للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن، أشعر بالتفاؤل إزاء قدرة اقتصادات البلدان المتقدمة على الخروج بشكل حاسم من روتين النمو المنخفض.
فقد أدى النمو غير الكافي لفترة طويلة جداً، إلى تقويض الرفاهية الاقتصادية، وإضعاف الموارد المالية العامة الهشة من الناحية الهيكلية، وتفاقم عدم المساواة، وازدادت صعوبة التصدي لمعالجة التهديدات العالمية التي تهدد الأرواح وسبل العيش مثل تغير المناخ والأوبئة.
ويمكن إرجاع جذور هذه المشكلة إلى بداية هذا القرن، فبدلاً من التركيز على الإصلاحات البنيوية التي تعزز الإنتاجية، وقعت العديد من الدول في حب الخدمات المالية باعتبارها أقصر طريقاً مختصراً للنمو. بل إن البعض تصرف كما لو أن التمويل هو المرحلة المقبلة لتطور الرأسمالية، بعد الزراعة والصناعة والخدمات، الآن التمويل.
كانت تلك الرومانسية هي التي جعلت المنظمين يختارون نهج «اللمسة الخفيفة»، وتنافست الدول بشراسة لتصبح مراكز مالية دولية. ولم يكن هناك سوى القليل من المخاوف بشأن فصل القطاع المالي المتوسع باستمرار عن الاقتصادات التي كان من المفترض أن يخدمها، وذلك إلى أن أصبح غير قابل للاستدامة، وبلغت ذروته في الأزمة المالية العالمية.
وبدلاً من معالجة الأزمة على أنها دليل على الفشل البنيوي، اختار العديد من صناع السياسات نهج الاستجابة المؤقتة.
وفي غياب محركات جديدة للنمو، زاد العجز المالي والميزانيات العمومية للبنوك المركزية بما يتجاوز تصور أي شخص. في الوقت نفسه، كانت تدابير إلى تعزيز الإنتاجية، في أحسن الأحوال، مجزأة وغير متسقة وتفتقر إلى إطار استراتيجي.
وبعد المعاناة من العواقب، وضع عدد متزايد من الحكومات النمو، حالياً، على صدارة أجندتها السياسية. ويتجسد هذا بوضوح في تبني الحكومة البريطانية الجديدة «مهمة تحقيق النمو» واتخاذ تدابير عاجلة لـ«إزالة القيود والمعوقات». ومن المتوقع أن تحذو الإدارة الأمريكية الجديدة حذوها.
هذا التطور هو جزء من السبب في زيادة تفاؤلي بشأن النمو في الأمد المتوسط. والسبب الآخر هو إدراك أن تخفيف القيود يجب أن يقترن بظهور محركات نمو قوية وجديدة للنمو في المستقبل، وثمة أدلة علمية كافية تشير إلى أن هذه المحركات ليست احتمالاً ممكناً فحسب، بل راجحاً أيضاً.
فمن الواضح أنه عاماً بعد عام، تظهر المزيد من الابتكارات المثيرة للإعجاب في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والعلوم الحياتية والطاقة المستدامة. وكل منها لا يحسن فقط «ما» ننجزه فقط، بل أيضاً «كيف» ننجزه. ويغذي هذا الاتجاه تمويلات سخية من القطاع الخاص، والخبرة البشرية الكبيرة، وقدرات الحوسبة المتنامية.
وإلى جانب عوامل التمكين هذه، هناك مصادر أخرى للنمو المحتمل، وذلك من خلال إعادة هيكلة قطاعات محددة، ما يخلق تأثيرات «غير مباشرة» مفيدة للاقتصاد ككل. وينطبق هذا على مجالات، مثل الرعاية الصحية والأمن الغذائي والدفاع، حيث توجد فرص كبيرة لتحقيق مكاسب في الإنتاجية، سواء مباشرة أو غير مباشرة. رغم ذلك، هذا التفاؤل لا يخلو من تحديات، حيث يتمتع كل محرك جديد للنمو بما أصفه بخصائص 80/20، حيث تكون 80 % من التأثيرات المحتملة إيجابية، لكن أيضاً ثمة احتمال بنسبة 20 % لحدوث عواقب سلبية. ويتمثل التحدي في إطلاق العنان للمزايا الواعدة مع إدارة المخاطر. وسيؤثر سياق السلوك في الدول المختلفة على ذلك. على سبيل المثال، قد يميل المبتكرون في الولايات المتحدة إلى التركيز فقط على الفوائد المحتملة بنسبة 80 %، بينما قد يقف المنظمون في أوروبا مكتوفي الأيدي إزاء خطر الـ20 %.
وهناك تحدٍ آخر يتمثل في تجنب تكرار خطأ العولمة، وهو التغاضي عن العواقب المتعلقة بالتوزيع. ويتعين التأكيد على إمكانية تعزيز العمالة بدلا من خطر إحلال هذه الابتكارات محل العمالة بأسلوب استباقي ومستدام. وستؤدي القيادة ذات الرؤية دوراً أساسياً في هذا الصدد، وكذلك الإبحار في عالم مجزأ أفسحت فهي إمكانية التعاون المربح للجانبين المجال أما التباعد والتشرذم.
لكن رغم أن التحديات حقيقة واقعة، لكنها ليست كافية لتثبيط تفاؤلي. وإمكانية تحقيق نمو استثنائي هي إمكانية حقيقية وواعدة.
ولسنوات عدة، كنت أشعر بالقلق من أن جيلي قد يخلف لذريتنا عالماً يعاني قصوراً في النمو، كما يعاني وضعاً شنيعاً من عدم المساواة، وتدهور الخدمات العامة، والديون المرتفعة، وكوكب مدمر. ومع ذلك، أشعر الآن بمزيد من الأمل في حصولهم على أدوات جديدة قوية للتغلب على هذا الإرث المروع، وتمكين أطفالهم من العيش في عالم أكثر رخاء واستدامة وإنصافاً.
عميد كلية كوينز بجامعة كامبريدج ومستشار لمجموعتي أليانز وجراميرسي