أسهم «تي إس إم سي» لصناعة الرقائق تستحق أداءً أفضل

مع تحقيق أسهم شركة «إنفيديا» مستويات قياسية جديدة، ليس من قبيل المبالغة القول إن الشركة الأمريكية لتصميم الرقائق كانت إحدى القوى الرئيسية الدافعة لانتعاش قطاع الذكاء الاصطناعي في آسيا. فقد شهدت الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المنطقة، وخصوصاً شركات تصنيع الرقائق، مكاسب كبيرة تتبعت عن كثب تحركات أسعار أسهم إنفيديا خلال العام الماضي.

رغم ذلك، يبقى المستثمرون الذين يتعاملون مع الشركة المصنعة لكل الرقائق المتقدمة لشركة إنفيديا بالكثير من الحذر. صحيح أن أداء أسهم شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات»، أكبر متعاقد لتصنيع الرقائق في العالم، لم يكن بطيئاً بالمرة، حيث ارتفعت بنسبة 60% خلال العام الماضي، لكن بقيت مكاسب أسعار أسهمها متخلفة عن نظيراتها الإقليمية في العام الماضي. كما أنها تتداول بأقل من نصف سعر إنفيديا على أساس الأرباح الآجلة.

وهذا أمر مثير للدهشة لأن شركة «تي إس إم سي» حطمت أخيراً رقمين قياسيين، حيث وصل السهم إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بعد زيادة بأكثر من 30% في صافي إيرادات شهر مايو إلى 7.1 مليارات دولار، ما يمنح الشركة قيمة سوقية قدرها 738 مليار دولار، كما تجاوزت حصتها من سوق تصنيع الرقائق التعاقدية العالمية 60% خلال الربع الأول.

والنقطة الأخيرة هي الأكثر أهمية، حيث تريد جميع شركات التكنولوجيا العالمية الحصول على رقائقها الخاصة محلياً. وربما لديها الموارد اللازمة لتصميمها، إلا أن يتعين عليهم الاستعانة بمصادر خارجية للتصنيع. وهذا يعني أن أعمال صناعة مسابك الرقائق – التي تنتج الرقائق المادية للشركات الأخرى على أساس تعاقدي – توفر الآن فرصاً للنمو.

وحتى الآن، كان للعملاء الرئيسيين تأثير متفاوت على أعمال «تي إس إم سي». وقبل السباق العالمي لتطوير خدمات الذكاء الاصطناعي، كان التعامل التجاري مع عملاء، مثل شركة أبل مربحاً، لكن ذلك كان يعني أيضاً التعامل مع دورات البيع التي تتبع عمليات إطلاق أجهزة آيفون الجديدة.

لكن هذا الوضع يتغير، حيث يتزايد عدد العملاء الذين يتوفر لديهم الكثير من الأموال ويحتاجون إلى إمدادات ثابتة من الرقائق بوتيرة سريعة مع ترقية الشركات لمراكز البيانات، وتطوير الرقائق لإدارة مهام الذكاء الاصطناعي.

على سبيل المثال، دمجت شركة أبل قدرات الذكاء الاصطناعي باستخدام رقائق متقدمة في أحدث حواسيبها المحمولة. وأخيراً، كشفت شركة «كوالكوم» المصنعة لرقائق الهواتف المحمولة عن رقاقة لأجهزة الحواسيب المحمولة مزودة بميزات لتشغيل خدمات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت. كما تقوم شركة «تي إس إم سي» بتصنيع رقائق لشركة «أدفانسد مايكرو ديفايسز» المنافس الأقرب لشركة «إنفيديا». وتعمل شركات مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون على تطوير معالجات مخصصة.

وسواء أكانت هذه الرقائق مخصصة للبيع أم للاستخدام الداخلي، فهذا يعني المزيد من الطلبيات لشركة «تي إس إم سي». وتحمل هذه المنتجات هوامش ربح عالية، حيث تمثل الرقائق المتقدمة، التي تستخدم تقنية 7 نانومتر أو أقل، ثلثي إجمالي مبيعات «تي إس إم سي». ويشكل قطاع الحوسبة عالية الأداء، والذي يتضمن رقائق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ما يقرب من نصف إجمالي إيراداتها.

في المقابل، هناك بطبيعة الحال العديد من المخاطر، فرغم بناء المزيد من المصانع في الخارج، لا يزال 80-90% من القدرة الإنتاجية لشركة «تي إس إم سي» تتركز في تايوان، ومع قيام الصين، التي تعد الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي جزءاً من أراضيها، بتصعيد التهديدات والتدريبات العسكرية حول الجزيرة، فإن ذلك يفسر جزئياً سبب تداول أسهم «تي إس إم سي» بسعر مخفض مقارنة بنظيراتها العالمية.

وهناك اتفاق على أن المخاطر في الوقت الحالي جسيمة بالنسبة لبكين، فغزو تايوان من شأنه أن يعطل بشدة إمدادات الرقائق العالمية، وسيكون لذلك تأثير على الصين أيضاً، التي تعتمد بشكل كبير، مثل بقية العالم، على شركة «تي إس إم سي» لتزويدها بالرقائق المتقدمة. وتعد الصين ثالث أكبر مساهم في إيرادات «تي إس إم سي» حسب المناطق الجغرافية، وتمثل ما يقرب من عشر مبيعات الشركة.

ويشير أحد المقاييس الفعالة لقلق المستثمرين الأجانب، وهو الفارق الذي تتداول به إيصالات الإيداع الأمريكية لشركة «تي إس إم سي» المدرجة في الولايات المتحدة مقارنة بالأسهم المدرجة في تايوان، إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر تفاؤلاً حيال المخاطر الجيوسياسية. وتتداول هذه الإيصالات بعلاوة تزيد على 20% للأسهم المحلية للربع الحالي، ويمثل ذلك أكبر فارق منذ أكثر من عقد.

ويتردد صدى هذا الشعور في تايوان، حيث تعد شركة «تي إس إم سي» المدرجة محلياً هي السهم الأكثر شراءً من قبل المستثمرين الأجانب. كما دعمت إنفيديا هذا الاتجاه بالإعلان عن خطط لزيادة الاستثمار في الجزيرة.

ويسمح الطلب المتزايد من العملاء الذين يملكون الكثير من السيولة للشركة برفع أسعار الرقائق، ومن ثم تعزيز ارتفاع هوامش الربح. وقد تجاوز إجمالي الهوامش منذ فترة طويلة 50%.

وزاد التدفق النقدي الحر بأكثر من 4 أضعاف في العام الماضي ليصل إلى 7.9 مليارات دولار، ما يوفر سيولة كافية للاستثمار في تطوير قدرات الجيل القادم من رقائق 2 نانومتر، وبالتالي زيادة اتساع الفجوة مع المنافسين. في الوقت نفسه، انتعشت مبيعات الهواتف الذكية العالمية خلال الربع الأول، ما يظهر مؤشرات على انعكاس الركود المستمر للصناعة منذ سنوات.

وقبل 5 سنوات، كانت رقائق الهواتف المحمولة تمثل أكثر من نصف إجمالي إيرادات «تي إس إم سي». وبالإضافة إلى الطلب الجديد المتعلق بالذكاء الاصطناعي، فقد يؤدي ذلك إلى نمو كبير خلال الأرباع السنوية المقبلة.

الأكثر مشاركة