثمّة سبب للاعتقاد بأن أداء أسهم الأسواق الناشئة قد يكون أفضل في السنوات المقبلة، حيث تظهر الأساسيات الاقتصادية علامات تحسن، بعد أن تأثرت العديد من الشركات في الأسواق الناشئة بشدة من جراء جائحة كورونا والحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وخلال العام الماضي، دق كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ناقوس الخطر إزاء موجات محتملة من التخلف عن سداد الديون السيادية، لكن الوضع تحسن بالنسبة لمعظم الأسواق الناشئة بشكل كبير منذ نهاية عام 2023، كما أن النمو الاقتصادي العالمي آخذ في الارتفاع، والتضخم آخذ في الانخفاض، وقد تمكنت العديد من الدول المتعثرة، مثل ساحل العاج، من الوصول إلى أسواق السندات بعد حرمان لقرابة العامين.

ويتجلى تحسن بيئة الاقتصاد الكلي في الأداء القوي للسندات السيادية المقومة بالدولار في الأسواق الناشئة، فقد تقلّصت فوارق السندات السيادية في مختلف المجالات، وكانت سياسة التقشف في دول مثل الأرجنتين وتركيا ونيجيريا، فعالة في تعزيز جدارتها الائتمانية. وحدث ذلك رغم ارتفاع العوائد الأمريكية وقوة الدولار في الأشهر الأخيرة، وهو ما يتسبب عادة في تدفق رأس المال إلى الخارج والضغوط الاقتصادية.

وفي حين أن الأساسيات مهمة، لكن العامل الرئيس لاستثمارات الأسواق الناشئة لا يزال يتمثل في التدفقات. ويبحث مستثمرو الدخل الثابت عن العوائد وعلى استعداد للمضي أبعد من سندات العملة المحلية في الأسواق الناشئة للحصول عليه. وكما كتب جوزيف كوتريل في صحيفة فاينانشال تايمز:

«في السنوات الأخيرة، كانت الديون المقومة بالعملة المحلية لدول مثل مصر وباكستان ونيجيريا وكينيا وغيرها، من الأصول الأقل تفضيلاً، والقريبة من عتبة التخلف عن السداد الكامل، في الأسواق الناشئة، حيث أضرت أزمات العملة باقتصاداتها؛ ومع ذلك تشهد هذه السندات الآن انتعاشاً؛ بفضل سلسلة من ارتفاعات أسعار الفائدة والجهود المبذولة لتحرير أسواق العملات، حيث تسعى هذه الدول إلى إنعاش اقتصاداتها المتضررة».

ومع انخفاض أسعار الفائدة في بعض الأسواق الناشئة الأكثر نمواً، مثل البرازيل، ينجذب المستثمرون على نحو متزايد إلى العوائد التي تتجاوز الـ10% المتاحة في الأسواق الناشئة ولا يمكن التغاضي عنها.

لكن يظل السؤال قائماً: إلى أي مدى يترجم الحديث عن تحسن الأساسيات وتدفقات رأس المال من سوق السندات إلى سوق الأسهم؟ حتى الآن، لا شيء مطلقاً. وبعيداً عن الصين ومشاكلها الخاصة، كان أداء مؤشرات الأسواق الناشئة معقولاً هذا العام، حيث حققت عائدات بنسبة 10% بالقيمة الدولارية، ومع ذلك لا يزال هذا مبتعداً بفارق كبير عن الولايات المتحدة، كما اتسعت فجوة التقييم مرة أخرى، بعدما تقلّصت العام الماضي. ويتجلى هذا بوضوح في التفاوت بين نسب الأسعار إلى الأرباح في الولايات المتحدة والأسواق الناشئة.

كلمات دالة:
  • FT
Email