إذا كان الحزب السياسي الأوروبي ينتمي إلى اليمين، فالطريقة السهلة والسريعة لضمان الفوز في الانتخابات هي الحديث كثيراً عن خططه للحد من الهجرة، فقد حقق هذا النهج نجاحاً كبيراً في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو جزء من أسباب حصول خيرت فيلدرز على المركز الأول في الانتخابات الهولندية، وكان السبب وراء تحول مارين لوبان إلى كابوس يؤرق الرئيس إيمانويل ماكرون في فرنسا.
يفسر هذا أيضاً لماذا يعتقد العديد من المحافظين أن زعيمتهم المقبلة ستبدو أشبه ما يكون برئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، الحليفة المقربة الجديدة لريشي سوناك على الساحة العالمية وليس وزير خارجيته ديفيد كاميرون (إذا ما كانت قمة مجموعة السبع الأخيرة مؤشراً لذلك).
لكن النبأ السيئ هو أنه بمجرد انتخابك، لا توجد طريقة سهلة أو سريعة للوفاء بوعودك. وغالباً ما يكون النقاش حول «اعتدال ميلوني في حكمها» مبالغاً فيه، وإذا كان معيارك الوحيد للاعتدال هو الحضور الجيد لشخص ما وحسن تصرفه في القمم الدولية، فإن ميلوني لم تكن أبداً راديكالية متطرفة منذ البداية، ولكنك قد تفكر بطريقة مغايرة إذا كنت مهاجراً من دون أوراق ثبوتية يمكن الآن احتجازك لمدة تصل إلى 18 شهراً.
وأحد أوجه القصور في وعود ميلوني الراديكالية، هو الفشل في الحد من عدد الأشخاص الوافدين إلى إيطاليا، فقد استمر عدد الوافدين عبر الطرق غير الشرعية في الازدياد، رغم زيادة حصة العمال من الخارج.
وبالمثل، في المملكة المتحدة، تعهد المحافظون في كل جولة انتخابية منذ عام 2010، بخفض الوافدين إلى البلاد بشكل قانوني. وتعد الانتخابات العامة هذا الصيف هي المرة الأولى منذ عام 2010 التي يستطيع خلالها رئيس وزراء محافظ أن يشير بمصداقية إلى تطبيق سياسات تقيد قدرة أصحاب العمل على تعيين المزيد من الموظفين، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض مطرد وطويل الأجل في عدد الأشخاص الوافدين إلى بريطانيا.
لنفكر في تداعيات هذه التطورات، فقد أظهر سوناك التزاماً أكبر بخفض عدد الأشخاص الوافدين إلى المملكة المتحدة، مقارنة بديفيد كاميرون عندما كان رئيساً للوزراء، وكذلك تيريزا ماي أو بوريس جونسون، لكن هذه السياسات كان لها تبعات ملموسة، حيث بقيت الوظائف شاغرة في قطاعات الاقتصاد البريطاني التي كانت تعد حتى وقت قريب موطن قوة مثل الخدمات المالية والتعليم العالي.
كذلك، فإن رئيس الوزراء لا يزال يتجه نحو تحقيق أسوأ نتيجة انتخابية مقارنة بجميع نظرائه السابقين.
ولا يعني ذلك أن مع كل أوروبي يريد خفض معدلات الهجرة، هناك ليبرالي مؤيد لفتح الحدود يسعى إلى الظهور، فالمظاهر التي تتسم بالقسوة الصارخة، بدءاً من الحظر الذي أعلن عنه حزب العمال الجديد على السماح لطالبي اللجوء بالعمل أثناء إنهاء إجراءات طلباتهم إلى تبني المحافظين «بيئة معادية»، شكلت جزءاً من كل برنامج انتخابي فائز بالمملكة المتحدة خلال القرن الحالي، لكن أي سياسي يعتقد أنه سيكافأ تلقائياً في صناديق الاقتراع للحد من الهجرة يجب عليه أن يعيد التفكير.
ويمكن اختزال غالبية القرارات السياسية في شقين مبسطين: إما تقليص الجهود أو زيادة الإنفاق. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تمنحك التغيرات التكنولوجية أو الاجتماعية سيناريو نادراً للغاية، حيث تعود الفائدة على الجانبين، عبر تقليل الإنفاق والقيام بعمل أفضل في الوقت نفسه. ولكن في معظم الأوقات، يكون أمامك هذا الخيار البسيط: الهجرة ليست استثناء.
إن الدول حال خفضت عدد الأشخاص الوافدين للعمل بشكل قانوني، فستكون مضطرة إما لتقليص العمل بسبب عدم سد الشواغر الوظيفية، أو إنفاق المزيد لجذب المواهب المحلية والحفاظ عليها.
وتعد هيئة الخدمات الصحية الوطنية مثالاً مفيداً على ذلك، فرواتبها وظروف العمل متوسطة مقارنة مع سوق الرعاية الصحية العالمية، ويعني ذلك أن بعض الأطباء والممرضين الذين ندربهم ينتهي بهم المطاف للعمل في الولايات المتحدة أو نيوزيلندا أو في أماكن أخرى، بينما نقوم بتوظيف قرابة 20% من العاملين من أفريقيا وآسيا وأوروبا.
لذلك، إذا كان الساسة يريدون حقاً الوفاء بوعودهم حيال الهجرة، فيتعين عليهم الاستعداد لزيادة الإنفاق وزيادة الضرائب. كما يتعين عليهم أن يكونوا على استعداد لأن تقلص الدولة وكذا القطاع الخاص نطاق العمل. وكثيراً ما يسخر النائب المحافظ نيل أوبراين، أحد أعلى المشككين في الهجرة صوتاً وأكثرهم تعبيراً عن ذلك في مجلس العموم، مما يسميه «تأشيرة ديلفيرو»، التي تسمح للأشخاص بالقدوم إلى المملكة المتحدة والعمل بأجر منخفض نسبياً. وثمة مشكلة واضحة هنا وهي أن أغلب الناخبين يفضلون خدمة توصيل الطعام إليهم، لكنهم يعارضون زيادة الضرائب.
قد يقول الناخبون لمستطلعي الآراء إنهم يرغبون في الحد من الهجرة، تماماً مثلما يعبرون عن رغبتهم في خفض الضرائب وتحسين الخدمات العامة، ما يعني، كما هي الحال مع قضايا أخرى كثيرة، إن رغباتهم متضاربة بوضوح. لذلك، تمثل محاولة وعد الجميع بكل شيء، حتى عندما تفتقر إلى الاتساق، أحد أسباب الفوضى التي يعيشها حزب المحافظين، كما يفسر ذلك جزئياً لماذا سجل جورجيا ميلوني بشأن الهجرة ليس أفضل حالاً، رغم أنها تبدو أنجح انتخابياً من ريشي سوناك.