أحب طائر أبي ملعقة، وكذلك أحببت شركة «أورستيد» لبعض الوقت. قد يبدو غريباً الربط بين الطائر طويل الساقين ذي المنقار الغريب والشركة الرائدة على مستوى العالم في تشغيل مزارع الرياح. لكن ثمة ارتباط، فانتشار طيور أبو ملعقة على سواحل نورفولك، في شرق إنجلترا، منذ 2010 يعد مؤشراً على احترار كوكبنا.

وإذا ما اتجهنا شمالاً، في بلدة هورنسي، لوجدنا أن «أورستيد» تعمل على بناء ثالث مشروع لتوليد الطاقة بسعة لا تقل عن 1 غيغاواط. وتولد 12 مزرعة رياح تابعة للشركة في المملكة المتحدة ما يكفي من الطاقة لتزويد ستة ملايين منزل بها. وقد يكون ذلك مفيداً إذا ما كنا نقصد تقليل اعتماديتنا على الوقود الأحفوري.

لقد حلقت أسهم «أورستيد» لبعض الوقت إلى تقييمات عالية للغاية، بتسعير يقارب 56 ضعفاً للأرباح في 2021 وها هي تقريباً الفترة التي بعت فيها أسهمي. ثم هوت الأسهم منذ ذلك الحين بنسبة 60% رغم أن السوق صاعدة إلى قرابة 18 ضعفاً للأرباح.

وبصفة عامة، فقد سجلت الاستثمارات في الطاقة المتجددة أداءً ضعيفاً بصفة عامة في الأعوام القليلة الماضية، نتيجة تراجع الحماس، كما كانت هناك مشكلات متعلقة بالإدارة، فضلاً عن تزايد عدم اليقين السياسي.

ربما ترغب في الاستثمار في مستقبل الطاقة النظيفة، وتظهر البحوث رغبة الكثيرين في الأمر، لكن كيف ستفعل ذلك؟، حسناً، يتحتم عليك توخي الحذر، بما أنها حقبة تتحكم فيها السياسة بالأمر، فالمد السياسي الذي غذى الاستثمار في الطاقة المتجددة يبدو وكأنه ينحسر. ومن المرجح أن يؤدي التحول إلى اليمين في الانتخابات الأوروبية إلى انهيار القواعد البيئية.

وتعد الطاقة نوعاً من الأعمال التي تخضع للكثير من القواعد التنظيمية، وهناك إعانات وضرائب استثنائية ومدفوعات تخص حقوق ملكية التنقيب عن النفط، إلى جانب ائتمانات الكربون على مزارع الرياح، فضلاً عن الكثير غير ذلك. ويقع مكتب أسواق الغاز والكهرباء في المملكة المتحدة وسط كل هذا.

وحتى في الولايات المتحدة، أرض الحرية، ينتخب الناس مسؤولي تنظيم المرافق في ولاياتهم. وفي ولاية تكساس، حيث تترسخ الشكوك تجاه التغير المناخي في الهوية السياسية لبعض الجمهوريين، سحبت تفويضات بمليارات الدولارات لإدارة الأموال العامة من الصناديق التي ينظر إليها على أنها تسحب استثماراتها من شركات النفط، ما يؤثر على أداء الأسهم.

ويشير اليمينيون إلى أن الذين تصدر عنهم أعلى التحذيرات بشأن المناخ غالباً ما يكون لديهم شيء يبيعونه، ومصالح مثل خدمات استشارية بمجال البيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة أو منتجات عالية التكلفة متعلقة بانتقال الطاقة لكنها لا تحقق سوى تأثير ضئيل.

خلاصة القول، لا تتخذ الشركات التي يرغب البعض بشراء أسهمها غالبية القرارات المصيرية طويلة المدى، وإنما الساسة. ويعد قرار أنجيلا ميركل بإغلاق كل محطات الطاقة النووية في ألمانيا بعد واقعة فوكوشيما باليابان مثالاً جيداً على ذلك.

لا أقول ذلك كثيراً، لكن لنكن منصفين في حديثنا عن الساسة، أو بعضهم على الأقل، فصعوبة التنبؤ بقراراتهم ليست مفاجئة، في ضوء القرارات شديدة الصعوبة التي يكونون مطالبين باتخاذها.

وتعزز فكرة الصافي الصفري للانبعاثات من تعقيد الأمور، فقد أصبح العالم أكثر كفاءة في استغلال الطاقة. وتستهلك إضاءات «ليد» التي ترغم على شرائها طاقة أقل بنسبة 90% مقارنة بالمصابيح المتوهجة التقليدية. لكن على الجانب الآخر، سيكون الذكاء الاصطناعي متعطشاً للطاقة. ويشير «غولدمان ساكس»، إلى أن «تشات جي بي تي» يحتاج في إجابته عن استفسار ما لطاقة كهربائية أكبر بواقع 10 مرات مقارنة بالبحث على «غوغل».

وتشكل مراكز البيانات ما يقل عن 2% من الاستهلاك العالمي للطاقة، لكن هذه النسبة ستتضاعف بحلول 2030. ويرجح حاجة مراكز البيانات في الولايات المتحدة إلى 8% من الطاقة بحلول ذلك الوقت. ويمثل إنتاج مزيد من الطاقة دون تسريع المشكلات المناخية تحدياً سياسياً، وقد يتنقل الساسة بين مختلف خطط الإنفاق دون معرفة أي الاستراتيجيات أفضل للبيئة.

ولنأخذ ألواح الطاقة الشمسية مثالاً على ذلك، التي أصبحت أكثر كفاءة من حيث التكلفة مقارنة بطاقة الرياح مع انخفاض أسعار الألواح وازدياد كفاءتها، لكن لجنة المراجعة البيئية في البرلمان البريطاني لفتت إلى أن نشر الألواح الشمسية «خروج كبير عن المسار». ويمكن إلقاء اللوم في ذلك على عقبات التخطيط. كذلك، فقد فشل آخر مزاد لمزارع الرياح البحرية في اجتذاب أي من مقدمي العروض، بسبب تحديد الحكومة مبلغاً ضئيلاً للغاية لدعم إنتاج الطاقة.

وتتطلب الطاقة المتجددة تخزيناً أفضل، سواء البطاريات أم الهيدروجين. ويعد الهيدروجين الأخضر في واقع الأمر بطارية لكنه يحتاج إلى أن يكون أكثر كفاءة، في ضوء الحاجة لـ 50 كيلو واط من الطاقة لإنتاج هيدروجين بما يعادل طاقة بقيمة 33 كيلو واط.

كذلك، بات ينظر إلى الطاقة النووية على أنها عنصر أساسي في الاقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية، خصوصاً المنشآت النووية الصغيرة المعتمدة على مفاعلات صغيرة الحجم على غرار تلك التي تشغل الغواصات.

لكن يتوقف العائد على الاستثمار على كفاءة تخزين الكهرباء حينما يكون الطلب منخفضاً. وإذا ما اتخذ قرار تشييد مفاعل نووي جديد، فقد تستغرق عملية البناء وقتاً، بافتراض قدرتك على إيجاد العمالة المطلوبة، كما يطيل التخطيط من أمد الجداول الزمنية.

وكثيراً ما تعتمد أي مبادرة خضراء على واحدة أخرى، فيعتمد التحول إلى السيارات الكهربائية على البنية التحتية للشحن التي تقل عن المطلوب على سبيل المثال. ويطرح ذلك تساؤلين، ما هي الطرق الأفضل لدعم الساسة للانتقال إلى صاف صفري للانبعاثات؟، وما دور المستثمرين في ذلك؟.

لذلك، فأنا قلق بشأن خطط حزب العمال البريطاني لتأسيس شركة للطاقة مملوكة للحكومة، إذ من شأن الاستثمارات الحكومية الرامية إلى زيادة حجم تكنولوجيا البطاريات الجديدة وتطويرها أن تقلل كثيراً من تكاليف الوحدة وتعزز الصناعة في انطلاقتها، لكن استخدام الضرائب على شركات الوقود الأحفوري المحلية للسيطرة على نظام الطاقة لدينا، يثير مخاطر إبعاد الاستثمارات الخاصة الضرورية.

وقد خفضت «ناشونال غريد» خلال الشهر الماضي من توزيعات الأرباح وأعلنت زيادة حادة في الاستثمارات الرأسمالية. ويبدو أن إدارة الشركة استقرت على فعل المزيد للدولة على حساب المساهمين، في ضوء تنبؤ استطلاعات الرأي بتحقيق حزب العمال نصراً في الانتخابات المقبلة. وقد تؤيد هذا، بيد أن الأمر لم يحظ بموافقة المستثمرين.

ولذلك، تراجعت أسهم الشركة بنسبة 10% في أعقاب الإفصاح. إن المستثمرين بحاجة إلى حوافز. ويعد الناخبون في الولايات المتحدة أكثر ارتياحاً تجاه شركات الطاقة الخاصة التي تجني الأرباح في مقابل تقديمها خدمات عامة.

وقد يكون دونالد ترامب متشككاً في التغير المناخي، لكن من المستبعد تفكيكه لقانون الحد من التضخم الذي أقره الرئيس جو بايدن والذي يمنح امتيازات ضريبية للاستثمار في الطاقة المتجددة، إذا ما عاد الأول إلى البيت الأبيض. وتجدر الإشارة هنا إلى قفزة أسهم «فيرست سولار»، شركة الطاقة الشمسية الأمريكية الأبرز، بأكثر من 50% خلال الربع الماضي.

يساورني الآن الكثير من القلق تجاه الاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة، خصوصاً في المملكة المتحدة وأوروبا، في ضوء التعقيد الذي يتسم به الوضع السياسي وخطر انخفاض العوائد على رأس المال الخاص جراء ازدياد مشاركة القطاع العام في المملكة المتحدة.

وأرى في المقابل أن أكبر الفرص تكمن الآن في مجال زيادة كفاءة الطاقة. وعلى سبيل المثال تعمل شركات تكييف الهواء العالمية الرائدة مثل «ترين تكنولوجيز»، و«دايكن» بكد لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في مكيفاتها.

كما تبدو خطوط السكك الحديدية لنقل البضائع جذابة، لأنها تنتج قدراً أقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بالنقل البري عن طريق الطرق. وبالنسبة لشركات المرافق العامة، فرغم شعوري بالتعاطف مع إداراتها، لكنني لن استثمر بها.