نتائج الانتخابات الفرنسية تفتح باب احتمال تدخل «المركزي الأوروبي»

تتزايد التكهنات بأن البنك المركزي الأوروبي قد يتدخل في الأسواق إذا ما تسببت الانتخابات الفرنسية في إثارة حالة من الذعر على نطاق واسع، بينما يستعد صناع السياسات لمؤتمرهم السنوي اليوم في البرتغال.

وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك حالة بيع للسندات الفرنسية في ظل قلق المستثمرين من فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، أو تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بأغلبية برلمانية في الانتخابات المقبلة.

وقد يؤدي نجاح أحد الأحزاب المتطرفة التي تتصدر استطلاعات الرأي إلى عمليات بيع أكبر للسندات، مع وصول هامش تكاليف اقتراض الحكومة الفرنسية مقارنة بألمانيا - وهو مقياس رئيسي للمخاطر السياسية - إلى أعلى مستوياته منذ أزمة الديون في منطقة اليورو قبل أكثر من عقد.

ومنذ أيام، دعا وزير المالية الألماني كريستيان لندنر البنك المركزي الأوروبي للوقوف على الحياد؛ محذراً من أنه في حالة تدخله لتهدئة أي اضطرابات مالية بعد التصويت في فرنسا فمن شأن ذلك أن «يثير عدداً من التساؤلات الاقتصادية والدستورية».

ومع ذلك، يعكف مراقبو السوق على فحص التفاصيل الدقيقة لأحدث خطط البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات لمعرفة كيفية التصرف حال استمرار الحكومة الفرنسية المقبلة في فورة إنفاق تؤدي إلى مواجهات ضارة مع الاتحاد الأوروبي والأسواق المالية حيال ديونها المتنامية.

ويخشى المستثمرون تحديداً من أن تؤدي عمليات البيع المكثفة للديون الفرنسية إلى انتقال العدوى إلى دول أوروبية أخرى، مع بدء تباين أسعار الفائدة الوطنية. وقالت سابرينا كانيش، كبيرة خبراء الاقتصاد لدى شركة بيكتت لإدارة الأصول، إنه «إذا تصاعد خطر الانقسام في فرنسا إلى مستويات مثيرة للقلق، فسيتدخل البنك المركزي الأوروبي حسب الحاجة لحماية سلامة اليورو».

وصرح فابيو بانيتا، محافظ البنك المركزي الإيطالي، مؤخراً، بأن البنك المركزي الأوروبي لا بد أن يكون «مستعداً للتعامل مع تداعيات» الصدمات الناجمة عن «تزايد حالة عدم اليقين السياسي في البلدان». وشدد المسؤول الإيطالي، وهو أيضاً في مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، على ضرورة جاهزيته لاستخدام «جميع أدواته».

وعندما أعلن البنك المركزي الأوروبي «أداة حماية النقل» قبل عامين، التي تمنحه القدرة على مساعدة أي دولة تمر بأزمة عن طريق شراء كميات غير محدودة من ديونها، كان يأمل أغلب صناع السياسات أن يحافظ ذلك على استقرار الأسواق دون الحاجة إلى استخدامها.

وتهدد الانتخابات الفرنسية بأن تكون أول تجربة لهذه الأداة، التي كانت تهدف إلى «التصدي لديناميكيات السوق غير المبررة والفوضوية» التي تعرض السياسة النقدية في منطقة اليورو للخطر.

لكنّ ثمة خلافاً بين خبراء الاقتصاد حيال ما إذا كان تصميم برنامج شراء الأصول للبنك المركزي الأوروبي غير المختبر بعد من شأنه أن يمنعه من شراء السندات الفرنسية.

وحدد البنك المركزي 4 معايير لتفعيل الأداء، وينص المعيار الأول على أن الدولة يتعين عليها «الامتثال إلى الإطار المالي للاتحاد الأوروبي».

ورغم ذلك، سبق أن كشفت المفوضية الأوروبية الشهر الماضي عن أنها ستبدأ «إجراءات العجز المفرط» ضد باريس بسبب العجز في الموازنة البالغ 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز الحد البالغ 3% وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي.

ويفسر البعض ذلك على أنه استبعاد لفرنسا. وكتب إريك دور، أستاذ الاقتصاد في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة في باريس، عبر موقع التواصل الاجتماعي إكس: «استخدام البنك المركزي الأوروبي للأداة في حالة فرنسا سيكون غير قانوني»، إلا أن مسؤولي البنك المركزي الأوروبي واثقون أن لديهم مساحة كافية للمراوغة لتطبيق الخطة الجديدة، حتى لو اعتُبر رسمياً أن دولة مثل فرنسا تنتهك القواعد المالية للاتحاد الأوروبي. كما ذكر البنك المركزي أن المعايير الأربعة ستكون «مجرد مدخل» من مدخلات أي قرار يتخذه مجلس محافظيه. ومن المحتمل أن يكون المعيار الأساسي في اتخاذ قرار تفعيل الأداة هو إذا نظر على استجابة السوق أنها «فوضوية».

ومؤخراً، أشار كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لين، إلى ذلك عندما قلل من أهمية عمليات البيع في الأسواق الفرنسية عقب إعلان الانتخابات، وعزا ذلك إلى عملية إعادة تقييم للأساسيات من جانب المستثمرين، ومقارنته بما أسماه «ديناميكية غير منتظمة للسوق».

وإذا تسببت سياسات الحكومة الفرنسية المقبلة في إثارة قلق المستثمرين، وأسفرت عن إعادة تسعير حادة، ولكن نظامية للأصول الفرنسية، فمن غير المرجح أن يتخذ البنك المركزي الأوروبي أي إجراء، خاصة أن المسؤولين يتوقعون أن انضباط السوق سيشجع الدول على احترام القواعد المالية للاتحاد الأوروبي.

لكن حال انزلقت الأمور إلى ذعر كامل في السوق وقيام المستثمرين ببيع الأصول بشكل عشوائي، ليس في فرنسا فحسب لكن في دول منطقة اليورو الأخرى المثقلة بالديون مثل إيطاليا، فسيكون من الواضح ضرورة تدخل البنك المركزي الأوروبي.

وقال لودوفيك سوبران، كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة أليانز الألمانية للتامين: «أنا واثق من أن البنك المركزي الأوروبي يطرح على نفسه هذا التساؤل: إذا دخلت فرنسا في أزمة، فهذا يعني أنه من المرجح أن تواجه إيطاليا أزمة أيضاً، وسيضطر البنك المركزي الأوروبي حينها إلى التدخل».

وفي السابق، كانت مثل هذه الاضطرابات سبباً في تدخل البنك المركزي الأوروبي. وقطع الرئيس السابق للبنك ماريو دراجي وعداً لا يُنسى في عام 2012، بفعل «كل ما يلزم» لتهدئة الأسواق بعدما هددت أزمة الديون اليونانية بتدمير اليورو.

وقال كريستيان كوبف، رئيس قسم الدخل الثابت لدى شركة الاستثمار الألمانية «يونيون إنفستمنت مانجمنت»، إنه «في حالة حدوث اتساع هائل في فروق الأسعار بإيطاليا، يمكن للبنك المركزي الأوروبي تفعيل الأداة لتجنب امتداد الأزمة إلى الأبرياء، لكن أشعر أننا لا يزال أمامنا شوط طويل لمثل هذا النوع من التدخل في الأسواق».

وعندما يجتمع مسؤولو البنك المركزي الأوروبي اليوم لبدء حدثهم السنوي في فندق فاخر في سينترا بجنوب البرتغال، ستكون نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية قد أُعلنت للتو. ومن المؤكد أن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، التي عملت وزيرة فرنسية سابقة، ستُسأل عن كيفية استجابة البنك لأزمة مالية محتملة منبعها باريس.

ومثل هذه التساؤلات يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، فقد أخفقت لاغارد في عام 2020 عندما تسببت في عمليات بيع بسوق السندات عندما قالت في بداية الجائحة: «نحن لسنا هنا لتضييق الفوارق». ومن المتوقع أن تتوخى رئيسة البنك المركزي الأوروبي قدراً أكبر من الحذر هذه المرة، خاصة وأن نتائج الانتخابات لن تُعلن إلا بعد الجولة الثانية نهاية الأسبوع المقبل.