«محبطة لكنها ليست مفاجئة»، تلك الأخبار التي تشير إلى أن الشركات الكبرى تدعم دونالد ترامب ومارين لوبان، قبل الانتخابات التي ستجري نهاية هذا الأسبوع في فرنسا، وفي نوفمبر بالولايات المتحدة. لذا، لنردد معاً: الشركات الكبرى ليست حصناً ضد صعود اليمين الاستبدادي.
ومن الواضح أن من يتوقعون من الشركات الأمريكية كبح جماح هجوم ترامب على الديمقراطية والسياسات التجارية المفتوحة، لم يولوا اهتماماً كافياً بالتاريخ الأمريكي الحديث، أو تجربة القرن العشرين في أوروبا. ومن الواضح أيضاً أن الشركات الأمريكية على وجه الخصوص، سعيدة جداً بالحصول على المزايا الفورية للتخفيضات الضريبية، وإلغاء القيود التنظيمية، والتخلي عن الأهداف الأوسع لليبرالية الاقتصادية والسياسية.
إن فكرة انقلاب قطاع الأعمال (والجمهوريين المعتدلين المؤيدين لقطاع الأعمال)، على ترامب، بعد سنوات من السلبية، أمر مستبعد تماماً، مثل تعرضك لهجوم كتيبة من وحيد القرن الخرافي.
ومن المثير للسخرية أن الشركات التي كانت تتدرب على تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لسنوات، فشلت في الوقوف في طريق مثل هذه التهديدات للحريات الليبرالية. وبشكل عام، قبل وقت طويل من التهديد الشعبوي، فشلت الشركات الأوروبية والأمريكية، لفترة طويلة، في ممارسة ضغوط فعالة من أجل تطبيق سياسات التجارة العالمية المفتوحة.
لقد بدأ التعفن يتغلغل في النظام متعدد الأطراف منذ عقود، وسواء أعجبك الأمر أم لا، فإن «جولة أوروغواي» للمفاوضات التجارية التي اكتملت عام 1994، تدين بالكثير للضغوط التي مارستها الشركات، لا سيّما الشركات متعددة الجنسيات، للخدمات المالية التي فهمت النظام حقاً، وعملت به.
على النقيض من ذلك، مع اقتراب ما يسمى «جولة الدوحة» لمنظمة التجارة العالمية من الانهيار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الشركات غائبة بشكل متزايد - باستثناء جمعيات الأعمال الخاصة بها، التي استمرت في إرسال رسائل متكررة إلى صحيفة «فاينانشال تايمز»، وتتذمر إذا لم يتم نشرها. ولم يكلف اتحاد أصحاب العمل الألماني نفسه عناء حضور الاجتماع الوزاري المصيري في يوليو، حين انهارت جولة الدوحة. بدلاً من ذلك، كانت جنيف تعج خلال هذا الاجتماع بمنظمات المزارعين، التي كانت قلقة حيال رؤية تخفيضات في الإعانات والتعريفات، وكانت سعيدة للغاية بفشل الجولة.
لا يعني ذلك أن الشركات وجمعياتها لم تكن بناءة أبداً، فقد كانت المحادثات بين الحاضرين من القطاع الخاص في الاجتماع الوزاري الأخير لمنظمة التجارة العالمية في أبوظبي، أكثر التدخلات فائدة. ورغم أن هذا يزيل حاجزاً محدوداً للغاية، فإنه حتى عندما يكون لديها ما تقوله، فإن ضغط الشركات لا يؤثر كثيراً.
إذن، ما الذي كانت تطلبه الشركات؟ لكي نكون منصفين، كان هناك مزيد من الضغط باتجاه اتفاقيات التجارة التفضيلية، حيث يكون التقدم أسرع، والفوائد أسهل تحديداً. لكن حتى هناك، فشلت الشركات الأمريكية في منع رهاب التجارة السام من التسلل عبر واشنطن. وساعدت الضغوط التجارية في دفع اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، إلى مرحلة التوقيع في عام 2016، لكنها لم تتمكن من تمريرها عبر الكونغرس، قبل أن يأتي ترامب، ويسحب الولايات المتحدة كلياً من الصفقة.
ولم تساعد في حل الأمر الشركات والموظفون الكبار في الكابيتول، والذين عرقلوا الصفقة بسبب قضايا يومية، لا يمكن اعتبارها بالضبط تجارة حرة، بما في ذلك معارضة حماية الصحة العامة لاسترضاء لوبي التبغ، والرغبة في المزيد من حماية الملكية الفكرية للأدوية. كذلك، لم يكن هناك الكثير من الإحساس بالقضية الأكبر، المتمثلة في تقديم النموذج الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كمنافس يتحدى النموذج الصيني.
لقد وصلنا الآن إلى المرحلة التي تشعر فيها الممثلة التجارية الأمريكية، كاثرين تاي، بسعادة واضحة في تجاهل آراء الشركات، بما في ذلك التحول المفاجئ في السياسة الأمريكية بشأن التجارة الرقمية، ما أثار الغضب الشديد لصناعة التكنولوجيا. رغم ذلك، فإن بعض تفاعلات قطاع التكنولوجيا مع الحكومة، لم تكن مفيدة تماماً. إن احتمال خفض الضرائب وتخفيف القيود التنظيمية على التكنولوجيا، الذي ربما يعززه استمرار ضغوط النزعة التحررية في تفكير وادي السيليكون، والحاجة إلى دعم فائز محتمل، قد وضعت بعض أجزاء القطاع الديمقراطي القوي تقليدياً في طريق ترامب.
وفي أوروبا، ساعدت شركات صناعة السيارات الألمانية القوية الشهيرة، رغم دعمها للصفقات التجارية ذات التوجه التصديري، في إضعاف القدرة التنافسية الأوروبية، من خلال الضغط من أجل تبنّي نموذج الأعمال المعتاد المحبط. وبدلاً من مواجهة تحدي السيارات الكهربائية، ركز المصنعون على تحقيق مكاسب من التكنولوجيا الحالية، من خلال الضغط على صانعي السياسة لتأخير التخلص التدريجي من محركات البنزين، واقتراح حل «الوقود الإلكتروني» الوهمي بدلاً من ذلك. ونتيجة ذلك، هي أن الاتحاد الأوروبي يكافح الآن لإدارة انتقال صعب إلى السيارات الكهربائية، مع قطاع سيارات محلي سمح للصين بالتقدم أميالاً إلى الأمام.