الذكاء الاصطناعي يواصل مفاجآته ويطارد غضبنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشروع تابع لـ «سوفت بنك» يعمل على تكنولوجيا لإزالة الغضب من مكالمات العملاء الهاتفية

كان هوارد بيل، بطل فيلم «نتوورك» الذي أنتج في عام 1976، غاضباً بحق وبشدة. ويبدو أن الحالة العاطفية للعالم أجمع تتشارك بيل الغضب الشديد نفسه، بحسب ما تشير إليه استطلاعات متعاقبة أجرتها «غالوب».

لكن قد لا يدوم هذا الوضع طويلاً، إذا ما كان للذكاء الاصطناعي دور في ذلك. وإذا كان الذكاء الاصطناعي بصدد الاستحواذ على وظائفنا بالفعل، فهو الآن قادم للتعامل مع غضبنا. ويتمثل السؤال فيما إذا كان يحق لأي شيء إزالة هذا الغضب عنا دون إذن، وما إن كان أحد على استعداد للصراع مع الآخرين من أجل حقنا في الشعور بالغضب.

وهذا الشهر، كشفت الشركة المُدرجة المتخصصة في الهواتف المحمولة التابعة لإمبراطورية «سوفت بنك» التكنولوجية المملوكة لماسايوشي سون، عن أنها تعمل على تطوير نظام يشغله الذكاء الاصطناعي لحماية العاملين في مراكز الاتصال من السباب ومجموعة عريضة من الانتهاكات اللفظية.

من غير الواضح ما إذا كانت تسعى «سوفت بنك» عمداً إلى استحضار صورة المدينة الفاسدة من خلال الاسم الذي أطلقته على المشروع، فمسمى «آلية تحويل المكالمات الصوتية لإبطال العواطف» يتسم بقتامة من شأنها إثارة جنون جورج أورويل.

والتكنولوجيا الجديدة، التي طورها معهد بحوث الذكاء الاصطناعي الذي أسسته «سوفت بنك» بالاشتراك مع جامعة طوكيو، ما زالت في مرحلة البحث والتطوير، ويشي الإصدار التجريبي الأولي بأنه ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل. لكن المبدأ يبدو وأنه يعمل بالفعل، رغم الغرابة التي يثيرها الأمر.

ومن الناحية النظرية، يعمل الذكاء الاصطناعي المغيّر للصوت على تحويل صراخ المتصل الغاضب في الوقت الفعلي، فلا يسمع من في الجهة المقابلة من المكالمة سوى نسخة رقيقة ودمثة. وتظل الكلمات التي يتفوه بها المتصل كما هي في الوقت الراهن، لكن ولندع للواقع تغيير هذا أيضاً. لكن يزيل المحرك الغضب من حيث اللهجة. وتتوقع «سوفت بنك» تسويق التقنية واستخدام مراكز الاتصال لها في موعد لا يتجاوز مارس 2026.

صحيح أن المشروع يبقى بأولى مراحله، لكنه عرض للمدى الذي وصله الذكاء الاصطناعي.

وهكذا، فإن البشر يواصلون التعاون مع «سادة المستقبل» أمن الذكاء الاصطناعي، مثلما هي الحال مع الكثير من هذه المشروعات. وقد تم تدريب محرك إبطال العواطف بواسطة ممثلين ألقوا مجموعة كبيرة من الجمل الغاضبة بطرق مختلفة للتعبير عن الغضب، مثل الصراخ والصياح. وأمدت هذه الاداءات الذكاء الاصطناعي بنغمات الصوت وطرق التعبير عن الغضب التي تمكّنه من التعرّف عليها واستبدالها.

وبافتراض أننا سنغض الطرف عن التصورات المريعة التي قد تأتي بها هذه التكنولوجيا، لكن أقلنا خيالاً من شأنه إدراك الطرق المحفوفة بالمخاطر التي قد يمهدها تعديل الصوت في الوقت الفعلي. وتتعلق المشكلة، حتى الآن، بالملكية. وبينما تثير سرعة تطور الذكاء الاصطناعي بالفعل تساؤلات عن ملكية المشاهير وآخرين للأصوات، تأتي تجربة «سوفت بنك» لتختبر ملكية العواطف.

ويأتي مشروع «سوفت بنك» نابعاً من حسن النية بوضوح. فقد راودت الفكرة على ما يبدو مهندساً للذكاء الاصطناعي في الشركة شاهد فيلماً عن ازدياد إساءات العملاء اليابانيين تجاه موظفي قطاع الخدمات، وهي ظاهرة يرجعها البعض إلى حدة طباع المسنين وتآكل معايير الخدمة جراء النقص البالغ للعمالة.

ويُقدّم محرك إبطال العواطف حلاً للعبء النفسي غير المُحتمل الواقع على كاهل موظفي مراكز الاتصال والقلق المرتبط بالتعرض للصراخ. وبجانب تنقية اللهجة المخيفة من المكالمات المليئة بالصراخ، سيتدخل الذكاء الاصطناعي لإنهاء المحادثات التي يعتبرها شديدة الطول أو بذيئة.

لكن حماية الموظفين لا يجب أن تكون الاعتبار الوحيد في هذا السياق. فقد يكون الغضب شيئاً غير مرغوب فيه ومرعباً بالنسبة للمتلقي، لكنه قد يكون مشروعاً ويجب أن يُتوخى الحذر في إزالته اصطناعياً من البرامج النصية لعلاقات العملاء، خاصة إذا ما كان سيزداد عند إدراك العميل أن ثمة آلة تكبح الغضب الذي يعبر عنه.

يمكن للشركات في كل مكان تحذير العملاء من الإساءة للموظفين، وهي تفعل ذلك بالفعل. لكن إزالة الغضب من صوت أحدهم دون موافقته أو بتضمين الأمر في طيات نصوص طويلة يتجاوز خطاً مهماً، خاصة حينما يكون الذكاء الاصطناعي في موقع المسؤولية عن الإزالة.

ويُتجاوز الخط عند تحويل عواطف شخص ما أو لهجة محددة في صوته إلى سلعة من أجل المعالجة ثم التحييد. ويُعد الغضب هدفاً سائغاً للاستئصال، لكن لم لا نحمل الذكاء الاصطناعي على حماية موظفي مراكز الاتصال من خيبة الأمل أو الحزن أو الضرورة أو اليأس ؟ ماذا لو اُعتُبِرَت بعض اللهجات الإقليمية أكثر عدوانية مقارنة بلهجات أخرى وعملت الخوارزمية على تصفيتها دون علم أصحابها؟

وفي مجموعة من المقالات المنشورة مؤخراً، حذر ليوبولد أشينبرينر، الباحث السابق لدى «أوبن إيه آي» الذي عمل على حماية المجتمع من التكنولوجيا، من أنه في حين كان الجميع يفكرون في الذكاء الاصطناعي، فإن «قلة قليلة لديهم علم ضئيلاً بما يوشكون أن يواجهوه».

وأمام هذا كله، قد تكون الاستراتيجية الأفضل هي أن نظل غاضبين للغاية.

كلمات دالة:
  • FT
Email