دوّامة الأزمة المناخية الحادة.. هل من مخرج حقاً؟

إلى أين ستتجه هذا الصيف؟ ربما تفضل التوجه لرؤية «جزر المالديف» أو البندقية قبل أن تغرقا تحت الأمواج، أو ربما تفضل مثل النخبة أن تستقل طائرة خاصة على خطى تايلور سويفت، التي بدأت رحلاتها كثيفة الكربون تثير قلق المعارضين والمعجبين على حد سواء.

هذه هي مفارقة التغير المناخي، فكلما أصبح من الواضح أن الطقس يتغير بدا أننا أصبحنا أكثر تصميماً على الاستمتاع باللحظات الأخيرة. وخلال هذا الأسبوع قابلت شخصاً اشترى منزلاً ثانياً فضل أن يكون في إسبانيا، وقد اعترف لي أنه قرار غير عقلاني، لأنه سيزيد بصمته الكربونية، وقد يصبح غير مأهول خلال عدة فترات من السنة، إلا أن البشر في أغلبيهم قصيرو النظر يسعون وراء المتع العاجلة والمكانة.

وعلى غرار المصرفيين، الذين دفعوا النظام المالي إلى حافة الانهيار عام 2008 فإننا نسعى لمواصلة الرقص إلى أن تتوقف الموسيقى تماماً. ولا يعني ذلك إنكاراً، بل أشبه ما يكون بنوع من تقبل القدر الحتمي، ولا هو أيضاً يشبه فيلم «لا تنظر لأعلى»– الفيلم العبقري الساخر، الذي يدور حول تجاهلنا لظاهرة الاحتباس الحراري.. إنه في الواقع «انظر لأعلى ثم استسلم».

وكأفراد نحن نشعر بالعجز. وفي المملكة المتحدة ندرك أن بلدنا صغير ومساهمتنا أصغر. وقد ركنا إلى القول: إن التكنولوجيا ستوفر حلاً أو إن الحكومات ستعالج المشكلة، لنتهرب من المسؤولية،

لكن الغضب يتصاعد إزاء نفاق النخب، وعدم كفاءة الحكومات، ففي أوروبا يستغل الشعبويون اليمينيون ردة الفعل العنيفة ضد الزعماء، الذين يفرضون سياسات خضراء على المواطنين الفقراء، في حين أنهم لا يقدمون أي تضحيات. ويتظاهر المزارعون في بلجيكا وفرنسا وهولندا وبولندا ضد الضرائب المفروضة على الوقود ومحاولات حظر الأسمدة الكيميائية، معتبرين أن ذلك يهدد سبل عيشهم.

وعندما أدى حظر الأسمدة في سريلانكا إلى أزمة غذائية، سارع تاكر كارلسون، المذيع والصحفي الأمريكي إلى وصف البلاد بأنها «ضحية للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة» على قناة «فوكس نيوز»، وعندما أجريت مقابلة مع مجموعة مزارعين هولنديين، فقد وصفوا الزعيم الهولندي المنتهية ولايته مارك روته بأنه كان «رجل دافوس»، وأحد أهل المدن المتحضرين المحنكين، الذين يجوبون العالم لحضور القمم والمؤتمرات.

إن مكافحة التغير المناخي يجب أن تكون دائماً مسعى مشتركاً، تقوده حكومات صادقة بشأن التعامل الجدي مع التحديات، إلا أنني لا أشعر بذلك، ففي العام الماضي كانت هناك ضجة عندما تعهد حزب «الحرية» الهولندي اليميني المتطرف بانسحاب هولندا من اتفاقية باريس للمناخ، فيما كانت هناك تغطية أقل كثيراً للحقيقة الصارخة بأن العالم بعيد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف باريس، وفقاً للأمم المتحدة نفسها.

ويؤيد أغلبية الناخبين الأوروبيين اتخاذ إجراءات فعالة تتعلق بالتغير المناخي، لكنهم ليسوا أغبياء، حيث تستخدم الضرائب المفروضة عليهم في دعم الوقود الأحفوري بمبالغ قياسية رغم الوعود بإلغائه تدريجياً.

ويقوم الاتحاد الأوروبي بقطع الغابات القديمة لحرق حبيبات خشب، بعضها تم شحنه من أمريكا في محطات طاقة الكتلة الحيوية، التي تم تصنيفها بطريقة ما على أنها «متجددة». وتحرق ألمانيا، التي كانت تعتمد على النفط الروسي بشكل مفرط، الفحم البني، وهو أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً للبيئة، بعد إغلاق جميع محطاتها النووية.

في الوقت نفسه يحث الساسة المواطنين على شراء سيارات كهربائية باهظة الثمن، رغم المخاوف المتزايدة حيال الانبعاثات الكربونية طوال دورة حياة السيارات العاملة ببطاريات الليثيوم، ويحاول المشاهير التأثير في الجمهور، لكنهم يفشلون في ممارسة ما يعظون به. في مثل هذه الظروف، لماذا إذن يجب على الناس العاديين أن يكلفوا أنفسهم عناء تقديم التضحيات.

المسألة معقدة بطبيعة الحال. وفيما نناقش كل هذه القضايا يواصل جيلي الانتفاع بالوضع الحالي وتجاهل المستقبل، بينما يطغى على جيل الشباب مشاعر الحزن بشكل دوري: مزيج غريب من الحزن والذنب والخوف، الذي بدأ علماء النفس في تسميته بالقلق المناخي.

واليأس ليس حلاً، فخلال ندوة عقدت مؤخراً بشأن الحزن المناخي، أوصى الخبراء بأن إحدى طرق تجنبه هو اتخاذ الإجراءات، مهما كانت صغيرة، لاستعادة بعض الشعور بالسيطرة، واقترحوا التخلي عن اللحوم، أو زراعة شجرة، أو الانضمام إلى مجموعة محلية.

ولسنا جميعاً عاجزين بالقدر نفسه، حيث يمكن للطبقة المتوسطة في الدول الغنية أن يكون لها تأثير هائل إذا غيرت سلوكها، ولا يرجع ذلك إلى أننا نطلق أكبر قدر من الكربون فحسب، بل أيضاً لأن ميسوري الحال يمكنهم تحديد نغمة اللحن، فالدول الصناعية تحاكي الأنظمة الغذائية الأمريكية وناطحات السحاب، ويشتري محبو الأسر الملكية أزياء الأميرة كاثرين، كما ترمز تيسلا للمكانة الاجتماعية.

وتقسم دراسة أمريكية حديثة الناس في هذا السياق إلى فئتين: «المتشككون» (عادة أصغر سناً وأقل تعليماً ومن الذكور)، و«المتشائمون»، الذين يؤمنون بالعلم، لكنهم لا يتخذون أي إجراء، وتشير الدراسة إلى أن المتشككين يتجاوبون بشكل فعال للحوافز المالية، مثل تعويض المزارعين عن خسائرهم، فيما من المرجح أن يتأثر المتشائمون بدوائرهم الاجتماعية، وهذا يمثل تحدياً أكبر.

ومع ذلك فقد أصبح التحول إلى نظام الغذاء النباتي وارتداء الملابس القديمة شيئاً عصرياً الآن، وتظهر نماذج يحتذى بها، فإريك آدامز، عمدة نيويورك، ضابط شرطة سابق، وليس من الهيبيز، نباتي، وهذا ما يعزز مصداقيته عندما يدعو إلى إزالة اللحوم من قوائم الطعام بالمدارس.

وهناك أيضاً إجراءات يمكننا القيام بها، حيث يمكننا تحقيق قفزة كبيرة: 6 تغييرات في أنماط حياتنا يمكن أن تحد انبعاثات الكربون بمقدار الربع، وذلك وفقاً لتحليل أجرته مجموعة المدن «سي 40» و«أروب»، وأبرز هذه التغييرات اعتماد طعام غذائي نباتي في المقام الأول، وشراء 3 قطع ملابس جديدة فقط سنوياً، وتقليل السفر الجوي بدرجة كبيرة، والاحتفاظ بالأجهزة الإلكترونية لمدة 7 سنوات، بدلاً من تحديثها باستمرار، فإذا فعلنا جميعاً ذلك، فسرعان ما سيصبح هذا هو الوضع الطبيعي قريباً.

وكنت أعتقد أنه إذا فشلت كل الطرق الأخرى، ولم يحقق العلم اختراقاً، واستمرت شركات النفط في الضغط فإن التغيير سيأتي في الساعة قبل الأخيرة، بسبب الواقع المرئي والمحسوس لتغيرات المناخ، لكنني كنت على خطأ، لذلك يجب علينا بكل جدية التصدي لهذه الأزمة الحادة، فهو أسوأ مصير يمكن أن نقع فيه.