بيانات المرضى «ذهب سائل» لتطوير الذكاء الاصطناعي لعلاجات الأمراض

فاقت الآلات ذكاء البشر بالفعل في لعب الشطرنج، وفي التعرف إلى أصوات الطيور والتنبؤ بالهياكل المعقدة للبروتينات، لكن حينما يتعلق الأمر بالأمور الذكية والبديهية، مثل البحث العلمي الأصيل، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن البشر ما زالوا يتمتعون بالأفضلية.

حالياً ربما نكون بحاجة إلى إعادة التفكير في ذلك، فخلال مؤتمر «آر إيه إيه آي إس» للذكاء الاصطناعي في لندن مؤخراً، ناقش دانيال كوهين، رئيس شركة «فالينس لابز» الكندية لاكتشاف العقاقير، إمكانية الاكتشاف العلمي المستقل، وهذا الأمر وإن كان مثيراً، إلا أنه محير ومقلق بعض الشيء، فقد تتمكن نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، المدربة على البيانات المتخصصة، من إنشاء فرضيات وتصميم وتنفيذ التجارب والتعلم من النتائج وتكرارها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وقال إن مهمتنا هي تصنيع مثل هذه الاكتشافات العلمية.

لست بحاجة لأن تتحدث طويلاً إلى عاملين في مجال الأحياء الحاسوبية، لتدرك حماسهم حيال الذكاء الاصطناعي، حتى إن شركة «جوجل ديب مايند» لأبحاث الذكاء الاصطناعي أنشأت شركة منفصلة، باسم «إيزومورفيك لابز»، لسبر أغوار هذا المجال، بعد أن صمم برنامجها «ألفا فولد» 200 مليون نموذج لبنى بروتينية.

ويعد هذا بقدرة علم الأحياء الحاسوبية على أن يساعد في تعزيز البحث العلمي، وتسريع اكتشاف العقاقير وتحسين نتائج المرضى، وتتمتع الآلات بعدد من الميزات مقارنة بالباحثين من البشر ومساعديهم في المعامل، حيث إنها لا تضطر إلى النوم أو أن تعاني من نزلات البرد أو مواجهة تداعيات الوقوع في العلاقات الفوضوية.

وقالت كريستينا كورتيس، أستاذة علم الوراثة والبيانات الطبية الحيوية في كلية الطب في جامعة ستانفورد: «أنا متحمسة للغاية بسبب الوتيرة، التي يتقدم بها المجال»، مضيفة: «سيغير هذا من الطريقة التي نفهم بها المرض، وكيفية اكتشافنا الأورام الخبيثة وكيفية معالجتها واعتراضها». وكانت كورتيس المؤلفة الرئيسية لورقة بحثية نشرت في مجلة «ساينس» الشهر الماضي، والتي تستكشف قابلية توريث الأورام الخبيثة في مجموعات فرعية مختلفة من السرطان.

وباستخدام تقنيات التعلم الآلي حلل الباحثون آلاف الجينومات من أفراد مصابين بأورام الثدي في مرحلتي ما قبل الانتشار والانتشار لاكتشاف الاختلافات في استجابتهم المناعية للمرض، وقد وجدوا أن الطريقة التي تطورت بها الخلايا السرطانية لدى الأفراد «منحوتة»، من خلال جينوم الخط الجرثومي، الذي ورثوه عند حدوث الحمل.

قد يؤدي هذا البحث إلى الكشف المبكر للمرض وعلاجات أكثر تخصيصاً، ما سيحسن فرص البقاء. وذكرت كورتيس: «تكون أكثر من 50% من التشخيصات بالسرطان إما في المرحلة الرابعة وإما بعد ذلك. وهكذا فإن المشكلة أننا نحصل على المعلومات في وقت متأخر للغاية للمساعدة في اتخاذ القرار»، وتابعت: «من الناحية المثالية بإمكاننا فعل ذلك بصورة استباقية بدرجة أكبر كثيراً».

ويبقى أن هناك عاملين مقيدين كبيرين: الأول أن الجينات تعطي تلميحات، لا إجابات، بحسب أحد المسؤولين التنفيذيين في الصناعة. وقد حددت الآلات الكثير من الأهداف في تطوير العقاقير، لكن لم يتم إنتاج إلا عدد قليل من المنتجات الناجحة. وحتى إن أدت التكنولوجيا إلى اكتشافات علمية فإن الحصول على الموافقات التنظيمية لعقار جديد يتطلب أعواماً كثيرة.

وساعد ثور غرايبل، الرئيس العالمي للعلوم الحاسوبية لدى «ألتوس لابز»، سابقاً في تطوير برنامج «ألفا غو» في «غوغل ديب مايند»، واعتبر فوز «ألفا غو» على أفضل لاعب على مستوى العالم في لعبة «غو» القديمة بمثابة تقدم مذهل في الذكاء الاصطناعي.

رغم ذلك أفاد غرايبل أمام مؤتمر «آر إيه إيه آي إس» بأن التعقيدات البيولوجية، التي تواجهه حالياً في بيولوجيا تجديد الخلايا كانت أكبر قياساً بالقيمة الأسية، وأوضح: «لم أر قط مثل هذا التعقيد».

ويتمثل القيد الثاني في ضآلة البيانات، وذهبت كريستينا كورتيس إلى أن بيانات المرضى بمثابة «ذهب سائل» بالنسبة للباحثين، لكن ليست لدينا بعد الآليات التي تمكننا من جمعها بانتظام، وتتمثل أكبر فائدة في جمع المعلومات الجينية للمريض والبيانات الصحية الطولية المجمعة على مدى حياتهم والعلاجات التي وصفت لهم.

وستتطلب إعادة توجيه نظم الرعاية الصحية نحو المراقبة المبكرة والوقاية والابتعاد عن التشخيص المتأخر والعلاج تحولاً كبيراً في مؤسسات معقدة. ويتعهد حزب العمال البريطاني، الذي يبدو على أهبة الفوز بالانتخابات العامة، بتسريع هذا التحول في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

ويتعهد برنامج حزب العمال بتأسيس «صندوق يليق بالمستقبل» لمضاعفة عدد ماسحات الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي للكشف عن السرطانات في مراحلها المبكرة.

يحق للناخبين الارتياب في الساسة عندما يقطعون وعوداً كبيرة، لكن القيود على المالية العامة في المجتمعات الشائخة قد لا تدع للحكومات أي خيار قريباً سوى أن تسلك هذا المسار. وحسب ما قاله الفيلسوف الهولندي ديزيديريوس إيراسموس قبل خمسة قرون: «الوقاية خير من العلاج»، فإنه في هذا السياق ربما يكون الذكاء الاصطناعي واحداً من أبرز الأصول لدينا.

الأكثر مشاركة