مصاعب كبيرة أمام توجه شركات التعدين للتنوع الجندري

قضت دينشي نايدو مشوارها المهني في ترقي السلم الوظيفي بقطاع التعدين، ووصلت منذ فترة إلى قناعة بأن التغيّر في طريقة التفكير حيال النساء العاملات في هذه المهنة كان «مذهلاً». لكن الرئيسة السابقة لدى «فيل بيس ميتالز» المتخصصة في إنتاج النيكل والكوبالت، لاحظت بروز ردود أفعال سلبية مؤخراً.

وعند حصول المُرشحين من خلفيات متنوعة على الوظائف، بدأ بعض الرجال في القطاع باستخدام مصطلح التنوع والمساواة والاندماج، بطريقة سيئة تنتقص من الوافدين الجدد.

وقالت نايدو، البالغة من العمر 48 عاماً: تتناهى إلى مسامعي المزيد من الأصوات المناهضة لأيدلوجية «الووك» وهي المتعلقة باليقظة إزاء انتهاك حقوق الأقليات. وليس من المحسوم بعد ما إذا كان هذا الأمر سيتنامى أم لا، وتابعت: دائماً ما ننقاد إلى ما كانت عليه الأمور قبلاً، وليس إلى ما يجب أن تصير عليه الأمور.

وتشير التجربة التي تمر بها نايدو إلى مدى تهديد ردود الفعل السلبية العابرة للأطلسي إزاء مبادرات التنوع، التي هاجم فيها محافظون بارزون الجهود الرامية إلى الحد من انعدام المساواة بين الرجال والنساء. وفي قطاع التعدين، الذي يعد واحداً من القطاعات الأكثر تخلّفاً عن ركب المساواة بين الجنسين، فإن خطر خسارة المكاسب التي تحققت بشق الأنفس هائل بصفة خاصة.

وقد ذكرت ستيسي هوب، المديرة الإدارية لجماعة الضغط «وومن إن ماينينغ» في المملكة المتحدة: نشهد على مستوى العالم تأثيراً متزايداً لأندرو تيت حيث يستعيد الرجال السيطرة من جديد، وذلك في إشارة إلى المؤثر على شبكات التواصل الاجتماعي الذي يصف نفسه «كارهاً للمرأة». وأوضحت: نحن بحاجة إلى إشراك الرجال في هذه الرحلة لضمان أن يكونوا حلفاء لنا.

وهناك تغلغل لاعتقاد بأن ترقية النساء تتم استناداً إلى جنسهن وليس قدراتهن في صفوف الإداريين من المرتبة المتوسطة وعلى مستوى مجالس الإدارة، وذلك حسب تأكيد بعض القياديات. وسلّطت نايدو الضوء على تعرضها للاتهام بأنها شديدة العدوانية ولحوحة، وقالت: على المستوى التنفيذي، وعلى الرغم من المناصرين الموجودين، نبدو بعيدين جداً عما يجب أن نكون عليه، لافتة: ما زال القطاع يبدو كأنه قديم على مستوى القمة.

لقد حقق قطاع التعدين تقدماً ملحوظاً في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين على مدى العقد الماضي. وقفز عدد المديرات لدى أكبر 500 شركة في قطاع التعدين من 4.9% في 2012 إلى نحو 18% في 2022، بحسب شركة وايت آند كيس للمحاماة.

وتُعد جينا رينهارت، التي تتصدر قائمة الأكثر ثراء في أستراليا، واحدة من أبرز المسؤولات التنفيذيات في قطاع التعدين، وتملك إمبراطورية للحديد الخام وقررت تسيير شاحنات تعدين وردية اللون للتوعية بمرض سرطان الثدي.

لكن القطاع يظل بعيداً عن التكافؤ حيث تُظهر بيانات «وايت آند كيس» أن 16 من بين أكبر 100 مجموعة في قطاع التعدين لم تحظ بأي امرأة في مجالس إدارتها، كما لم تجلس امرأة على كرسي بمجلس الإدارة في واحدة من بين أربع شركات ضمن أكبر 500 شركة في القطاع. وعلى صعيد شركات التعدين «الصغيرة» التي تعمل في اكتشاف المناجم وتطويرها وتشكّل غالبية اللاعبين في المجال، لا يزال وضع التنوع مفجعاً.

وتأتي التحديات المتعلقة بتعيين النساء فيما يواجه قطاع التعدين، الضروري من أجل إنتاج المواد الخام اللازمة للتحول الدولي إلى الطاقة النظيفة، صعوبات في اجتذاب مزيد من الموظفين الأكثر مهارة. ونوه مسؤولون تنفيذيون بأن الشباب صاروا أكثر اهتماماً على نحو متزايد بأن يصبحوا مهندسي بيانات مقارنة باهتمامهم بأن يكونوا مهندسي تعدين.

وتوصلت شركة «ماكنزي» للاستشارات التي أجرت استطلاعاً شمل مسؤولي شركات التعدين، إلى إفادة 71% بأن نقص المهارات يعيقهم عن الوفاء بمُستهدفات الإنتاج وأهداف استراتيجية. وأجرت «بي دبليو سي» استطلاعاً منفصلاً، خَلُصَ إلى توقع ثلثي المسؤولين أن يكون لنقص المهارات تأثير كبير على الربحية في غضون 10 أعوام.

ويمثل الموقع تحدياً خاصاً بصناعات التعدين، إذ كثيراً ما تقع المناجم في مواقع نائية حول العالم. وفي بعض الأحيان، تتبنى المجتمعات الريفية التي تتواجد بها المناجم معايير مختلفة عن تلك التي تعتمدها الشركات الغربية، مما يعرّض العاملات إلى خطر العنف القائم على الجنس أو ردود أفعال سلبية من السكان المحليين.

وتأمل الصناعة، في سبيل الانسجام مع اهتمامات الجيل الجديد، في تنصيب نفسها باعتبارها أعمالاً مدفوعة بالتكنولوجيا والبيانات ولا تنطوي بالضرورة على أن يغطي الطين العاملين فيها في أثناء الحفر أو دخولهم إلى أعماق بعيدة تحت الأرض.

وتقول هيلدا ميريتي آشيم، التي أنهت الشهر الماضي مدتها البالغة خمسة أعوام كرئيسة تنفيذية لشركة «نورسك هايدرو»، أكبر منتجي الألومنيوم في أوروبا: لا أحبذ حديث الناس عن قطاعنا باعتباره صناعة ثقيلة. إنها كلمة قديمة، فالصناعة لم تعد تتعلق بالعمل الذي يتطلب قوة عضلية. بل تتعلق في الحقيقة بتقنيات عالية.

وترى ستيسي هوب من «وومن إن ماينينغ» أن تصور كون التعدين قاصراً على الذكور لم يفد القطاع تماماً في اجتذاب المرأة. وتحتاج الصناعة، وفق هوب، إلى أن تصبح مرئية أكثر لصغار السن، بما في ذلك باعتبارها قطاعاً ضرورياً من أجل الوفاء بالمُستهدفات الخضراء، مثل تقييد الانبعاثات لوضع حد للاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. وأسهبت: نحتاج إلى الشباب المبتكرين في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية، مضيفة: لا نبلي حسناً لكي نجعلها الصناعة التي تحتاج إلى شباب ومهارات متنوعة لدفع قاطرة هذا التغيير.

ومن الواضح أن فضائح الإدارات لا تسهم في تحسين هذه السمعة. فقد كشف تقرير صادر في 2022 عن ثقافة مكان العمل في مجموعة «ريو تينتو» البريطانية - الأسترالية للتعدين، أن التنمر والتمييز الجنسي كانا «منهجيين» في أماكن العمل، وهي نتيجة وصفها جاكوب ستوشولم، الرئيس التنفيذي للمجموعة، بأنها «مثيرة للقلق للغاية». وربطت ريو تينتو في الوقت الراهن أجور المسؤولين التنفيذيين جزئياً بأدائهم بشأن التنوع الجنسي، وستنشر هذا العام نتائج مراجعة أخرى تجريها.

وترى إليزابيث برودريك، مفوضة التمييز على أساس الجنس الأسترالية السابقة التي قادت الفريق المسؤول عن التقرير بشأن «ريو تينتو»، أن الوقائع التمييزية بقطاع التعدين ليست شكاوى معزولة عن بعضها بعضاً في مكان العمل، وإنما أعراض لثقافة متساهلة. ومع ذلك، تتحسن الأوضاع في أنحاء القطاع في بعض النواحي.

وتصف إيزابيث برودريك التعديل الجديد لقانون التمييز على أساس الجنس في أستراليا باعتباره تغييراً جذرياً في حمل أرباب الأعمال على أن يكونوا مسؤولين ليس فقط عن الاستجابة للشكاوى، وإنما باتخاذ إجراءات مانعة ليكون مكان العمل شاملاً للجميع. وتُعد هيلدا ميريتي آشيم من «نورسك هايدرو» واحدة من المستفيدات من المسؤولين الرجال الداعمين طوال مشوارها الوظيفي، الذي بدأ في مخبز عندما كانت مراهقة.

وقالت: لم أتقدم أبداً لشغل وظيفة، لكني حصلت على الكثير من الفرص لأني حظيت بمديرين محوريين رأوا إمكاناتي وتحدوني فيما يمكنني عمله. يتوجب علينا أن نكون نشطين عندما نكون في مناصب قيادية. وأشار البعض، في ضوء ردود الفعل السلبية إزاء التنوع والمساواة والاندماج، إلى حاجة المسؤولين التنفيذيين إلى تبني نهج أكثر استباقية في ترسيخ دعم تقدّم النساء في كافة أنحاء القوى العاملة.

وذكرت إليزابيث برودريك: نحن بحاجة إلى الاستماع لأوجه قلق الرجال بشأن تغيير تركيبة القوى العاملة وضمان الإنصات إلى مخاوفهم ومعالجتها. وأضافت: تعمل المؤسسات التي تزيد من تمثيل النساء ليس فقط على تغيير العقليات والسلوكيات، وإنما أيضاً على ترسيخ الاحترام اليومي في أنظمتها وهياكلها.

الأكثر مشاركة