صعود أسهم الذكاء الاصطناعي يثير الكثير من المخاوف

منذ نهاية شهر مارس، تُعزى جميع مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بصورة أساسية، إلى أسهم الذكاء الاصطناعي والأسهم المقترنة به، وأرى هذا مقلقاً بحق. ويبدو لي أن السوق الصاعدة والمكلفة تاريخياً، والتي كانت ستشهد تراجعاً طفيفاً، لولا وجود فئة استثمارية محددة، قد تتحول إلى سوق راكدة، حال تراجعت الثقة حيال هذه الفئة. وتخيل، على سبيل المثال، ما يمكن أن يحدث حال قيام شركة إنفيديا بخفض توقعات الإيرادات، أو قيام إحدى الشركات الخمس الكبرى بتقليص ميزانيتها الاستثمارية.

والواضح أن التوقعات المتعلقة بالأسهم ضمن هالة الذكاء الاصطناعي مرتفعة، لكن لا تبدو تقديرات المحللين لنمو الإيرادات للعام المقبل وعام 2026 مبالغة للغاية، حيث يتوقع المحللون معدل نمو سنوي بنسبة 23 % لشركة إنفيديا خلال تلك المدة. وهو ما يمثل انخفاضاً في المعدل نوعاً ما، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، نمت إيرادات إنفيديا بنسبة 50 % سنوياً. وبالمثل، فإن معدلات نمو الإيرادات المقررة لمدة عامين للشركات الخمس الكبرى، هي عند معدلات نموها التاريخية الأخيرة أو أقل. ومن المتوقع كذلك أن تشهد حفنة من أسهم الرقائق، مثل: ميكرون وتكساس إنسترومنتس، وأنالوغ، ولام، تسارعاً كبيراً في الإيرادات.

فهل الارتفاع الأخير في فئة الذكاء الاصطناعي مدفوع برفع تقديرات الأرباح؟ بالنظر إلى تقديرات عام 2025، لا يبدو الأمر كذلك، فمنذ نهاية شهر مارس، كان الارتفاع في تقديرات الأرباح لفئة الذكاء الاصطناعي بكاملها دون 10 %. وكانت شركات أبل وأمازون وميكرون، هي الوحيدة التي شهدت زيادات جوهرية.

وليس مفاجئاً أن ما تغير بشكل جذري بشأن صعود أسهم الذكاء الاصطناعي، هو التقييمات، فخلال الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفعت نسب السعر إلى الأرباح لكل من إنفيديا وأبل وبرودكوم وكوالكوم، بأكثر من 20 %. وبالرجوع إلى شهر أكتوبر الماضي، عندما بدأ الارتفاع، زاد متوسط نسبة السعر إلى الأرباح (المتوسط التوافقي) لأسهم الذكاء الاصطناعي، بنسبة 50 % تقريباً. وهذه زيادة كبيرة، فكيف نفسر ذلك؟.

ربما يعكس الزخم ونزعة المخاطرة. إضافة إلى ذلك، قد يعكس توقعاً بأن قطاع الذكاء الاصطناعي سيحقق زيادة في الأرباح، تدوم لسنوات عديدة في المستقبل. بمعنى آخر، أنه رهان على الديناميكيات التنافسية داخل قطاع الذكاء الاصطناعي، بحيث لا تشتد فيه المنافسة، وسيكون الفائزون الحاليون – الشركات الخمس الكبرى، وشركات صناعة الرقائق الحالية – هم أنفسهم الرابحون على المدى الطويل.

وأعتقد أن الشطر الآخر من الرهان، وهو أن المرشحين الحاليين سيواصلون الغلبة، يبدو معقولاً. وفي قطاع التكنولوجيا، يشكل شغل الوظائف قوة، لدرجة أن الشركات يمكنها الاستفادة من مركزها القوي بالسوق في إحدى التقنيات، لترسيخ وجودها في تقنية أخرى (مثل تحول مايكروسوفت من أنظمة تشغيل الحواسيب المحمولة إلى الحوسبة السحابية).

وليس لدي فكرة عن كيفية تقييم الشطر الأول من الرهان، بأن الذكاء الاصطناعي لن يصبح معركة قائمة على كثافة رأس المال، حيث لا يجني أحد أرباحاً ضخمة. ولتقييم مدى استقرار الارتفاع، نحتاج أيضاً إلى فحص مدى أداء الأسهم غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي عن كثب، وإليكم أداء قطاعات مؤشر ستاندرد آند بورز 500، بعد استبعاد أسهم الذكاء الاصطناعي.

منذ شهر مارس، تراجعت الأسهم غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المجمل بنسبة 2 % (على أساس وزن السوق مجدداً)، وتراجعت 9 من أصل 11 قطاعاً. وثمة نمط واضح: أداء القطاعات الدفاعية (المرافق، السلع الأساسية، الرعاية الصحية) جيد نسبياً، وأداء القطاعات الدورية (الطاقة، والمواد، والصناعات، والكماليات)، ضعيف نسبياً. ويبدو أن السوق غير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، لديها نظرة متشائمة حيال الاقتصاد.

ومؤخراً، أشرنا إلى أن أحد أسباب تفوق أداء المرافق، ربما لأن أداءها كان دون المستوى لفترة طويلة، بدءاً من عام 2022، ما جعلها رخيصة. كما أن احتمالية خفض الأسعار، جعل عائداتها أكثر جاذبية. بالإضافة إلى ذلك، قرأت حجة أو حجتين مفادهما أن طفرة الذكاء الاصطناعي، المتعطشة للطاقة، ستؤدي إلى زيادة الطلب على الكهرباء. وفي المناخ الحالي، لن أستبعد امتداد الجدل حول الذكاء الاصطناعي إلى قطاع المرافق.

ومع ذلك، لا يزال التوجه الدفاعي للقطاع غير التابع للذكاء الاصطناعي في السوق واضحاً بما فيه الكفاية. والدليل الآخر على ذلك، قد يتمثل في الأداء المتميز لأسهم شركة أبل في الآونة الأخيرة، والذي يمثل نصف الزيادة في قيمة أسهم الشركات الخمس الكبرى منذ مارس. وتبدو شركة أبل كملاذ آمن، بفضل هوامشها المرتفعة، والإيرادات المتكررة، والولاء القوي للعملاء.

وأحد الضغوط الداخلية بشأن صعود أسهم الذكاء الاصطناعي، هو أن إيرادات شركة إنفيديا الرائدة، هي نفقات لبعض أكبر المستفيدين منها، الشركات الخمس الكبرى. وعلى المدى القصير، يشكل نجاح إنفيديا عبئاً على التدفقات النقدية لشركات التكنولوجيا الكبرى، التي تشتري معظم رقائق إنفيديا. وقد سلط تشارلز كارا، من شركة أبسولوت استراتيجي ريسيرش، الضوء مؤخراً على نقطة مثيرة للاهتمام، متعلقة بهذا الشأن، حيث يلفت إلى أن 40 % من إيرادات إنفيديا تأتي من مايكروسوفت وميتا وأمازون وغوغل، وأن الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإنفاق الرأسمالي لدى هذه الشركات ضئيلة، مقارنة بالنمو المتوقع في إيرادات إنفيديا.

تمثل الزيادة في الإنفاق الرأسمالي للشركات الأربع منذ العام المالي الماضي، وحتى 2025، والبالغة 54 مليار دولار، أكثر من 40 % من الزيادة المتوقعة في إيرادات إنفيديا، البالغة 100 مليار دولار. لكن من المفترض أن يذهب جزء فقط من الإنفاق الرأسمالي لشركات التكنولوجيا الكبرى، إلى وحدات معالجة الرسومات الخاصة بشركة إنفيديا، لذا، إما أن تتجه شركات التكنولوجيا الكبرى إلى إنفاق المزيد، أو تنخفض إيرادات إنفيديا.

وكتب كارا: «نخشى أن يكون ثمة مبالغة في تقدير التدفقات النقدية لقطاع التكنولوجيا أو مبيعات إنفيديا». وفي العام المقبل، قد يرتفع إنفاق شركات التكنولوجيا الأخرى مع إنفيديا بسرعة، ما يعوض أي نقص لدى شركات التكنولوجيا الكبرى. لكن سيشير ذلك إلى مدى القدرة التنافسية، التي قد يتمتع بها قطاع الذكاء الاصطناعي.