تأخير تسليم الطائرات الجديدة يعوق تحقيق الأهداف المناخية للقطاع

تجبر عمليات التأخير في تسليم الطائرات، من جانب كل من إيرباص وبوينغ، شركات الطيران على تشغيل طائرات أقدم وأقل كفاءة في استهلاك الوقود لفترة أطول، وهو ما يعيق تقدم الصناعة نحو الحد من انبعاثات الكربون الضارة.

ويعدّ تحسين كفاءة استهلاك الوقود في الطائرات الجديدة من أبرز الإجراءات التي تتبناها صناعة الطيران، في مساعيها لتحقيق التزامها بالوصول إلى صافي صفر من الانبعاثات بحلول عام 2050. لكن بعد مرور أكثر من عامين على استئناف السفر الجوي بعد جائحة كورونا، تواصل الاضطرابات في سلاسل التوريد ونقص العمالة عرقلة إنتاج الطائرات.

وبينما من المتوقع أن تكشف كل من إيرباص وبوينغ عن قائمة جديدة من طلبيات شركات الطيران الجديدة خلال معرض فارنبورو للطيران هذا الأسبوع، تزداد المخاوف من أن الفجوة بين العرض والطلب قد يعيق تقدم الصناعة في خفض الانبعاثات حتى نهاية العقد.

وصرح روب موريس، رئيس قسم الاستشارات لدى شركة سيريم، أن «العجز التراكمي في عمليات التسليم سيستمر حتى عام 2028 على الأقل، وأن ذلك يعني أن شركات الطيران ستمدد تشغيل الطائرات لفترة أطول، مع بقاء الطائرات متوسطة العمر والقديمة في الخدمة».

ويتسبب الطيران في نحو 2 % من الانبعاثات العالمية المتعلقة بالطاقة، وقد عادت الحركة الجوية إلى مستويات ما قبل الجائحة تقريباً بحلول نهاية العام الماضي، وتعتقد الصناعة أنها قادرة على تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 مع الحفاظ على وتيرة النمو، وقد وضعت عدة إجراءات لخفض صافي انبعاثاتها، ويشمل ذلك اعتماد وقود الطيران المستدام والطائرات الجديدة وتعويضات الكربون.

ووفقاً لخريطة الطريق الأوروبية لتحقيق الحياد الكربوني في الصناعة، فإن الطائرات الجديدة العاملة بالوقود التقليدي ستمثل ما يقرب من خمسة مستويات خفض الانبعاثات في القطاع بحلول عام 2050. وتستهلك الطائرات المزودة بمحركات الجيل الجديد، مثل عائلة طائرات «إيه 320 نيو»، وقوداً أقل بنحو 15 %، وتطلق انبعاثات كربونية أقل بنحو 15 % مقارنة بالجيل السابق.

وقال نيخيل ساشديفا، الرئيس العالمي لقسم الطيران المستدام لدى رولاند بيرغر للاستشارات، إن خطط التوسع لشركات الطيران ثابتة ولا تتغير حتى مع التأخير الهائل في عمليات تسليم الطائرات الجديدة. لكن تجد شركات الطيران نفسها أمام «ضربة مزدوجة تتمثل في تأجيل تقاعد الطائرات والنماذج المؤجرة القديمة» أثناء محاولتها الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالنمو، على حد قوله.

ومن المتوقع أن تقوم كل من إيرباص وبوينغ بتسليم طائرات أقل مما كان مخططاً له هذا العام. وخلال الشهر الماضي، ذكرت شركة صناعة الطائرات الأوروبية أنها ستسلم قرابة 770 طائرة تجارية هذا العام، وهو ما يقل عن هدفها السابق البالغ 800 طائرة.

وفرضت الجهات التنظيمية للطيران في الولايات المتحدة حداً أقصى قدره 38 وحدة شهرياً على إنتاج بوينغ من طراز 737 ماكس، حيث تتعامل الشركة مع مشكلات في التصنيع والجودة بعد انفجار جزء من إحدى طائراتها في الجو خلال شهر يناير. وسلمت الشركة الأمريكية 44 طائرة تجارية في يونيو، وهو ما يمثل انخفاضاً قدره 27 % مقارنة بالعام الماضي.

وأشار روب موريس من شركة «سيريوم» إلى أنه من المتوقع حدوث أكبر عجز في عمليات التسليم خلال العام المقبل، وعدلت شركة الاستشارات توقعاتها السابقة، وخفضت النسبة المتوقعة للطائرات ضيقة البدن المجهزة بمحركات الجيل الجديد من 32 % إلى 27 %.

وأضاف أن ذلك سيكون له «تأثير سلبي على كفاءة الأسطول من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والأداء الاقتصادي»، لكن بحلول 2030، سينتهي العجز في عمليات التسليم، وسيكون 55 % من الأسطول العالمي للطائرات ضيقة البدن من طائرات الجيل الجديد.

وبينما يشعر المسؤولون التنفيذيون في شركات الطيران بالإحباط بسبب التأخيرات الواسعة في عمليات التسليم، إلا أنهم يعتقدون أنه من السابق لأوانه تحديد متى قد يبدأ نقص الطائرات الجديدة فعلياً في إخراج خريطة الطريق لتحقيق الحياد الكربوني عن مسارها. وقال أحدهم: «من المؤكد أن التأخير الواسع والمستمر في عمليات التسليم سيشكل عاملاً خطراً».

ومع ذلك، يقلل بعض خبراء الصناعة من التأثير طويل المدى للطائرات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود على إجمالي الانبعاثات. وأشار ساش توسا، المحلل في وكالة بارتنرز، إلى أن النمو السنوي المتوقع للحركة الجوية بمتوسط يزيد على 3 %، والارتفاع المصاحب في الانبعاثات سيتجاوزان أي وفورات في الانبعاثات من الطائرات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود.

وعلى المدى الطويل، يظل وقود الطيران المستدام (SAF) هو الرهان الرئيس لقطاع الطيران للحد من الانبعاثات. ويمكن لوقود الطيران المستدام، المصنوع من مجموعة من المصادر غير الأحفورية، بما في ذلك مخلفات زيت الطهي والمحاصيل، أن ينتج انبعاثات كربونية أقل بنسبة 70 % مقارنة بوقود الطائرات التقليدي.

ويشكك منتقدو وقود الطيران المستدام في كونه خياراً قابلاً للتطبيق لخفض الانبعاثات في قطاع الطيران، حيث يتم إنتاجه بمستويات منخفضة للغاية، وتكلفته أعلى بكثير من الوقود التقليدي. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر بعض علماء البيئة استخدام المحاصيل والأراضي لإنتاج هذا الوقود غير مستدام، في حين يسلط آخرون الضوء على أن الوقود لا يزال ينبعث منه غازات الدفيئة أثناء الاحتراق.

ورغم ذلك، يرى المسؤولون التنفيذيون أن وقود الطيران المستدام هو خطوة رئيسة لخفض انبعاثات الكربون، وقال سكوت كيربي، الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد إيرلاينز، للمحللين إن «الحل الوحيد لإزالة الكربون من قطاع الطيران هو استخدام وقود الطيران المستدام»، مضيفاً أن «تحقيق صناعة مستدامة وناجعة لوقود الطيران المستدام هي الطريقة التي سنحقق بها في النهاية هدفنا لإزالة الكربون بنسبة 100 %».