الشباب لا يفضلون الخصوصية على الإنترنت

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الهواتف الذكية مصدراً مثالياً للمتربصين عبر الكثير من بيانات تحديد الموقع الجاهزة للمشاركة، حيث يسمح لك هذا المخزون الكبير من البيانات بتتبع طلبية توصيل الطعام وهي تقترب من باب منزلك والتعرف إلى المطاعم القريبة كما يمكن استخدامه لتتبع مسارك، فتتبع المواقع أصبح دقيقاً للغاية بحيث يمكنه تحديد موقع شخص ما ضمن حشد كبير من الناس.

لذلك، يتم الترويج لهذه التقنية أنها مفيدة وليست مخيفة، لكن ما الحد المقبول للمراقبة عبر الإنترنت؟ هناك اتفاق جماعي على أنه لا يوجد حد مثالي. ويحاول المدافعون عن الخصوصية الحد من المعلومات التي نشاركها، وبيع حواسيب محمولة مزودة بأغطية مدمجة للكاميرات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تراجعت شركة مايكروسوفت عن خططها لإضافة ميزة جديدة لالتقاط صورة لشاشة جهاز المستخدم كل 5 ثوانٍ لتدريب الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يتم تنزيل تطبيقات تتبع الموقع طوعاً، مثل «لايف 360».

ويعتمد مدى شعبية هذه التطبيقات على عمرك. وشخصياً، لا أحب فكرة خضوعي للمراقبة، ولا سيما أن تحركاتي مملة للغاية. وقد كشف استطلاع سريع لأصدقاء أن من هم مثلي في الأربعينيات من عمرهم وما فوق، إما لم يكن لديهم فكرة عن إمكانية استخدام هواتفهم بهذه الطريقة أو لا يهتمون بذلك. وعلى حد تعبير أحدهم «فكرة الظهور كنقطة على خريطة شخص آخر تذكرنا بالأجهزة البائسة المزروعة في أذرع أفراد ضد إرادتهم».

لكن يبدو أن الأصدقاء الذين تقل أعمارهم عن ذلك بعشر سنوات أو نحو ذلك يتعقبون البعض بحرية. ويحتفظ أحد أقربائي البالغ من العمر 29 عاماً بموقع صديقته كخلفية لشاشة قفل الهاتف. ولا يجد أي منهما فكرة المراقبة أو التتبع بهذه الطريقة مقلقة، ويزعمون أن ذلك يمنحهم الشعور بالأمان.

ولا يرجع ذلك إلى إغفالهم أهمية الخصوصية عبر الإنترنت، بل لأنهم واقعيون حيال خيارات الخصوصية المتاحة. ويدركون أنه إذا كنت تمتلك هاتفاً ذكياً ولا ترغب في إغلاق الأدوات المفيدة، مثل الخرائط، فإن موقعك يخضع للمراقبة بالفعل. وبما أن مطوري التطبيقات ومصنعي الهواتف الذكية والمعلنين يتتبعون موقعك، فلماذا لا تشارك هذه المعلومات مع أشخاص تعرفهم؟

إلى جانب ذلك، فإنه حتى بعد إيقاف تشغيل الميزات قد تظل خاضعاً للمراقبة. وفي العام الماضي، وافقت شركة غوغل على تسوية الدعاوى القضائية بالموافقة على دفع 93 مليون دولار بعد اتهامات بجمع بيانات تحديد المواقع حتى بعد قيام المستخدمين بوقف تشغيل الإعدادات.

وتتبع المواقع موجود منذ أكثر من عقد. ففي عام 2010، أصدرت أبل تطبيق «Find My» أساساً لتمكين المستخدمين من تحديد موقع الهاتف المفقود، ثم تطور ليشمل مشاركة البيانات بين الأصدقاء. وفي العام نفسه، كشف فيسبوك عن ميزة «Places»، وهي ميزة تتيح للمستخدمين مشاركة مواقعهم، وشهدت هذه الفترة أيضاً عصر الشركات الناشئة للشبكات الاجتماعية القائمة على الموقع، مثل «فورسكوير».

لكن ما حول التتبع إلى متعة تبدو بريئة هو تقديم سناب شات للخريطة الافتراضية لمشاركة الموقع في عام 2017. ويمكن للمستخدمين رؤية أصدقائهم مجتمعين معاً على شكل صور كرتونية «Bitmojis» مبتسمة، حيث يبدو الأمر كأنه لعبة. وقارنت كاتبة في مجلة «باسل» التحقق من مواقع أصدقائها بلعب «ذا سيمز»، اللعبة المنتشرة لمحاكاة الحياة.

لكن إذا كنت تفكر في تتبع أشخاص تعرفهم، فثمة آداب يجب مراعاتها. فمن المقبول استخدام التتبع للتحقق من عودة صديقك للمنزل بأمان بعد قضاء ليلة في الخارج، على سبيل المثال، لكن ليس لمفاجأته في الشارع. كما يجب أن تفكر بعناية بشأن من تشارك بياناتك معه، وأن هذا يقتصر على العائلة والأصدقاء المقربين فقط، وليس للمعارف الجدد. لكن ثمة خطر التسبب في الإساءة هنا؛ فالتوقف عن مشاركة الموقع هو الشكل الجديد لقص شخص ما من الصور.

لذا، سألت قريبي، هل الأمر يشبه إلى حد ما القواعد المتعلقة بالهواتف المحمولة؟ من الناحية النظرية، يمكنك الاتصال بأي شخص في أي وقت من اليوم، لكن معظمنا اتفق على ترك بعضنا البعض للعيش في هدوء. وللأسف، لم يكن هذا التشبيه مناسباً، فبينما يسعد قريبي وأصدقاؤه باستخدام هواتفهم لتتبع بعضهم البعض، لكنهم لا يفكرون في استخدامها لإجراء المكالمات.

ويعد استخدام تتبع المواقع كإجراء للسلامة أمراً جذاباً، وخاصة للآباء المسنين والأطفال. لكن الخطر يكمن في تطبيع مشاركة المعلومات الشخصية إلى حد يصعب التراجع عنه. وحال شعورك بالراحة تجاه مشاركة موقعك مع العائلة والأصدقاء، فربما سيسرك يوماً ما مشاركته مع صاحب العمل أو حتى الوكالات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون مراقبة البيانات الجغرافية أداة مساعدة على تعديل السلوك. فقد أشار بحث أجراه قسم الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إلى أن قرابة نصف الأسر الأمريكية تستخدم بعض أشكال التتبع لأسباب تتعلق بالسلامة، لكن وجد كذلك أن مجرد إدراك الطفل أنه يتم تعقبه يمكن أن يغير سلوكه.

وقلة قليلة منا بمنأى عن هذا الضغط. ويوصف الإنترنت أحياناً كأنه «بانوبتيكون»، وتعني «مراقبة الكل» وهو نوع من السجون قام بتصميمه الفيلسوف الإنجليزي والمنظر الاجتماعي جيريمي بنثام في عام 1785. ومفهوم التصميم هو السماح بمراقب واحد لمراقبة جميع السجناء من دون أن يكون المسجونون قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا، حيث تراقب الشركات من خلال الإنترنت أنشطتنا من جميع الزوايا. ومن خلال تتبع بعضنا البعض، نزيد نحن بأنفسنا من قوة هذا النموذج.

كلمات دالة:
  • FT
Email