بعد إجراءات 4 بنوك مركزية.. هل يبدأ تخفيض أسعار الفائدة عالمياً؟

يُنظر إلى شهر سبتمبر الآن على أنه التوقيت الأكثر ترجيحاً لنقطة التحول التي طال انتظارها، بعد تضاؤل احتمالات خفض أسعار الفائدة في يونيو.

هذا وخفضت أربعة بنوك مركزية كبرى أسعار الفائدة في أقل من ثلاثة أشهر، اثنان منها نفذا الإجراء خلال يونيو، وذلك بعد سنوات من السياسة النقدية المتشددة ومستويات الفائدة المرتفعة.

وتترقب الأسواق بين الحين والآخر أي إشارات قد تصدر عن الفيدرالي الأمريكي عن موعد خفض الفائدة المنتظر من المستثمرين منذ شهور، وانضم البنك المركزي الأوروبي الخميس إلى سلسلة البنوك التي اتخذت بالفعل قرار خفض الفائدة التي بدأت بسويسرا.

وبدأت البنوك المركزية العالمية في مختلف أنحاء العالم في دراسة تخفيف سياستها التشددية، حيث يقوم واضعو أسعار الفائدة بتقييم التوترات الجيوسياسية والقلق بشأن إعادة التضخم إلى المستويات المستهدفة.

صندوق النقد الدولي

حذر صندوق النقد الدولي، الخميس الماضي، مجلس الاحتياطي الأمريكي من خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر للغاية.

وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا في واشنطن: «يجب خفض سعر الفائدة فقط بعد وجود دليل واضح على أن التضخم يعود بشكل مستدام إلى هدف 2%».

وأكد صندوق النقد الدولي أنه يجب على البنك المركزي لأكبر اقتصاد في العالم أن يبقي سعر الفائدة الرئيسي عند مستواه الحالي على الأقل حتى نهاية عام 2024. واتفق صندوق النقد الدولي مع البنك الاحتياطي الاتحادي على أن البنك المركزي بحاجة إلى أن يكون «حذراً».

وتوقع كذلك أن ينخفض ​​معدل التضخم إلى مستوى 2% بحلول منتصف عام 2025، ما يجعل صندوق النقد الدولي أكثر تفاؤلاً قليلاً من بنك الاحتياطي الاتحادي.

وقد أوضح بنك الاحتياطي الاتحادي، مؤخراً، أنه ليس هناك حاجة للعجلة لخفض أسعار الفائدة. وعقب اجتماعه في منتصف يونيو، ألمح البنك المركزي إلى إجراء خفض واحد فقط لسعر الفائدة خلال العام الحالي، وهو خروج عن التحركات الثلاثة المتوقعة لسعر الفائدة. وشددت جورجييفا على أن هذا الحذر كان مناسباً.

وترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة للحد من الطلب. وبالنسبة لبنك الاحتياطي الاتحادي الأمريكي، فإن مكافحة ارتفاع أسعار المستهلك هي عمل متوازن، فإذا كانت أسعار الفائدة مرتفعة للغاية، فهناك خطر الركود؛ ومع ذلك ظل الاقتصاد الأمريكي قوياً على نحو مفاجئ على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة.

وأكد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الأمريكي كان «قوياً بشكل ملحوظ»، وأظهر نمواً اقتصادياً صحياً.

سويسرا تكسر الحاجز

خالف البنك المركزي السويسري توقعات الأسواق عندما كان أول البنوك الكبرى هذا العام في خفض معدلات الفائدة، حيث قرر في 21 مارس الماضي خفض المعدل بـ25 نقطة أساس إلى مستويات 1.5% من 1.75%. وكانت توقعات الأسواق تشير وقتها إلى تثبيت معدل الفائدة، خاصة مع اتخاذ الفيدرالي الأمريكي هذه الخطوة خلال اجتماع مارس.

وقال البنك المركزي السويسري وقتها عن سبب القرار: «منذ بضعة أشهر، عاد التضخم إلى ما دون 2%، وبالتالي فهو ضمن النطاق الذي يعادله البنك المركزي السويسري مع استقرار الأسعار».

وأضاف: «وفقاً للتوقعات الجديدة، فمن المرجح أن يظل التضخم في هذا النطاق خلال السنوات القليلة المقبلة».

السويد تتبعها

خفض البنك المركزي السويدي سعر الفائدة الرئيسي الأربعاء 8 مايو الماضي، 25 نقطة أساس، إلى 3.75% من 4%، لكن القرار جاء هذه المرة وفقاً للتوقعات.

وأشار المركزي السويدي وقتها إلى أنه من المرجح أن يخفض سعر الفائدة مرتين خلال النصف الثاني من العام الجاري حال اعتدلت الضغوطات التضخمية.

خفض الفائدة جاء بعد دورة من التشديد النقدي استمرت عامين، وقبل الخفض قال البنك في مارس الماضي إنه يرى فرصة جيدة لخفض أسعار الفائدة في مايو أو يونيو، وأكدت البيانات منذ ذلك الحين أنه من المتوقع استقرار التضخم عند نحو 2% بعد أن بلغ ذروته عند أكثر من 10% في أواخر عام 2022.

وقال محافظ البنك المركزي السويدي، إريك ثيدين، للصحافيين: «إذا لم تتغير التوقعات، فيمكننا خفض أسعار الفائدة مرتين أخريين خلال النصف الثاني من العام».

كندا أول دول السبع

خفض بنك كندا، الأربعاء 5 يونيو، سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.75%، في خطوة متوقعة كانت على نطاق واسع تمثل أول خفض له منذ أربع سنوات، ليصبح أول خفض للفائدة في دولة من الدول الأعضاء في مجموعة السبع. وقال بنك كندا إن من المرجح المزيد من التيسير إذا استمر التضخم في التراجع. وتوقع اقتصاديون أن يخفض بنك كندا أسعار الفائدة مرة أخرى في يوليو، بحسب شبكة «سي إن بي سي».

وبعد إبقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين عند 5% لمدة عام تقريباً، قال بنك كندا إن مؤشرات التضخم الأساسي تبدو إيجابية بشكل متزايد.

وقال المحافظ تيف ماكليم في كلمته بعد إعلان خفض الفائدة: «مع وجود المزيد والمزيد من الأدلة المستمرة على تراجع التضخم، لم تعد السياسة النقدية بحاجة إلى أن تكون مقيدة بالقدر نفسه».

تباطأ التضخم في كندا هذا العام ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات عند 2.7% في أبريل. ورغم أن التضخم ظل أقل من 3% لمدة أربعة أشهر متتالية، فإنه لا يزال أعلى من هدف البنك البالغ 2%.

وقال ماكليم: «إذا استمر التضخم في التراجع، واستمرت ثقتنا في أن التضخم يتجه بشكل مستدام إلى هدف 2%، فمن المعقول أن نتوقع المزيد من التخفيضات في سعر الفائدة السياسي لدينا، لكننا نتخذ قراراتنا بشأن أسعار الفائدة في اجتماع واحد في كل مرة».

البنك الأوروبي يبدأ الخفض

قرر البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة لأول مرة في أكثر من 4 سنوات ونصف خلال اجتماعه 6 يونيو الجاري، حيث سجلت الفائدة على الودائع بعد القرار مستوى 3.75%، بينما انخفض معدل الفائدة على عمليات إعادة التمويل الأساسي عند 4.25%.

كان القرار متوقعاً على نطاق واسع، رغم الضغوط التضخمية في منطقة اليورو المكونة من 20 دولة، حيث تسارع التضخم في المنطقة بأكثر من توقعات المحللين خلال مايو، مسجلاً 2.6% مقابل توقعات للمحللين عند 2.5%، ومقارنة بمستويات 2.4% في أبريل.

لكن معدلات التضخم تراجعت بشكل كبير من الذروة عند 10.6% المسجلة في أكتوبر 2022، وسجلت مستويات أقل من 3% على مدار الأشهر الثمانية الماضية.

وقال مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي: «بناءً على تقييم محدث لتوقعات التضخم، وديناميكيات التضخم الأساسي وقوة انتقال السياسة النقدية، من المناسب الآن تخفيف درجة تقييد السياسة النقدية بعد تسعة أشهر من إبقاء أسعار الفائدة ثابتة».

وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد للصحافيين في فرانكفورت بألمانيا، الخميس، إن قرار مجلس الإدارة بخفض أسعار الفائدة استند إلى الانخفاض الحاد في التضخم الرئيسي، وعلى ثقة البنك في قدراته على التنبؤ.

وأضافت أن البنك المركزي الأوروبي مر بمرحلتين؛ «المرحلة الأولى» من التشديد القوي والسريع، حيث رفع أسعار الفائدة بمقدار 450 نقطة أساس بين يوليو 2022 وسبتمبر 2023، ودخل بعد ذلك في «مرحلة الثبات» حتى اجتماع الخميس.

وقالت لاغارد إن كل مرحلة قسمت التضخم إلى النصف، حيث انخفض من الذروة البالغة 10.6% في أكتوبر 2022، إلى 5.2% في اجتماع البنك المركزي الأوروبي في سبتمبر 2023، ثم إلى 2.6% في مايو 2024.

هل يواصل البنك الأوروبي خفض الفائدة؟

لم تقم الأسواق بتسعير سوى خفض إضافي واحد فقط هذا العام، لكن الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا إجراء تخفيضين إضافيين خلال هذه الفترة، بحسب شبكة «سي إن بي سي». وقال كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو في UBS لإدارة الثروات العالمية، دين تورنر، لشبكة «سي إن بي سي»، إن إجراء تخفيض إضافي في الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأوروبي في يوليو أمر غير مرجح بالفعل، ولكن تم استبعاده تقريباً من خلال أحدث الأرقام.

وقال تورنر: «كانت الترقية الطفيفة في توقعات التضخم متوقعة، وكان التضخم أعلى قليلاً مما توقعته الأسواق، ولكن فيما يتعلق بتوقيت التخفيض التالي، ما زلت أتطلع إلى سبتمبر».

ورفع البنك المركزي الأوروبي متوسط ​​توقعاته السنوية للتضخم الرئيسي لعام 2024 إلى 2.5% من 2.3% في توقعات سابقة، كما رفع توقعاته لعام 2025 إلى 2.2% من 2%، وظلت توقعات 2026 عند 1.9%.

وقالت كريستين لاغارد إن القرارات المتعلقة بالتخفيضات المستقبلية ستكون «معتمدة على البيانات»، وسيتم تحديدها «اجتماعاً تلو الآخر»، بناءً على معاييرها الثلاثة المتمثلة في توقعات التضخم، والتضخم الأساسي، وانتقال أثر السياسة النقدية.

الفيدرالي في وضع محرج

سبق البنك المركزي الأوروبي الفيدرالي الأمريكي في بداية خفض أسعار الفائدة، حيث لا يزال أكبر بنك مركزي في العالم في وضع محرج بسبب معدل التضخم في الولايات المتحدة، بحسب «سي إن بي سي»، في حين تتزايد الآمال في أن يحدث أول خفض للفائدة في اجتماع سبتمبر أو نوفمبر، بعدما طمحت الأسواق منذ عدة شهور أن يكون الخفض في مارس الماضي.

لكن أي توقعات بخصوص خفض الفائدة الأمريكية هذا العام تبقى مهددة، حيث يرى مسؤولون في الفيدرالي أن هناك حاجة للانتظار عدة أشهر من أجل حدوث تقدم كبير في معدل التضخم تضعه على مسار تحقيق مستهدف الفيدرالي عند 2%، والبقاء عند هذا المستهدف.

ويتراوح سعر الفائدة القياسي على الاقتراض في نطاق بين 5.25% إلى 5.5%، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من 23 عاماً.

الأكثر مشاركة