حزب العمال ينتظره صراع شد وجذب بين التجارة الأوروبية والأمن الأمريكي

يتجنب حزب العمال البريطاني أي حديث عن التوفيق بين الاقتصاد البريطاني والاتحاد الأوروبي؛ خوفاً من إثارة قلق الناخبين. ولكن إذا فاز في الانتخابات هذا الأسبوع، فلن يكون أمامه الكثير من الخيارات.

وغالباً ما تعني إدارة الاختلاف هنا الردّ على مبادرات بروكسل أكثر من اتخاذ قرارات حرة كدولة ذات سيادة. ولزيادة تعقيد الأمور، فقد تواجه المملكة المتحدة ضغوطاً متزايدة من الولايات المتحدة للابتعاد عن الاتحاد الأوروبي.

ومنذ خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي في عام 2021، أصيب مؤيدو بريكست المتشددون بخيبة أمل بسبب عدم وجود «عام صفر» تنظيمي

. ويعكس ذلك فهمهم الهش للواقع أكثر من افتقارهم للنزعة السيادية، فالقوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، الذي يتجاوز ناتجه المحلي الإجمالي أكثر من 6 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، تثقل كاهل الصناعات التحويلية والزراعة في بريطانيا بشكل خاص. وقد طغت النفعية الاقتصادية على الرغبة الأيديولوجية في الاختلاف.

وحتى المؤيدون المتشددون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يختارون في كثير من الأحيان التحالف مع الاتحاد الأوروبي عند مواجهة الحقائق المزعجة. وخلال العام الماضي، أثارت كيمي بادينوك، وزيرة الأعمال والتجارة، غضب زملائها المؤيدين للبريكست عندما رفضت إلغاء أجزاء كبيرة من قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به.

ولولا ذلك، كما أبرزت المناشدات التجارية العاجلة، لكان من الممكن أن يتسبب ذلك في خلق اضطراب هائل في قطاعات كبيرة من الاقتصاد.

وفي قضية تلو الأخرى، سرعان ما تتراجع سخونة الخطابات الحماسية حول الاستقلالية عند مواجهة الحقائق الاقتصادية الصارخة.

وقد أثارت المملكة المتحدة ضجة كبيرة حول إنشاء نظام خاص يفترض أنه مبسط لأدوات الدفاع التجاري – التعريفات الطارئة على الواردات المتزايدة أو ذات الأسعار غير العادلة. وفي خطوة غير ذات شأن إلى حد ما، حاولت الحكومة إبعاد نفسها عن الاتحاد الأوروبي من خلال تسمية الكيان الجديد بالهيئة التصحيحية التجارية، مستخدمة المصطلح الأمريكي في هذا السياق.

وقد فشلت محاولة المملكة المتحدة لاتباع مسار مختلف جذرياً عن الاتحاد الأوروبي عند مواجهة العقبة الأولى في عام 2021 عندما أوصت الهيئة التصحيحية التجارية برفع بعض التعريفات «الوقائية» على الصلب الموروثة من الاتحاد الأوروبي.

وسارع الوزراء بإصدار تشريع للسماح بتجاوز الهيئة. ومنذ أيام، قامت الحكومة بتمديد التعريفات مرة أخرى لمدة عامين، تماشياً مع قرار الاتحاد الأوروبي في اليوم السابق. علاوة على ذلك، تضغط صناعة السيارات البريطانية على البلاد لمطابقة تعريفات الاتحاد الأوروبي المناهضة للدعم على السيارات الكهربائية الصينية.

ومن الأمثلة الأخرى آلية تعديل حدود الكربون للاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى ضمان أن تعكس الواردات نفس سعر الكربون الذي تفرضه بروكسل على شركاتها. وأصرت بادينوك على أن المملكة المتحدة ستقدم آلية تعديل حدود الكربون خاصة بها مصممة لتلبية احتياجاتها.

لكن الفشل في التوافق أو الانضمام إلى آلية الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى فرض تعريفات الكربون على صادرات الكهرباء البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي، ويهدد صناعة الصلب المتعثرة.

ولم يأخذ العديد من المراقبين المطلعين داخل وخارج الحكومة تصريحات بادينوك حول الاستقلال على محمل الجد، وقد أفادت صحيفة فايننشال تايمز بأن حزب العمال يفكر بحكمة في الانضمام أو التوافق مع آلية حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي.

وثمّة خيارات أخرى من هذا النوع تلوح في الأفق، حيث إنه إذا فشلت المملكة المتحدة في اتساق لوائحها المتعلقة بالواردات من المناطق التي أُزيلت منها الغابات حديثاً مع نسخة بروكسل، فقد تواجه شركاتها قيوداً على التصدير إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تهديد يواجه الشركات الأمريكية بالفعل.

لكن هذا لا ينفي وجود بعض الخيارات الحقيقية المتعلقة بالتنظيم، خاصة خارج قطاع التصنيع، فعلى سبيل المثال، تعدّ لوائح الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة أبسط من اللوائح الأوروبية، ويمكن أن تنفّذ نظرياً بالتوازي معها.

وقد تنشأ معضلة أخرى عبر الأطلسي. فباعتبارها حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، تعرضت بريطانيا لضغوط للمساهمة في الحد من ريادة الصين في مجالات التكنولوجيا الحساسة بما لذلك من آثار على الأمن القومي. وقد استسلمت المملكة المتحدة لضغوط واشنطن للحد من وجود شركة الاتصالات الصينية هواوي في شبكة الجيل الخامس الخاصة بها.

وإذا اشتدت هذه الضغوط، فقد يثني ذلك المملكة المتحدة عن التحالف مع الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال، يعتبر الرئيس جو بايدن السيارات الكهربائية الصينية تهديداً محتملاً للأمن القومي بسبب ما تجمعه من بيانات، واصفاً إياها بأنها «بمثابة هواتف ذكية تسير على عجلات». لكن الاتحاد الأوروبي يختلف مع ذلك، وقد رحب باستثمارات السيارات الكهربائية الصينية في الكتلة.

ولضمان نجاة صناعة السيارات البريطانية من تداعيات التحول الأخضر، فإنها تحتاج إلى الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي وبناء شبكات ذات قيمة مع المنتجين الأوروبيين.

وقد مارست صناعة السيارات البريطانية ضغوطاً قوية وفعالة لتمديد قواعد المنشأ السخية بعد البريكست، والتي ساعدت على الحفاظ على سلاسل التوريد الخاصة بها. وآخر ما تحتاجه هو الضغط من جانب أحد أهم حلفاء الاستخبارات والسياسة الخارجية لبريطانيا للابتعاد عن نهج الاتحاد الأوروبي في التحول إلى السيارات الكهربائية.

عموماً، فإن حكومة حزب العمال المقبلة ستواجه مجموعة من الخيارات المتفرقة حيال التحالف والتحدي الأوسع المتمثل في تحديد المسار الذي تود سلوكه. ويمثل الأول – مثل متابعة تدابير الدفاع التجاري في الاتحاد الأوروبي، واعتماد تسعير الكربون الأوروبية وآلية حدود الكربون، ومحاكاة لوائح إزالة الغابات – الخيارات الأسهل.

أما التحدي الأصعب فينطوي على الاندماج مع الحفاظ على قدر كافٍ من الحرية لقطاع الذكاء الاصطناعي للابتكار وإرضاء حلفائها في قطاع الأمن القومي. وقد يفضل حزب العمال عدم مناقشة التحالف مع الاتحاد الأوروبي خلال الحملة الانتخابية، لكنه لن يمكنه تجاهل المسألة فور توليه السلطة.

الأكثر مشاركة