التسريحات الصامتة للموظفين نادراً ما تكون هادئة كما تأمل الشركات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحفل تاريخ عمليات إعادة الهيكلة السيئة بمشكلات كلاسيكية، فاقمت التكنولوجيا. فقد عانى الموظفون حالات تسريح جماعي عن طريق رسائل البريد الصوتي أو الرسائل النصية أو تطبيق «زووم». والآن، جربت ذراع «بي دبليو سي» في المملكة المتحدة، طريقة جديدة بمحاولتها تنظيم جولة من «التسريحات الصامتة» عن طريق البريد الإلكتروني.

كانت محاولة إحدى الشركات الأربع الكبرى في مجال المحاسبة لإسكات وداع الزملاء المشاركين في «التسريح» أبعد ما تكون عن الصمت والهدوء. وربما لا يكون الأمر جديداً كلياً، إذ إن المحاولات الناجحة لمنع الموظفين المغادرين من إعلان رحيلهم تعد صعبة التحديد بطبيعتها.

ويبدو أن الخطأ الذي وقعت فيه «بي دبليو سي» أنها طلبت إلى المغادرين عدم الإفصاح عن قبولهم تسوية من أجل المغادرة، ثم نصحها إياهم بالطريقة التي سيصيغون بها الوداع. فعلى سبيل المثال: «اتخذت قراراً بالرحيل عن بي دبليو سي بعد مناقشات مع مدير العلاقات أخيراً، لم يكن من السهل علي اتخاذ القرار، لكن بما أنني اتخذته، فأنا متحمس بشأن ما يحمله لي المستقبل في جعبته والفرص الجديدة التي تلوح في الأفق، لقد استمتعت بوقتي حقاً في بي دبليو سي وفرصة العمل مع زملاء على هذا القدر من الموهبة».

ليست هناك طريقة أسرع لضمان الكشف عن أسرار المؤسسة من الإصرار على إبقاء الأمور طي الكتمان، فقد أصبح القرار المرسل عن طريق البريد الإلكتروني بعدم الإشارة إلى عرض التسريح الطوعي أو ظروف المغادرة ثاني أكثر الموضوعات قراءة في عطلة نهاية الأسبوع على «فاينانشال تايمز». لذلك، ربما لا يشعر أحد أعضاء فريق الموارد البشرية لدى «بي دبليو سي» بالحماس بشأن ما يحمله المستقبل.

ومن بين التفسيرات المحتملة، سارع منتقدو قسم الموارد البشرية، إلى الإشارة إلى الصفات الشريرة أو عدم الكفاءة التي يتسم بها مديرو شؤون الموظفين الذين تسرعوا في تسريح الموظفين الزائدين على الحاجة، بينما يحاولون تفادي التسبب في هلع أو مسارعة الموظفين إلى الاستفادة من قدر محدود من الأموال المخصصة لتكاليف التسريح.

ومع ذلك، تمر غالبية الشركات بعمليات إعادة هيكلة دورية. ويعود ذلك في بعض الأحيان إلى اضطرارها إلى عكس التوسع الذي أساءت الشركات إدارته، لكن غالباً ما يرجع الأمر إلى تقلبات الطلب التي أودعت أناس مناسبين في أماكن غير مناسبة.

من المحتمل أن «بي دبليو سي» تفتقر للكفاءة في هذا المجال، فقد اعتادت شركات الخدمات المهنية تعيين الآلاف وترك مسألة تسريحهم إلى التآكل الطبيعي بالنيابة عنهم. ويقضي مدققو الحسابات من الشباب والمستشارين فترات وجيزة لدى أي من الأربع الكبرى، لكنها فترة طويلة بما يكفي لاجتياز اختباراتهم المهنية، أو إضافة شعار الشركة إلى ملفاتهم الشخصية على موقع «لينكد إن»، ثم الانتقال إلى التحدي الوظيفي التالي.

لقد أدى تباطؤ الطلب إلى ضغط المصروفات وتقليص العمالة. واستخدمت «ديلويت»، شأنها شأن «بي دبليو سي»، كلمة «مستهدف» في إطلاق عملية إعادة الهيكلة خلال العام الماضي، والتي هوجمت لعزمها التخلي عن 150 من شباب المستشارين، مما قطع المسيرة المهنية لموظفين انضموا فقط إلى الشركة قبل عام أو اثنين. وبالنسبة لشركة «ماكنزي»، رائدة النهج الدبلوماسي المتمثل في «الترقي أو الرحيل» في تسريحها للعمالة، فقد اضطرت إلى تبني نهج أكثر قسوة مع من يتراجع أداؤهم، إذ تطلب الشركة من هؤلاء الموظفين بلطف الحصول على الإرشاد أو المغادرة.

ونادراً ما يتسبب الموظفون الذين يتم التخلي عنهم من وظائف الياقات البيضاء في جلبة، وهو ما قد يفسر محاولة «بي دبليو سي» إسكات الموظفين الذين أوشكوا على المغادرة، فقد اشتهرت سابقاً رسالة بريد إلكتروني أرسلها مدقق متدرب لدى «بي دبليو سي» لم ينجح في اختبار التدقيق في العام 2016، إذ قال: «لم أستمتع كثيراً بوقتي في بي دبليو سي، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التوتر الناجم عن الاختبارات وسرعة شعوري بالملل».

وأكثر التفسيرات قبولاً هو أن رسالة البريد الإلكتروني التي بعثت بها «بي دبليو سي» كانت نتيجة جهود من أحد مسؤولي الموارد البشرية لإعداد رد جماعي عن تساؤلات فردية بشأن كيفية التعامل الرقيق مع ما يمكن أن تكون تجربة محرجة.

وبغض النظر عن ماهية التفسير، ومن واقع خبرتي، فغالبية الذين يختارون الحصول على تعويض لقاء الاستقالة لا يتباهون بالأمر أو يتذمرون منه، وهم ليسوا بحاجة إلى ذلك. وتعرف غالبية زملاء هؤلاء الأشخاص ما يحدث من الشائعات التي تدور في المكتب وتكون دوماً أكثر كفاءة ودقة من غالبية التواصل الذي يديره قسم الموارد البشرية داخل الشركة.

ويتبقى لنا أن نرى سواء أصبح اتجاه «الجيل زد» إلى «الاستقالة الصاخبة» عبر «تيك توك» أو شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى أكثر شيوعاً أم لا. لكن يدرك المغادرون غير السعداء غالباً أنه لا فائدة من التذمر علناً لكيلا يزعج ذلك رب عمل محتمل أو عميل في المستقبل. أما السعداء بقرارهم ويرغبون في المضي قدماً، فيستخدمون التعويض الذي حصلوا عليه باعتباره نقطة انطلاق لمسار مختلف. لكن تتساوى المجموعتان في أن كل منهم يظهر نفسه على أنه هو من قرر المغادرة وأن الشركة لم تتخل عنه، فذلك يلائم القصة التي سيروونها في مراحلهم التالية.

لكن إن كنت تنوي قص ولصق النص الذي اقترحته «بي دبليو سي»، فيرجى التخلي عن الصياغة المتعلقة بـ «الفرص الجديدة التي تلوح في الأفق». بإمكانك الاحتفاظ بالكليشيه حتى وقت لاحق تكون حققت فيه نجاحاً بالفعل، ثم يمكنك التفاخر علناً بأن تسريح إحدى الشركات الأربع الكبار للتدقيق لك كان «أفضل شيء حدث لك على الإطلاق».

كلمات دالة:
  • FT
Email