الوضع في سوق العقارات الأمريكي يزداد سوءاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مارس الماضي، أكدت تعليقات فاينانشال تايمز أن سوق الإسكان في الولايات المتحدة كان عالقاً. وحالياً، لا يزال الوضع على حاله. ونظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الراهنة فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن الإسكان سيظل راكداً رغم قوة الاقتصاد وأن معظم الأسر الأمريكية ستظل عالقة في وسط دوامة دفع إيجارات مرتفعة، والتجول بين قوائم السماسرة بحثاً عن منازل لا يمكن تحمّل تكاليفها في النهاية.

بل يؤسفني أن أؤكد لكم أن الأمور تحولت بطريقة ما إلى أسوأ مما كنا نخشى. فقد بات سوق الإسكان مزيجاً قبيحاً من ضعف الطلب وانخفاض الاستثمار وزيادة العرض وارتفاع الأسعار، وهو مزيج يستحيل وجوده في عالم عادل ومنظم.

لنبدأ بالأرقام الرئيسية الواردة عن الأسبوع الماضي، فقد انخفضت تصاريح بناء المساكن الجديدة في شهر مايو، ما يمثل أخباراً سيئة لبلد يعتريه نقص مزمن في المساكن. فلماذا يكبح قطاع بناء المنازل نشاطه؟ ربما يرجع ذلك إلى تراجع مبيعات المنازل الجديدة في عام 2024 إلى ما دون مستويات عام 2019.

ولا تقتصر المشاكل على سوق المنازل الجديدة. ففي البداية، وطبقاً لبيانات شركة زيلو الأمريكية للتكنولوجيا العقارية كانت المبيعات تتراجع بوتيرة أبطأ، ورغم وصولها إلى نقطة التعادل، فقد عكست مسارها وبدأت في الانخفاض. ولم يتم تعويض العجز في المبيعات لعامي 2022 و2023، ولا يزال السوق متجمداً.

في الوقت نفسه، يتواصل ارتفاع أعداد المنازل المعروضة للبيع. وتتوافق بيانات الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين مع هذا الاتجاه، حيث تظهر زيادة أعداد المنازل بنسبة 18.5% على أساس سنوي خلال شهر مايو. وكانت الزيادة في أعداد المنازل الجديدة كافية لوقف زيادة أسعار أسهم شركات المقاولات منذ ربيع العام الجاري. لكن، بطريقة ما، لم تنخفض أسعار المنازل! وبعد توقف زيادة أسعار المنازل لفترة وجيزة خلال العام الماضي، عادت أسعارها للارتفاع بسرعة مرة أخرى.

ويلخّص ديفيد روزنبرغ من شركة روزنبرغ للأبحاث عبثية الوضع بدقة قائلاً «في سوق الإسكان، يبدو أن قوانين العرض والطلب لم تعد قابلة للتطبيق.. فالطلب عند أدنى مستوى له منذ 4 أشهر، والعرض عند أعلى مستوى له منذ 4 سنوات، لكن الأسعار بلغت مستويات غير مسبوقة».

ويبرز الرعب من هذا المزيج مؤشر القدرة على تحمل تكاليف ملكية المنازل الذي أصدره بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، الذي يقيس قدرة الأسرة الأمريكية التي تكسب دخلاً متوسطاً على تحمل تكلفة منزل متوسط السعر، بافتراض دفع دفعة أولية بنسبة 10%، وتخصيص 30% من الدخل كحد أقصى لنفقات السكن، حيث يبلغ المؤشر حالياً أدنى مستوياته منذ عام 2007، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. وفي السابق، كانت العقبة الرئيسة للقدرة على تحمل التكاليف هي السعر، لكن المشكلة الرئيسة الآن هي معدلات الرهن العقاري.

ومن باب الإنصاف، فإنه وفقاً للجمعية الوطنية للوسطاء العقاريين، فإن زيادة أسعار المنازل مدفوعة في الغالب بالمنازل التي تتجاوز قيمتها 500 ألف دولار، أي أعلى من المتوسط. وكما أشار ريك بالاسيوس من مركز جون بيرنز للأبحاث، فإن أسعار المنازل في أجزاء معينة من تكساس (أوستن وسان أنطونيو) وفلوريدا (ساراسوتا، بونتا غوردا، فورت مايرز) قد استوعبت واقع معدلات الرهن العقاري البالغة 7%، وهي الآن في انخفاض على أساس سنوي.

ويتوقع بالاسيوس نمواً مستمراً في المعروض، وأن تتعرض الأسعار لضغوط حتى تنخفض أسعار الرهن العقاري. وتشاطره نانسي فاندن هوتن، من جامعة أكسفورد للاقتصاد، وجهة النظر نفسها، قائلة: «أعتقد أننا سنبدأ رؤية تراجع الأسعار خلال الأشهر المقبلة. وبمعدلات الرهن العقاري والأسعار الحالية، فقد أصبح شراء المنازل بعيداً عن متناول أغلب الأسر. ومع ارتفاع المعروض، فإنه إذا رغب البائعون في بيع منازلهم، فسيضطرون إلى تقديم بعض التنازلات السعرية، على غرار ما حدث في عام 2022 ومطلع 2023. والفرق بين الآن وآنذاك هو أننا في عام 2022 كنا في بداية دورة رفع أسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي، فيما نحن الآن نقترب من بداية دورة خفض أسعار الفائدة؛ لذا، بينما قد نشهد بعض الانخفاض في أسعار المنازل قريباً، فإنني لا أتوقع انخفاضات حادة في الأسعار».

وشددت على أن الانخفاض الطفيف في الأسعار لن يكون كافياً لحل مشكلة القدرة على تحمل التكاليف ما لم تصبح الرهون العقارية أرخص بشكل جذري. وحتى ذلك الحين، ستظل سوق الإسكان في أمريكا تشكل مشكلة اجتماعية كبيرة وتوضح بشكل كبير سبب استياء المستهلكين رغم الاقتصاد القوي.

وأوضحت: «أما ما إذا كان التباطؤ الحالي في سوق الإسكان يشكل مشكلة اقتصادية كبيرة فهي مسألة أكثر تعقيداً. فلا يشكل الاستثمار في الإسكان جزءاً كبيراً من الاقتصاد الأمريكي، لكن تقلباته يمكن أن تكون ذات أهمية حتى وإن كانت هامشية. ففي عامي 2022 و2023، خفضت تقلباته نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو نصف نقطة مئوية، وفي عام 2021، أضاف نموه القدر نفسه».

وهذا يكفي لجذب انتباه الاحتياطي الفيدرالي خلال تحديد سياسة الفائدة، رغم أن القرارات التي تواجه البنك ليست بسيطة. ونرحب ببعض التهدئة في الاقتصاد، خاصة أن التضخم لم يصل بعد إلى 2%. في الوقت نفسه، ثمة حاجة لزيادة الاستثمار في الإسكان على المدى الطويل بدلاً من تقليله، للسيطرة على تضخم الإيجارات. كما أن الاحتياطي الفيدرالي لا يريد أن يؤدي انخفاض التوظيف في قطاع البناء إلى فقدان الوظائف على نطاق واسع أيضاً.

ويعتقد دون رسميلر من ستراتيغاس، أن الفوضى في سوق الإسكان توضح أن الوقت قد حان لكي يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة. وقال: «أنا أفسر بيانات الإسكان الأمريكية (السيئة) كإشارة إلى ضرورة تعديل أسعار السياسة النقدية.. ولا يزال ثمة إيجابيات في الولايات المتحدة، بمساعدة دعم السياسة المالية.. لكن لا يمكن الاعتماد على ذلك إلى الأبد. إن أجزاء من الاقتصاد الأمريكي الحساسة لأسعار الفائدة تتعرض بالفعل لضغوط. وإذا أراد البنك المركزي تحقيق هبوط سلس، يجب عليه البدء في تخفيف قيود السياسة قبل أن تتحول الثغرات البسيطة إلى فجوات واسعة».

ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل إذن هو توفير المزيد من المنازل بأسعار معقولة، وخاصة في مناطق النمو. ولا يمكن لانخفاض أسعار الفائدة تحقيق هذه الغاية بمفرده، كما أثبتت أسعار الفائدة بالغة الانخفاض في أعقاب الأزمة المالية، إضافة إلى ذلك، كشف تطبيع أسعار الفائدة أنه وسيلة بطيئة للغاية للسيطرة على الأسعار، الحل يكمن في أشياء أخرى.

كلمات دالة:
  • FT
Email