لماذا تسعى شركات التأمين إلى أن تكون صديقك المفضل؟

فيما مضى كان الوضع السائد هو أنه كلما قلّ حديثك مع شركة التأمين التي تتعامل معها كان أفضل. وسواء كان المنتج تأميناً على السيارة، أو الحياة، أو العقار، أو الأمن السيبراني، كان العملاء يدفعون أقساط التأمين ويأملون ألا يتحدثوا إلى الشركة مرة أخرى حتى يحين موعد التجديد.

من جانبها، كانت شركات التأمين تفاعلية إلى حد كبير، وكانت تركز على الاستجابة للمطالبات، وغالباً ما كانت تستخدم البيانات في اختيار العملاء وتحديد الأسعار. أما الآن، فتقلب بعض الشركات الأمور رأساً على عقب، ولم تعد تكتفي بحسابات المخاطر ودفع المطالبات، بل صارت تتفاعل مع عملائها وبصورة يومية في بعض الأحيان، سعياً منها وراء تقليل الخسائر إلى حدها الأدنى.

هذا التحول من «الإصلاح والاستبدال» إلى «التنبؤ والوقاية»، حسب تعبير شركات التأمين، أصبح ممكناً بفضل التقدم التكنولوجي. ويعكس هذا إجماعاً متزايداً على أن التدخل المسبق ليس فقط فعالاً من حيث التكلفة، وإنما يعد ضرورياً في مواجهة النفقات المتزايدة.

وإذا ترسخ ذلك، فمن شأنه تغيير الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى كل شيء، ويتراوح ذلك من فحوصات السرطان حتى الكوارث الطبيعية. لطالما كانت صناعة التأمين مهتمة بتقليل الخسائر؛ لذلك استخدمت شركات التأمين الأولى التي تشكلت بعد حريق لندن الكبير رجالاً لحمل المياه للمساعدة في إخماد الحرائق، كما ساعدت بحوث التأمين في مجال حوادث السيارات في أن تكون مقاعد الأطفال إجبارية.

واليوم، أصبح من الممكن اتباع أساليب أكثر تخصيصاً. وقد فتحت شركات التأمين هذا الباب قبل عقد من الزمن، من خلال تقديم أقساط أقل للعملاء الذين قاموا بتركيب مسجلات البيانات، المعروفة باسم «تليماتيكس» في سياراتهم لمراقبة قيادتهم.

ومنذ ذلك الحين، سمحت المستشعرات الرقمية الأرخص والتحليلات المحسنة لشركات التأمين بالانتقال من مجرد التتبع إلى تقديم المشورة، بل وحتى التدخل الصريح. وتعرض «ستيت فارم» على ملاك المنازل قوابس ذكية مجانية تتحقق باستمرار من أي أعطال كهربائية. أما شركة «تشاب»، فقد اشترت شركة تصنع أنظمة لكشف التسرب وتقدم خصومات لملاك المنازل الذين يركبونها.

واستخدمت شركة «مانيولايف» في البداية متتبعات اللياقة البدنية لمراقبة عملاء شركة «جون هانكوك فايتاليتي» للتأمين على الحياة التابعة لها، وكانت تكافئ النشاط البدني بجوائز، وكذلك بأقساط أقل. وتتنوع جهودها الرامية إلى حث العملاء على إطالة أعمارهم بين منحهم خصومات على الخضراوات والفواكه، حتى إجراء فحوصات السرطان وإجراء أشعة رنين مغناطيسي للجسم بالكامل.

وقال روي غوري، الرئيس التنفيذي لدى «مانيولايف» خلال قمة «فاينانشال تايمز» العالمية للتأمين التي عقدت مؤخراً: نحاول الابتعاد عن نموذج أعمال يركز على الوفيات والمطالبات، إلى آخر يركز على مساعدة الناس على عيش حياة أطول وأكثر صحة، ومن المرجح زيادة إمكانية توصية عملاء «فيتاليتي» ببرنامجها التأميني بمقدار الضعف.

كما تساعد شركات التأمين الآن عملاءها على تحديد المخاطر وتقليلها، وتأمل الشركات في أن يقلل هذا من ارتفاع حجم الأقساط ويولد رسوماً من الاستشارات. وتبعث «تشاب» بمفتشين يحملون كاميرات أشعة تحت الحمراء للبنايات التجارية للبحث عن أوجه ضعف الأنظمة الكهربائية.

وتقدم مجموعة «زيوريخ» لملاك العقارات استشارات حول كيفية تركيب ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح لتقليل أضرار الرياح والحرائق في المستقبل. كما تساعد المجموعة المصنعين على حماية أنفسهم من مطالبات المسؤولية عن المنتجات بتقديم المشورة فيما يتعلق ببرامج مراقبة الجودة.

ويعد هذا التحول منطقياً، فشركات التأمين في وضع أفضل مقارنة بعملائها في التعرف إلى المشكلات المحتملة وتحديد الأولويات، وهي مهمة صارت أكثر تعقيداً مع تزايد الأضرار الناجمة عن الظروف الجوية القاسية.

وقالت سييرا سينيوريللي، الرئيسة التنفيذية لأعمال التأمين التجاري بشركة «زيوريخ»: من الضروري إقناع الشركات بوجوب أن نكون شركاءهم الموثوقين في إدارة المخاطر. وأضافت: لا يتوجب على كل شركة في كل مكان بناء نماذج لفهم تأثير التغير المناخي أو تعلم الدروس التي مررنا بها كثيراً بالفعل.

وغالبية العملاء مهتمون، لكنهم ليسوا دائماً مقتنعين. واستطلعت شركة «بين» للاستشارات آراء العملاء في 14 دولة، وتوصلت إلى وجود اهتمام واسع النطاق بخدمات الوقاية والمكافآت لقاء الحياة الصحية. رغم ذلك، قرر ما يقل عن واحد من بين كل 10 تجارب هذه الخدمات في الواقع.

ولكي ينجح هذا التوجه، يجب على العملاء أن يثقوا في شركات التأمين التي يتعاملون معها، بدلاً من الخوف من أن الشركات ستحول المعلومات التي يشاركها العملاء ضدهم، على هيئة أقساط أعلى.

وكل من أنفق من ماله الخاص لإصلاح سيارته عوضاً عن إبلاغ شركة التأمين بحادث بسيط انثنى فيه رفرف السيارة يعلم ما أعنيه. كما تحتاج الجهات التنظيمية إلى الانتباه للشركات التي تنتقي العملاء منخفضي المخاطر، بدلاً من العمل مع الذين يواجهون قدراً أكبر من التحديات.

والفوائد المحتملة ضخمة؛ فالتضخم ومشكلات سلسلة التوريد والجهود المبذولة لإزالة الكربون أدت جميعها إلى ارتفاع تكاليف استبدال السيارات والممتلكات، ولم يغطِّ التأمين سوى 31 في المئة من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي وقعت العام الماضي.

ومن شأن شركات التأمين على الحياة المساعدة في تمويل الرعاية الوقائية التي تواجه الكثير من نظم الرعاية الصحية صعوبة في توفيرها. وهكذا، فإنه إذا بدأ العملاء حقاً في النظر إلى شركات التأمين باعتبارها صديقة لهم، فقد تؤتي هذه العلاقة ثمارها بسخاء للطرفين.

الأكثر مشاركة