الشلل الرقمي يبرز المخاطر الكبيرة للعولمة الإلكترونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جلبت الرقمنة السريعة لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا فوائد هائلة، لكنها خلقت في الوقت نفسه نقاط ضعف هائلة كما أظهر الانقطاع العالمي الأخير. ومن الواضح أن الحكومات والشركات تصرفت لفترة طويلة للغاية على افتراض أن المرونة السيبرانية مهمة ولكنها ليست ملحة، إلا أن حجم هذا الفشل الرقمي الأخير - أكبر انقطاع في تكنولوجيا المعلومات في التاريخ وفقاً لأحد المحللين الأمنيين - قد يساعد في تحويل هذه الاعتبارات إلى خانة الأمور العاجلة.

وبدلاً من أي شيء أكثر شراً، فقد تم إلقاء اللوم في سبب الفشل السيبراني على أكثر الأسباب واقعية: تحديث برنامج معيب. جاء ذلك من شركة «كراود سترايك» المتخصصة في الأمن السيبراني، مما تسبب في ظهور ما يسمى بشاشات الموت الزرقاء، في البداية على أجهزة الكمبيوتر في أستراليا، التي تعمل بنظام التشغيل ويندوز من مايكروسوفت. وانتشر الشلل الرقمي بسرعة في جميع أنحاء العالم مما تسبب في اضطراب هائل في البنوك والمطارات والمستشفيات ومحطات التلفزيون والعديد من المؤسسات الأخرى. وكانت مجموعات واسعة ومتنوعة ضمت لاعبين كوريين جنوبيين، وشركات طيران أمريكية، وأطباء بريطانيين ومنظمي الألعاب الأولمبية الفرنسية من بين المتضررين.

وقالت شركة «كراود سترايك» التي تمتلك قائمة من 29000 عميل عالمي، إنها تعمل بنشاط على حل المشكلة. لكنها استبعدت أية نوايا خبيثة من أي طرف خارجي، وهو ما كان يخشاه بعض العملاء المتأثرين في البداية. ونشر جورج كورتز، الرئيس التنفيذي للشركة على موقع «إكس»: هذا ليس حادثاً أمنياً أو هجوماً إلكترونياً. وقد تم بالفعل تحديد المشكلة وعزلها ونشر إجراءات الإصلاح، لكنه لم يصدر أي تلميح للندم على الفوضى الهائلة التي تسببت فيها المشكلة.

وسارعت شركات الأمن السيبراني الانتهازية المنافسة، إلى الإعلان عن أن الأطراف المتأثرة ستحتاج إلى إنفاق المزيد على خدماتها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. ولكن بالنظر إلى أن إحدى أبرز الشركات الرائدة في الصناعة هي التي تسببت في المشكلة، فقد يكون العملاء متشككين بحق في هذا التملق، حتى ولو كان من النادر أن ترغب الشركات، التي شهدت احتراق مستودعاتها «المجازية»، في إعادة توظيف مفتعل الحرائق.

عموماً، يتعين أن تكمن الاستجابة الأكثر عملية في ضمان قيام الشركات ببناء طاقات إضافية ومرونة في عملياتها وأنظمتها الداخلية. كما تحتاج كل شركة إلى إعادة النظر في خطط التعافي من الكوارث الخاصة بها والتأكد من قدرتها على العودة إلى العمل كالمعتاد، في أسرع وقت ممكن وبأي وسيلة كانت.

وهذا يعني غالباً الاعتماد على موظفين متفانين ومبتكرين، ممن يمكنهم كتابة بطاقات الصعود إلى الطائرة يدوياً، أو التحول بسرعة إلى الخدمات غير المتأثرة في الشبكة، على سبيل المثال. وقد تشعر الحكومات بالارتياح لأنه لا يبدو أن هناك أي طرف خبيث متورط، وأن هذا كما يتضح كان بمثابة خطأ تشغيلي، وليس هجوماً إلكترونياً. ولكن هذا الارتياح، لا ينبغي أن تكون ذريعة للتقاعس عن العمل، فهذا الانهيار الرقمي يسلط الضوء بشكل أكبر على الاعتماد المفرط المقلق للعديد من المؤسسات على بنيتنا التحتية الرقمية العالمية، وكذا على هشاشة الاقتصادات الحديثة. ويحتاج القطاعان العام والخاص إلى التعاون بشكل أكثر كثافة واستباقية لضمان قوة هذه البنية التحتية قدر الإمكان.

وقد أعلنت حكومة حزب العمال الجديدة في المملكة المتحدة، هذا الأسبوع، عن خطط لتحديث الدفاعات السيبرانية في البلاد، لإحباط المتسللين الذين يسعون إلى إتلاف البنية التحتية الوطنية الحيوية. لكن الحكومات البريطانية السابقة وعدت أيضاً بتحديث لوائح الشبكة ونظام المعلومات لعام 2018، بعد مشاورات مكثفة، غير أنها لم تجد وقتاً برلمانياً كافياً للقيام بذلك.

لقد قيل الكثير عن تفكيك عولمة الاقتصاد العالمي، حيث تم تفكيك سلاسل التوريد المادية، وأصبحت إعادة التصنيع إلى الوطن أمراً شائعاً. لكن في العالم الرقمي، العكس هو الصحيح: فقد أصبح الاقتصاد العالمي أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. وتم دمج البرامج والخدمات الرقمية الأمريكية والصينية بشكل أساسي في عمليات ملايين المؤسسات وجوانب الحياة اليومية للمليارات حول العالم. ربما تكون العولمة تتباطأ، لكن العولمة الإلكترونية تواصل تسارعها، لكن من الضروري التقليل قدر الإمكان من مخاطرها.

كلمات دالة:
  • FT
Email