جدل لا ينتهي حول انتقاء الأسهم العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصيف حار، والأسواق هادئة، لكن حتى عندما يأتي وقت يتجول فيه آخر البشر على الأرض ينقبون عن الطعام وسط مشاهد الجحيم البائس، سيظلون يتجادلون حول مزايا وعيوب الاستثمار السلبي. لذلك، لا مشكلة لدي في تناول هذا الموضوع مرة أخرى.

إن المهووسين بالأسواق على دراية تامة بالمقولة الشائعة بأن كل هذه الارتفاعات الكبيرة والسيئة في أسعار الفائدة، لا بد من أن تؤذي الشركات الضعيفة المدارة بشكل سيئ، أكثر من نظيرتها القوية المدارة ببراعة. هذه الفجوة في الأداء تعني أن هذا هو الوقت المناسب لمنتقي الأسهم، وليس للمتعلقين بالمؤشرات. وكما ذكرت في أكتوبر الماضي، كان الرهان يركز على عودة الاستثمار النشط، لكن كيف نجح الاستثمار النشط في العودة؟

أخبرتني هيلين جويل، كبيرة مسؤولي الاستثمار الأوروبي للأسهم الأساسية لدى «بلاك روك»، خلال مناقشة معها مؤخراً، أن الوضع في أوروبا كان جيداً للغاية، موضحة أن أداء هذه المحافظ كان قوياً، رغم أن مدى قوتها على وجه التحديد لا يزال غامضاً بعض الشيء، وهو أمر لا يمكن للشركة الكشف عنه. وهنا تبرز بعض مجالات الأداء المتفوق، ومنها على سبيل المثال، الارتفاع بنسبة 20% تقريباً في البنوك الأوروبية، في وقت سابق من العام الجاري، ورغم تراجع الزخم، إلا أنه لا يزال يعادل مكاسب أبل، وضعف مكاسب «مؤشر ستوكس 600» الأوسع نطاقاً في أوروبا.

أما في الولايات المتحدة، فهذه الاستراتيجية ليست جيدة بما يكفي، فهناك تركيز كبير في السوق على الحجم والعائدات، ما يعني، كما قالت جويل، أنه «من المستحيل فعلياً التفوق على المؤشر، إلا إذا بالغت في وزن أحد أسهم عمالقة التكنولوجيا»، متسائلة: «لكن ما مدى نشاط ذلك؟».

من منظور أوسع، فإن الكثير من تفاوت الأداء، الذي توقعته جويل وآخرون قبل بضعة أشهر، لم يتحقق بالقدر المتوقع، ما يجعل الولايات المتحدة بيئة أشد صعوبة لمنتقي الأسهم. لكن لماذا ظلت أسهم النمو بهذا القدر من المرونة أمام الارتفاع الهائل في أسعار الفائدة؟ تحتل الظروف المالية والنقدية الميسرة مرتبة عالية في قائمة التفسيرات المحتملة، وقد يكون هناك تحول في سلوك الشركات أيضاً، أو ربما يتصرف المستثمرون بشكل مختلف، أو ربما لدينا نوع جديد من المستثمرين يهيمن على السوق، وقد يكون الجمهور المتتبع للمؤشرات السلبية. وتقول جويل إنها غير متأكدة، وترغب في معرفة ذلك.

وهناك أمر آخر، فقد ظهرت أمامي بعض اللمحات المثيرة حول هذا المجال. إحداها، والتي ذكرتها مؤخراً، جاءت من تقرير بعنوان «صناديق بونزي» الذي يدرس ما يحدث للأسهم في الصناديق الرائجة والمطلوبة. الإجابة الموجزة تتمثل في أنها ترتفع بوتيرة سريعة في «حلقات تغذية تتضخم ذاتياً»، حتى تتراجع شعبية وأداء الصندوق في السوق دون شك. إنه تحليل مثير للاهتمام، ويجب الاطلاع عليه.

إلا أن إحدى مديرات الصناديق أخبرتني أن ذلك جعلها تتساءل عما إذا كان الكثيرون في مهنتها يهدرون وقتهم فقط. إذ ماذا لو كان مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكمله يعمل بالطريقة نفسها؟ وماذا لو كان أداء المؤشر يتمحور حول التدفقات إلى الصناديق السلبية، ولا علاقة له بأساسيات الشركة؟ ماذا لو كانت غالبية تحليلات الأسهم الفردية بلا جدوى؟ وهذا يكفي لجعلك تتساءل عن هدفك في الحياة.

اللمحة الأخرى تتعلق بكيفية أن المستثمرين في الصناديق السلبية تتسرب منهم العوائد على نحو منتظم. وفي إحدى الدراسات، حللت شركة «دايمنشنال فاند أدفايزرز» العملية التي من خلالها تضيف المؤشرات أعضاء جدداً (عادة عندما تصبح الشركة كبيرة بما يكفي للتأهل) أو تستبعد أعضاء حاليين، بسبب تقلص نشاطهم، أو عدم ملاءمتهم لفئة معينة من الأسهم، نتيجة لتغييرات استراتيجية.

وأظهرت الأبحاث الأكاديمية المستفيضة أدلة مقنعة للغاية، على ما قد تعتقد تلقائياً أنه صحيح: ترتفع الأسهم عندما تضاف إلى مؤشر كبير شائع، وتنخفض عندما تستبعد. وما هو أقل وضوحاً هو التأثير الذي يتلاشى فيما بعد. ووفقاً لدراسة شركة «دايمنشنال»، يبلغ متوسط العائد الزائد على السندات المضافة أو المشطوبة 4% خلال 20 يوماً من التداول قبل إعادة التشكيل، يليه انخفاض بنسبة 5.7% في الشهر التالي.

الحقيقة أن الكثير من الارتفاع أو الانخفاض يتركز في إطار زمني صغير - غالباً في بضع ثوانٍ فقط في نهاية يوم التداول قبل إضافة السهم أو إزالته - لأن متتبعي المؤشرات يسعون إلى مطابقة أسعار الإغلاق. والنتيجة هي أن صناديق المؤشرات المكلفة بشراء وبيع الأسهم بما يتماشى مع جداول مقدمي المؤشرات، لتجنب أي انزلاق عن المؤشر، تشتري بشكل منهجي بسعر مرتفع للغاية وتبيع بسعر منخفض للغاية.

وقد حاول القائمون على المؤشرات التخفيف من هذه الآثار، عبر الإعلان عن التغييرات المقبلة مقدماً ونشر عمليات الإضافة والحذف على مدر بضعة أيام على سبيل المثال. ومع ذلك، يظهر تحليل شركة «دايمنشنال» أن التأثير لا يزال قائماً، وبالتالي، يفقد متتبعو المؤشرات باستمرار العوائد المحتملة. وكتبت الشركة أن نهج تتبع المؤشر يفتقر عموماً إلى المرونة، ما قد يؤدي إلى فقدان العائدات.

إذن، من الأفضل الانتظار لبضع ساعات فقط بعد إعادة التوازن لشراء أو بيع الأسهم المتأثرة بإعادة التشكيل هذه، فمن طريق الانتظار حتى يوم التداول التالي، يمكنهم تحقيق بعض العوائد الإضافية المفيدة. وقد يكون هذا خطأ، وربما باهظ الثمن. ففي النهاية، قد تكون أجهزة التتبع السلبية رخيصة جداً لدرجة أنها تطغى على أي من هذه الأعباء المحتملة.

لكن كل هذا بمثابة تذكير جيد بعدة أمور: أولاً، إن الاستثمار السلبي ليس قراراً محايداً في المقام الأول. فالمؤشرات ليست ظواهر طبيعية، بل تصمم وتعدل بمرور الوقت من قبل أشخاص يتخذون قرارات، وغالباً ما تحظى بقدر كبير من التقدير. ومن الجدير التفكير فيما إذا كان من المنطقي ربط نتائج استثمارك بهذه العمليات. ثانياً، من الصعب إدراك بعض التكاليف المرتبطة بتتبع المؤشرات. وثالثاً، باتت متتبعات المؤشرات السلبية شائعة الآن لدرجة أن السوق تقوم بتحركات غريبة تجاه الآخرين.

كلمات دالة:
  • FT
Email