جهود التصحيح الهائل لأوضاع سوق العقارات في الصين لم تنتهِ بعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرت 3 سنوات منذ أن بدأ الركود في سوق العقارات بالصين، ما دفع العديد من المستثمرين إلى التساؤل عن توقيت بلوغه أدنى المستويات واستقراره. وبمقاييس عدة، فقد لمسنا عموماً واحدة من أكبر عمليات تصحيح سوق العقارات في التاريخ الاقتصادي.

لقد انخفضت مبيعات المنازل وأنشطة البناء بحدة. ووفقاً للحسابات باستخدام البيانات الرسمية، انخفضت مبيعات المنازل الجديدة في الصين إلى 850 مليون متر مربع، أو قرابة 8.5 ملايين وحدة سكنية، على أساس دوري، خلال الـ 12 شهراً الماضية. ويمثل هذا نصف المستوى السائد قبل 3 سنوات. كما انخفضت المساحات السكنية لمشاريع البناء إلى 620 مليون متر مربع، أي أقل بمقدار الثلثين عن ذروتها في مطلع عام 2021. وتراجعت حصة أنشطة العقارات والبناء إلى 12.9 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009، مقارنة بـ 15.2 % في عام 2020.

انخفاض الأسعار، في المقابل، كان أقل حدة. ووفقاً للبيانات الرسمية وبيانات الجهات الخارجية، انخفضت الأسعار بنحو 20 % في المتوسط بجميع أنحاء الصين خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن كان ثمة تباين إقليمي صارخ، حيث شهدت بعض المدن وصول الأسعار إلى الذروة قبل عام 2021 بكثير، ثم انخفضت بأكثر من النصف. وأفاد وكلاء العقارات أن بعض المجمعات السكنية فقدت أكثر من 75 % من قيمتها.

وتسببت عوامل دورية وهيكلية في حدوث عمليات التصحيح. وغالباً ما يُشار إلى الأسباب الدورية، ويُلقي الرأي الشائع باللوم على «الخطوط الحمراء الثلاث» في بكين، وهي سياسة لكبح الرافعة المالية في قطاع العقارات. ورغم أنها كانت مهمة، فقد تمت المبالغة في أهميتها. وعلى أية حال، تحولت سياسة بكين من التشديد الدوري إلى التيسير في موعد لا يتجاوز أواخر عام 2022. وبعد التغيير الأخير، باتت سياسات الإسكان الآن أكثر مرونة في معظم المناطق بالصين.

إن الأسواق لا تزال تعاني من التراجع. والأسواق منقسمة حول سبب عدم فعالية إجراءات التيسير التي اتخذتها بكين هذه المرة. وتشمل الأسباب المذكورة في الغالب تداعيات ما بعد «كورونا»، وتراجع ثقة المستهلك، والتحول شديد البطء والتدريجي في السياسات. ورغم أن هذه الأسباب معقولة، إلا أن العوامل الهيكلية تشكل القوة الأكبر الكامنة وراء التصحيح الحالي، مقارنة بالعوامل الدورية.

وهناك عموماً سببان أساسيان كانا يقودان الطلب على العقارات في الصين، على مدار العقود الثلاثة الماضية: تزايد عدد سكان المدن، وسعي الأشخاص لامتلاك شقق أكبر. فقد زاد عدد سكان الحضر بمتوسط 22 مليون نسمة سنوياً من عام 1995 إلى 2020، مع ارتفاع معدل التحضر من 29 % إلى 64 %. وتضاعفت مساحة المعيشة للشخص الواحد في المناطق الحضرية إلى 39 متراً مربعاً خلال هذه المدة.

ومن المتوقع استمرار نمو كل من مساحة المعيشة للشخص ومعدل التحضر. بيد أنه من غير المحتمل أن يكون النمو بنفس السرعة، بالنظر إلى مستوياته الحالية المرتفعة كثيراً. وهذا يعني انخفاضاً للطلب على المنازل الجديدة سنوياً.

وقد تباطأت وتيرة التحضر بالفعل. وبلغ متوسط الارتفاع السنوي في عدد السكان الحضريين 10 ملايين بين عامي 2021 و2023، أي أقل من نصف مستويات السنوات الـ 25 السابقة. ويعني تباطؤ وتيرة التحضر وحده، انخفاض الطلب على المنازل الجديدة إلى نحو 400 مليون متر مربع سنوياً، من نحو 900 مليون متر مربع. كما يعد نمو مساحة المعيشة أمراً مهماً، فزيادة مساحة المعيشة بمقدار 0.1 متر مربع لكل شخص، من شأنها أن تخلق طلباً على منازل جديدة، تصل إلى 90 مليون متر مربع، ومن ثم فإن أي انخفاض طفيف في النمو، قد يكون له تداعيات كبيرة.

والسؤال الجوهري هو متى ستصل سوق الإسكان في الصين إلى أدنى مستوياتها. في أفضل السيناريوهات، ستبدأ المبيعات في الاستقرار قرب نهاية العام. وتسير سوق العقارات نحو تمديد عمليات تصحيح سوق العقارات بحلول ذلك. ومن المحتمل انخفاض مبيعات المنازل الجديدة إلى 800 مليون متر مربع فقط، وانخفاض البناء في المساحات الجديدة إلى 500 مليون متر مربع سنوياً، بانخفاض 75 % عن ذروته.

وستكون عمليات التصحيح واسعة النطاق، عند النظر إلى تاريخ فترات الركود العقاري العالمية، وسيكون من المنطقي القول إنها قد تكون كافية لتعافي السوق، أو قد تمثل تصحيحاً مبالغاً فيه.

وسيستمر التوسع الحضري بالصين في خلق طلب على أكثر من 400 مليون متر مربع من المنازل الجديدة سنوياً. وطالما أن مساحة المعيشة ترتفع بمقدار 0.4 إلى 0.5 متر مربع سنوياً، أي نصف معدل الزيادة السنوية في العقدين الماضيين، فستخلق طلباً إضافياً قدره 400 مليون متر مربع للمنازل الجديدة سنوياً، بإجمالي 800 مليون متر مربع. وحال استقرار سوق العقارات، فإن الاقتصاد الصيني سيصبح في وضع أقوى بكثير في العام المقبل، بل يمكن لبكين إعلان النصر حيال تحقيق التحول الهيكلي للاقتصاد.

ومع ذلك، لا توجد ضمانات، لأن هذا كله يعتمد على افتراض أن مساحة المعيشة لكل شخص والتوسع الحضري، سيواصلان النمو بمعدل معتدل. والسيناريو الأسوأ، هو أن الزيادة ستكون أقل بكثير، أو ربما تكون معدومة. وهذا يعني أن السوق لن تشهد استقراراً بحلول نهاية العام، وستواصل السعي للوصول إلى نقطة القاع في عام 2025.

كلمات دالة:
  • FT
Email