كان من المقرر مؤخراً أن أقدم بودكاست «كوشنري تيلز» على الهواء مباشرة تمهيداً للإعلان عن انطلاق مؤتمر للبودكاست في اليوم التالي، لكن كانت هناك مشكلة واحدة؛ يبدو أن لا أحد لديه الصلاحية للسماح لي بالدخول.

رفض الأشخاص الذين يصدرون بطاقات دخول المؤتمر إعطائي واحدة منها، وهو أمر مفهوم، لأنني لم أكن مشاركاً رسمياً في المؤتمر ولم أسجل للحضور. ونصحوني بالتحدث إلى «تلك السيدة هناك»، التي بدت من جانبها في حيرة؛ نظراً لأن المؤتمر لن يُفتتح رسمياً قبل الغد؛ لذا لم أكن بحاجة إلى بطاقة. وقالت: «فقط ادخل». لكن كان لدى حارس الأمن وجهة نظر مختلفة، لقد تلقى تعليمات صارمة بعدم السماح لأي شخص بالدخول من دون بطاقة، وقال لي: «ناقش الأمر مع فريق المؤتمر»، الذين أجابوا: «لا شأن لنا بذلك، تحدث إلى الأمن».

أدركت حينها أنني كنت أواجه ما وصفه الكاتب دان ديفيز بـ«غرق المساءلة» حيث لا يمكن إلقاء اللوم على أحد. وفي كتابه الأخير، يشرح ديفيز المنطق الأساسي وراء «غرق المساءلة» أو ضياعها وهو أن تجرد سلطة اتخاذ القرار من الأفراد الذين تود الصراخ في وجههم، وبدلاً من ذلك تمنحها إلى خوارزمية أو لجنة معزولة تجهل اعتراضاتك وتكون محصنة ضدها.

لقد أصر كل من تحدثت إليهم على أنهم عاجزون عن التصرف. وإذا لم تتمكن من تغيير قرار ما، فلا يمكن لأحد محاسبتك عليه، هذا هو النموذج التطبيقي لغرق المساءلة.

لقد أصبحت عبارة «الكمبيوتر يقول لا» شعاراً كوميدياً لأول مرة قبل 20 عاماً؛ لذا على الرغم من أن غرق المساءلة مصطلح جديد ومفيد، إلا أنه يصف مشكلة قديمة. ما عليك سوى أن تسأل 440 سنجاباً سيئ الحظ وصلت في عام 1999 إلى مطار سخيبول في هولندا، في طريقها من بكين إلى أثينا. ولسوء الحظ بالنسبة للسناجب، تم شحنها دون الوثائق السليمة. ما الحل؟ كان إرسالها إلى أثينا غير قانوني، ولم يكن من الممكن، على ما يبدو، إعادتها إلى بكين أو تصحيح الوثائق؛ لذا بدأ موظفو المطار بتشغيل آلة تقطيع صناعية تستخدم عادة في مزارع الدواجن لقتل صغار الدجاج الذكور وألقوا فيها جميع السناجب الـ440.

وفور معرفة الجمهور بهذه الكارثة، كان هناك اتفاق عالمي على أن فرم 440 سنجاباً تصرف بشع، لكن لم يكن من الواضح من يجب أن يتحمل المسؤولية. ووفقاً لديفيز، كانت المشكلة الأساسية أن قرار قتل الحيوانات التي تفتقر إلى الوثائق الرسمية كان مسألة سياسية مصدرها وزارة الزراعة الهولندية. وتظل السياسة سياسة، ولم يكن بمقدور العمال اليدويين في حظائر المطار الذين يرتدون قفازات واقية، ويقفون بالقرب من آلة التقطيع الصناعية وحفنة من صناديق السناجب أن يتجاوزوها.

ربما كانت السياسة نفسها منطقية، لكن المشكلة تكمن في غياب آلية لتحديد والتعامل مع الحالات الاستثنائية. والواضح أن سؤال «ماذا لو كانت السياسة تقتضي رمي مئات السناجب في آلة التقطيع؟» أُثير بعد فوات الأوان.

وقد يخدم غرق المساءلة غرضاً مشروعاً؛ فتحت وطأة الضغط، هناك ميل إلى التفضيل أو اتباع طرق مختصرة، مع إعطاء الأولوية للشكاوى الأكثر صخباً أو تأجيل العواقب الوخيمة. وقد تكون عبارة «الكمبيوتر يقول لا» دعابة، لكن الكمبيوتر بمثابة وسيلة فعالة لتشتيت العملاء الذين يصعب التعامل معهم، وغالباً ما يتخذ القرار الصحيح.

ولنتأمل هنا فكرة السياسة النقدية المستقلة، حيث تحدد الحكومة المنتخبة هدفاً للتضخم، ثم تفوض مهمة محاولة تحقيق هذا الهدف إلى بنك مركزي غير منتخب. إنها استجابة منطقية لحقيقة مفادها أن الحكومات المنتخبة ديمقراطياً لديها دائماً حافز قصير الأجل لتأجيج التضخم، وجني ثمار فورية يتبعها بعض المشاكل الخطيرة.

فعندما يُضر بنك إنجلترا بالملايين عن طريق رفع أسعار الفائدة، يمكنه الإشارة إلى تفويضه بالسيطرة على التضخم، وعندما يشكو الناس للحكومة، يمكنها إخبارهم بأن أسعار الفائدة من اختصاص بنك إنجلترا، وهذا مثال آخر على «غرق المساءلة» أو ضياعها.

ومع ذلك، غالباً ما ينشأ ضياع المساءلة لسبب بسيط، هو أن لا أحد يريد أن يتحمل المسؤولية إذا كان بإمكانه تجنبها. والأسوأ من ذلك أنه قد يكون وهمياً، ليكون بمثابة كبش فداء. وقد تعلم جيل من الساسة البريطانيين أنه كلما اشتكى أحدهم من سياسة ما، كان من السهل دائماً إلقاء اللوم على بروكسل أو القضاة غير المنتخبين أو قواعد الصحة والسلامة التي تجاوزت المألوف.

ويمتد ضياع المساءلة من الخوارزميات التي تزيد من قسط تأمينك إلى الإنكار المؤسسي الذي تسبب في تأجيل العديد من حالات محاسبة الحكومة البريطانية، ويشمل ذلك قضايا الدم الملوث، واضطهاد مديري مكاتب البريد الفرعية، وكارثة هيلزبرة، وفضيحة ويندرش، وغيرها الكثير. وفي مواجهة هذا النطاق الهائل من الآليات الفاشلة لمعالجة ضياع المساءلة، هل هناك أي شيء بناء بوسعنا قوله حول ما يمكننا تغييره لتحسين الأمور؟

ربما هناك، فالقاسم المشترك هنا هو تجاهل ردود الأفعال. ولا شك أن الأشخاص المتورطين في حادثة السناجب تساءلوا عما إذا كان ثمة طريقة أفضل للتعامل مع مشكلة الوثائق، ولكن لم يكن هناك قناة اتصال مفتوحة مع الوزارة المعنية، غافلة عن العواقب الوخيمة، فمن دون ردود الأفعال، التحسن مستحيل.

إن العالم مكان معقد، والإنسان غير كامل؛ لذا ستُرتكب الأخطاء. والسؤال هو: ماذا يحدث بعد وقوع الخطأ؟ هل تصل الأخبار يوماً ما إلى أي شخص يمكنه تغيير الأمور؟ وإذا حدث فهل سيتصرف؟ بعض آليات غرق المساءلة موجودة لسبب وجيه، والبعض الآخر ليس كذلك. وعلى أية حال، في حالة عدم وجود طريقة للتعلم من الأخطاء، فإنها ستقضي علينا جميعاً في النهاية.