فقدان الثقة يخيّم على عالم العمل من المنزل

خلال الشهر الجاري، أقال بنك «ويلز فارغو» الأمريكي أكثر من 12 موظفاً، بعدما أظهر تحقيق داخلي أنهم يحاكون نشاط لوحة المفاتيح لخلق انطباع بأنهم «منخرطون في العمل».

وليس من الواضح على وجه التحديد ما إذا كان هؤلاء الموظفون يقومون به، لكن منذ أن حولت الجائحة العمل المكتبي إلى المنازل ارتفعت مبيعات ما يسمى «محركات الفأرة»، وغيرها من الأجهزة، التي تهدف إلى محاكاة العمل. ويرجع جزء من هذا الاتجاه إلى استخدام بعض الشركات الكبرى أدوات تقنية خاصة لمراقبة أنشطة الموظفين، مثل تتبع النقرات على لوحة المفاتيح وعمليات البحث على المواقع.

وتستخدم هذه الأجهزة عادة في أماكن العمل، التي تفتقر إلى الثقة بين الرؤساء والموظفين، ويكون هناك ميل للاعتقاد بأن العوامل القابلة للقياس فقط هي التي يمكن إدارتها، لكن من شأن المراقبة الصارمة للموظفين أن تشجع على التلاعب بالنظام.

رغم ذلك، لا تزال هناك أسئلة أهم بحاجة إلى الطرح حيال سلوكيات العمل خارج المكتب. على سبيل المثال هل يمكن للموظفين إجراء مكالمات حساسة قانونياً من مساحات العمل المشتركة؟ وماذا عن التحدث الحر مع الفريق أثناء قيادة الموظف سيارته إلى مكتب البريد؟ هل يتحمل صاحب العمل المسؤولية حال وقوع حادث؟

ثمّة مسألة أخرى وهي ما إذا كان ينبغي على أرباب العمل الاهتمام بقدرة الموظفين على الفصل بين العمل والحياة الشخصية وليس فقط الإنتاجية.

لذلك طلبت شركة الإسكان البريطانية «أستر غروب» إجراء دراسة لفهم شعور الموظفين تجاه العمل الهجين، ووجدت أنه على الرغم من ميل الموظفين لإنجاز المهام الحياتية أثناء ساعات العمل، إلا أن ذلك يحدث تشتتاً كبيراً بين مسؤوليات المنزل والعمل، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى زيادة شعور الموظفين بالإرهاق والتشتت والإجهاد.

وأشار مؤلفو الدراسة، التي أجرتها شركة «بيبو ستوديو»، وهي شركة استشارية متخصصة في تصميم بيئات مستدامة، إلى أن «الناس يحاولون إنجاز جميع المهام، بسبب غياب حدود اجتماعية واضحة»، وأضافوا أن «التبديل بين الأنشطة له عواقبه– فقد يبدو تعدد المهام عملياً، لكنه في الواقع يقطع حبل أفكارنا، ما يعني إيلاء اهتمام أقل للمهمة التي بين أيدينا، ونصبح بالتالي أقل إنتاجية وأكثر تشتتاً، كما يقوض إحساسنا بالسيطرة الكاملة».

وحالياً يوصي الباحثون بتدخل أكبر للمديرين للمساعدة في إدارة إيقاع ساعات العمل من المنزل. وتساءلت هارييت شورت، الأستاذة المساعدة في الدراسات التنظيمية بكلية بريستول لإدارة الأعمال، والتي أجرت البحث لصالح شركة بيبو ستوديو: «إذا استغل الناس فترات الراحة لاصطحاب الأطفال من المدرسة، فهل سيكون هناك حقاً وقت للراحة؟».

وتقترح شورت أن يحفز المديرون فرقهم للنظر في كيفية الوصول إلى فصل فعال بين العمل والمسؤوليات الشخصية، لتجنب الإجهاد أو التشتت أو الشعور بالامتعاض من تحول غرف المعيشة إلى مكان للعمل. وتضيف: «ربما يمكن للمديرين التفكير في كيفية تشجيع الموظفين على تسجيل سلوكهم حتى يتمكنوا من تغيير طريقة العمل». أي أن الأمل معقود على كتابة الموظفين أفعالهم وأوقاتهم بدقة لتعزيز التنظيم الذاتي، وتمكين المديرين من التدخل عند الحاجة.

وذكرت أستر أن هدفها هو تعزيز رفاهية موظفيها، وقد يقترح آخرون أن الاستفسار عن المهام المنزلية، التي تشغل ساعات العمل هو شكل من أشكال المراقبة، وإذا اقترح المدير على الموظفين متى يمكنهم القيام بغسيل الملابس أو التسوق الأسبوعي فلا شك أنهم سيواجهون اتهامات بتجاوز الحدود.

وعلى أية حالة، كم هو العدد المتوقع للموظفين، الذين سيفصحون صراحة عن أي معلومات؟ والأهم من ذلك هل سيكون أصحاب العمل على استعداد لإضافة أعباء إلى جدول أعمالهم؟ لا سيما أن الكثير منهم اتسع نطاق أدوارهم ويتحملون مسؤولية متزايدة عن الصحة النفسية للموظفين.

من المرجح أن تثير التقارير الأخيرة من بنك «ويلز فارغو» قلق المديرين الذين لديهم مخاوف بالفعل حيال تباطؤ الموظفين العاملين عن بُعد. وثمة لحظات يحتاج فيها المديرون إلى التدخل، كما هو الحال عندما يعتقدون أن الموظفين يأخذون إجازة دون إبلاغ مديرهم، والأرجح هو أن الموظفين يستفيدون إلى أقصى حد من «اللحظات الفاصلة» خلال ساعات العمل لإنجاز مهامهم.

وكانت أغلب الشركات واضحة حيال المبادئ الأساسية للعمل عن بُعد، حيث حددت ساعات العمل المتوقعة، وكيفية تعاون الموظفين والتواصل وتوثيق عملية صنع القرار، وكيفية تخزين البيانات، وما هي حقوقهم القانونية لمن يختار العمل من المنزل. عموماً فإنه مع رسوخ العمل الهجين فمن المرجح أن يحتاج المديرون إلى الانخراط أكثر في الحياة الشخصية لموظفيهم، سواء طوعاً أو كرهاً.

الأكثر مشاركة