لم يمكن لأي نموذج اقتصادي توقع وصول الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وأن تكون فروق الائتمان ضيقة للغاية بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة القياسي بمقدار 5.25 نقطة مئوية منذ مطلع عام 2022. ومع ذلك، هذا ما حدث بالضبط.
ويبدو أن الاحتياطي الفيدرالي مستعد لإعلان النصر في معركته ضد التضخم، لكن الأداء المتفوق للاستثمارات عالية المضاربة يشير إلى أنه حتى مثل هذه الزيادة الحادة في أسعار الفائدة لم تكن كافية لامتصاص فائض السيولة التي تتدفق في مختلف الأسواق المالية.
ومن الواضح أن البنوك المركزية لا تزال غير مدركة لحقيقة أن الفقاعات المالية هي مصادر لتضخم الأصول الحقيقية في المستقبل.
وتؤدي الفقاعات إلى سوء توزيع رأس المال داخل الاقتصاد وتوجيهه نحو الأصول غير الضرورية (مثل العملات المشفرة وأسهم الميم)، بالتالي لا يتدفق رأس المال نحو الاستثمارات التي تعزز الإنتاجية فعلياً. وفي الواقع فإن مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بلغ ذروته عند 5.6 % عقب فقاعة التكنولوجيا عام 2008.
وهناك أدلة تشير إلى أن المضاربة قد تؤدي مرة أخرى إلى تقليص قدرة الاحتياطي الفيدرالي على مكافحة التضخم، ولكن يبدو أن البنك غافل عن ذلك، فما ينبغي للمستثمرين ألا يكونوا كذلك.
وتاريخياً، كان أداء الأصول ذات الجودة الأعلى والأدنى متسقاً عبر جميع فئات الأصول. ويميل الأداء النسبي للأسهم ذات القيمة السوقية الأصغر مقابل الأسهم الأكبر إلى محاكاة هوامش الائتمان - سعر الفائدة الذي تدفعه الشركات فوق المستويات القياسية. ويرجع ذلك إلى أن الشركات الأصغر حجماً والأقل جودة تتمتع برافعة مالية وتشغيلية أكبر وتتأثر أكثر بالدورات الاقتصادية ودورات الأرباح.
بعبارة أخرى، عادة ما يتجاوز أداء أسهم الشركات الصغيرة الأسهم الكبيرة وتضيق فروق الائتمان عندما تتحسن أرباح الشركات، لكن الأسهم الكبيرة تميل إلى تجاوز الأداء وتتسع فروق الائتمان عندما تتراجع الأرباح.
وعلى مدار العامين الماضيين، شوهت المضاربة هذه العلاقة طويلة الأمد بين الأسواق بشكل كبير. فقد تفوقت الأسهم ذات رؤوس الأموال الكبيرة على الأسهم ذات رؤوس الأموال الصغيرة رغم تسارع الأرباح وتضييق هوامش الائتمان.
وكان هذا الاتجاه مدفوعاً في المقام الأول بما يعرف بأسهم التكنولوجيا السبعة الكبرى، «أبل» و«مايكروسوفت» و«ميتا» و«أمازون» و«ألفابت» و«نفيديا» و«تيسلا». وكانت النتيجة ضيق نطاق قيادة السوق والتركيز على الأسهم ذات الجودة العالية.
رغم ذلك، كان أداء الدخل الثابت أوسع نطاقاً وأكثر دورية، حيث استفاد من الائتمان منخفض الجودة. ويشير هذا التباين الشديد إلى ثلاث نتائج محتملة.
أولاً، قد يكون الأداء المتفوق للأسهم السبعة الرائعة يتجاهل التحسن واسع النطاق في التدفقات النقدية للشركات، في حين أن هوامش الائتمان الضيقة تأخذ في الحسبان بشكل صحيح التحسن الدوري.
ويبدو هذا الأمر معقولاً لأن دورة الأرباح الأمريكية تتسارع، حيث حققت نحو 160 شركة مدرجة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» حالياً نمواً في الأرباح بنسبة 25 % أو أكثر.
أما السيناريو الثاني فيتلخص في أن القيادة المحدودة للغاية لسوق الأسهم مبررة بوجود حدث ائتماني كارثي يلوح في الأفق. وقد أشار بنك غولدمان ساكس إلى أن المرة الأخيرة التي كانت فيها قيادة سوق الأسهم بهذه المحدودية والضيق كما هي اليوم خلال الثلاثينيات. وخلال فترات الكساد، تكون القيادة المحدودة منطقية من الناحية الاقتصادية؛ لأن الشركات تكافح من أجل البقاء، ناهيك عن النمو.
ومع ذلك، فإن القيادة المحدودة الراهنة تتزامن مع تسارع أرباح الشركات وقوة النظام المصرفي. ومن ثم فإن وقوع حدث ائتماني ضخم بالقدر الكافي لتبرير مثل هذه القيادة المحدودة لسوق الأسهم يبدو غير مرجح.
وقد يتلخص السيناريو الثالث في أن فائض السيولة يعمل على تغذية المضاربة في مختلف أسواق الأسهم وأسواق الدخل الثابت، ولا يوجد ما يبرر تفوق أداء الأسهم السبعة الرائعة ولا الفوارق الائتمانية المحدودة. وثمة دليل واضح على المضاربة في كلا السوقين.
وإذا كان هذا السيناريو هو التفسير الصحيح، فقد تثبت قطاعات سوق الأسهم غير الدفاعية عادة، مثل الأسواق الناشئة والشركات الصغيرة، أنها بمثابة ملاذ آمن إذا زادت التقلبات بين قادة سوق الأسهم الحاليين.
ورغم غرابة الوضع، إلا أن هناك سابقة لذلك. فعندما بدأت فقاعة التكنولوجيا في الانكماش خلال شهر مارس 2000، كان ذلك إيذاناً ببدء «عقد ضائع» لسوق الأوراق المالية بشكل عام.
حيث حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عائداً سنوياً سلبياً متواضعاً لمدة 10 سنوات، لكن أسهم الطاقة، والسلع، والأسواق الناشئة، والشركات الصغيرة أظهرت أداءً قوياً.
وفي الفترة بين مارس 2000 إلى مارس 2010، كان العائد الإجمالي السنوي لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 سلبياً بنسبة 0.7 % سنوياً، في حين انخفض قطاع التكنولوجيا في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 8.0 % سنوياً.
في المقابل، تمتع قطاع الطاقة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بزيادة سنوية قدرها 9.4 %، وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز للشركات الصغيرة بنسبة 6.6 % سنوياً، ونما مؤشر مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال للأسواق الناشئة بنسبة 10.0 % سنوياً.
واستفادت هذه القطاعات من إعادة تخصيص رأس المال بعيداً عن أسهم التكنولوجيا، وأيضاً من التضخم في مرحلة ما بعد الفقاعة التي عزز أرباحها.
وقد يكون ماضي الفيدرالي مقدمة للمستقبل. ويتم مرة أخرى توزيع رأس المال على نحو يفتقر إلى الكفاءة داخل الاقتصاد، ومع ذلك يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي لا يدرك أن سوء توزيع رأس المال يوقد شرارة تضخم مستقبلي.
الكاتب هو الرئيس التنفيذي وكبير موظفي الاستثمار لدى شركة «ريتشارد بيرنشتاين أدفايزرز»